“عامر طهبوب” ينكش الذاكرة من خلال السرد السياسي
في كتابه بعنوان”زمن السرد”….عامر طهبوب ينكش الذاكرة من خلال السرد السياسي
الكتاب تضمن حوارات مع ثلاثة رؤساء وزراء أردنيين في اوقات حرجة
ما قاله المصري وعبيدات ونسيبة إستشراف مستقبلي تحقق بكل ما فيه
عامر طهبوب: قضيت رحلتي الصحفية بحثا عن الصندوق الأسود أو محاولة للإستيلاء على حصون مغلقة
المنتصف
كتب :أسعد العزوني – عمان
يوم الثلاثاء “اليوم”كنت على موعد غير متوقع مع نجم إعلامي أردني يعمل في الخليج ،وكنت بصحبة النجمين الصديقين الناقد تيسير نظمي والشاعر الصعلوك محمد العامري،في رابطة الكتاب الواقعة بجبل اللويبدة ،عندما إقتحمنا عامر طهبوب ،محدثا ضجة غير مفتعلة في المكان،وصافحنا وتعرفت عليه ،ومن ثم طلب من أحدهم إحضار عدة نسخ من كتابه الأخير بعنوان”زمن السرد…حديث مع حازم نسيبة وأحمد عبيدات وطاهر المصري”.
إرتحت للضجة التي أحدثها طهبوب في المكان ،وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث الممتع ،وأخذ يغوص معنا في ذاته حتى أنه كشف لنا عن جوانب تربيته من قبل والده الذي أوصاه ألا يصافح أحدا ويجعل يده فوق يد من يصافحه ،وهذه في علم الرجال ذو مغزى،علما أنني إكتشفت أن طهبوب رغم معرفتي القصيرة به عبارة عن فرق إعلامية وسياسية تعمل معا وتتجسد في شخص واحد.
تحدث طهبوب عن رواية له تروي قصة ومسيرة فتاة فلسطينية لا جئة في لبنان وتتزوج في اليونان ،وقال جملة أن اليونان أقرب إلى فلسطين من لبنان ،وعندها خالفت الدارج بعدم مقاطعة المتحدث ،وقلت له :”والله لو انك لم تقل غير هذه الكلمات لكفتك”،وقد إستحضرت موقف الحكومة اليونانية من القضية الفلسطينية وأن يونانيا هو الذي لحن النشيد الوطني الفلسطيني ،كما ان الحكومة اللبنانية هذه الأيام تمارس الضغوط على اللاجئين الفللسطينيين بتوجيه وإملاء من النظام السعودي ،كي يرضخ هؤلاء اللاجئين ويوافقوا على صفقة القرن ويقبلوا بالتوطين وينسون وطنهم فلسطين بطبيعة الحال.
يقول الأستاذ عامر طهبوب في مقدمة كتابة بعنوان”في فن القول وحبس الكلام، أن نبش الذاكرة حكاية ليست يسيرة،وهي جل ما تطلعت إليه في كل الشخصيات اللامعة التي التي أنشر حواراتي معها في هذا الكتاب ،وكأنني في رحلة بحث دائمة عن “الصندوق الأسود”أو محاولة للإستيلاء على حصون مغلقة عملت على إعادة فتحها أمام الجمهور،أستأنف السؤال تلو السؤال ..أختطف الإجابات وأصغي إلى الذكرى وأتفكر بمعاني كل فكرة،وإستنطقت ضيوفي الأكارم وإستعدت معهم الوجوه والوقائع والتاريخ والجغرافيا والأحداث، في رحلة بدأت قبل 23 عاما عندما تشرفت بمحاورة رئيس وزراء الأردن احمد عبيدات ودولة الأستاذ طاهر المصري رئيس وزراء الأردن الأسبق،والوزير المخضرم ومندوب الأردن الأسبق في مجلس الأمن حازم نسيبة ،كلا على حدة ،حوارات مطولة وجلسات عديدة إمتد بعضها على مدى أشهر قبل نشرها في غير صحيفة أردنية وعربية ،في محاولة لإخراج الذاكرة من غمدها أو إضاءة مصابيح تطرد العتمة من على مفترقاتها وتتيح الرؤية للكتابة.
إتضح لي أنني وطهبوب تخرجنا من مدرسة واحدة ،فانا أيضا محاور جيد اختار أهدافي بعناية وإتقان ،وأخرج مقابلاتي كوثائق للباحثين وليست لملء مساحة في جريدة،وهذا ما شدني لقراءة الكتاب والتمعن في الحوارات ،وتحليل الأسئلة قبل الغوص في تحليل الأجوبة ،خاصة وان الثلاثة المستهدفين في هذا الكتاب شغلوا مناصب رفيعة المستوى.
يقول طهبوب في مقدمته أن المعلومات التي هي إجابات لأسئلة متحمسة ،ربما تشكل جانبا من الحقيقة لكنها أبدا ليست الحقيقة كاملة إنما هي محاولة للفهم والمعرفة،وقراءة أفكار وتحليل شخصيات صنعت القرار ،أو ساهمت في صنعه،أو انها كانت قريبة من صانع القرار،ويضيف ان عبيدات ونسيبة والمصري يروون تجارب شخصية وآراء شخصية لأحداث جسيمة عصفت بمنطقتنا العربية وما تزال تعصف،وقائع وحقائق وإنطباعات وتفاصيل فشل الزمن في مواراتها خلف ظهره وكان يجب ان يفشل.
إستهل طهبوب كتابه بحوار مع السيد حازم نسيبة الذي قال في مقدمته أن طهبوب إستنطقه وحرك كوامن ذاكرته على مدى شهرين.
وتضمن الحوار المطول الذي يصلح ان يكون كتابا بمفرده ،وبدأ بالنشأة والميلاد وإنتهى بالنصيحة التي يجب تقديمها للجيال المقبلة ،ولم يترك طهبوب شاردة او ورادة تتعلق بمسية نسيبة إلى وقرع بابها وغاص فيها مستفسرا عنها تاركا المجال لضيفه كيف يديب على أسئلته حسب ما هو مسموح ومعقول.
إتسمت إجابات نسيبة بأنها عبارة عن بيان سياسي متكامل يتحدث عن قضية بعينها ،وفي حال مقارنة أجوبته بما يحصل هذه الأيام نجد ان الرجل كان يلامس شغاف الحقيقة عندما كان يجيب على أسئلة طهبوب الذي لم يكن صحفيا سطحيا ،وإنما كان محللا سياسيا يعرف أهدافه ويتقن فن الوصول إليها ،فعلى سبيل المثال يسأله طهبوب إن كان الفلسطيني سيحظى بمكان له في القدس المحتلة ،ويجيبه نسيبة ان إسرائيل لن تمنح الفلسطينيين شبرا واحدا في القدس ،وهذا ماجرى.
اما مقابلة السيد أحمد عبيدات فكانت عملا مختلفا ،فالرجل ليس عاديا ،فقد كان مديرا للمخابرات العامة ،لكنه إنتقل إلى العمل السياسي بتعيينه رئيسا للوزراء دون تأهيله لذلك ،الأمر الذي ادى إلى إقالته لأن أداءه كان مختلفا ،حيث أنه طرح شعارا أراد تطبيقه وهو :من أين لك هذا؟،والأغرب من ذلك انه خرج من الحكومة زعيما للمعارضة الأردنية ،وأعلن معارضته لكافة الحلول السياسية مع مستدمرة إسرائيل،وكان طرحه عقلانيا متوازنا بعيدا عن لهجة السياسيين،وكان يعطي الجواب مثقلا بالدلائل المنطقية والحجج والبراهين.
كان عبيدات وربما بحكم عمله السابق مديرا للمخابرات مطلا على كافة ما يوجد في الصندوق المغلق المدفون تحت سابع أرض ،وهذا ما كان يظهر في أجوبته ،المثقلة بالمعلومات ومغلفة بالشفافية والقدرة على إظهار المشهد بألوان قوس قزح،مختلفا بذلك مع الكثير من السياسيين الذين يعجز المرء عن فهم ما يريدون قوله في حواراتهم الصحفية.
كانت أسئلة طهبوب في غاية الحساسية إذ كانت تضرب في العمق الأردني ،وكانت أجوبة عبيدات في غاية الشفافية،إذ كان هو أيضا يضرب في عمق العمق ،ويقد الإستشرافات وكأنه يقرأ من كتاب منزل ،ولو قارنا ما قاله عبيدات عام 1996 وما يحصل اليوم ،لوجدنا ان عبيدات لم يجب على سؤال رغبة في ملء فراغ بل لتسجيل حقيقة،ها نحن نعيشها اليوم.
أما حوار السيد طاهر المصري فكان أشبه بسيرة ذاتية ،ومحطات رسمية خدم فيها المصري نائبا و سفيرا ووزيرا للخارجية ورئيسا للوزراء ،رغم ان والده وعمه سجنا في نابلس والجفر ،والملاحظ ان المصري كان صريحا في إجاباته على الأسئلة الحساسة ومنها قرار فك الإرتباط بين الضفتين ،وكان جوابه أن ذلك القرار صدر بدون علمه.
كوني امتلك باعا في الحوارات السياسية وقابلت في مسيرتي الصحفية التي تزيد عن أربعين عاما االكثير الكثير من الشخصيات الوازنة العربية والعالمية ،أنصح بقراء هذا الكتاب وتعميمه على كافة الجامعات العربية مساقا منفصلا مزدوجا يستفيد منه الطالب والمدرس والباحث والناقد.