يوميات فتاة شرقية….بقلم م.علاء الدباس
يوميات فتاة شرقية
المنتصف
م.علاء الدباس
روتين قاتل .. نفس الأشياء ونفس الأشخاص .. لم أشهد شئ جديداً في حياتي .. الساعة الأن الثامنة صباحاً .. وأنا في طريقي إلى الجامعة .. الطريق طويلٌ ومتعبة .. لا أشتهي الأن الا الصمت .. ولكن إزعاج الركاب في الحافلة يحول دون ذلك .. فأنا أجلس بجانب النافذة في محاولة لتأمل الطبيعة .. بعيداً عن ترهات المجتمع الذي قام بفصلنا عن تلك الطبيعة .. وقام بوضع أقنعةً علينا لا تناسبنا ابداً .. ولكن ليس لديك خيار .. أما أن تعيش بقناع .. أو تبقى تعيساً إلى الأبد .. الناس ينظرون إلي بغرابة .. ربما بسبب شعري الطويل .. هو في الحقيقة طويل جداً .. هو يضايقني أحياناً .. خاصةً عندما أجلس بجانب النافذة ويكون الهواء قوياً .. ولكنني أحبه برغم ذلك .. ولكنهم يكرهون ذلك .. يريدون أن أخفيه عن الناظرين بحجج واهية .. ودوافع نفسية ظاهرية .. ولكن الدوافع النفسية الباطنية هم غافلون عنها .. لا يهم ذلك على أية حال .. المهم أن أفعل ما أريد وكما أريد .. ها قد وصلنا أخيراً .. هيا انزلوا بسرعة .. سوف أتأخر عن المحاضرة .. أنني أقع في نفس المعاناة .. فالطريق الذي يؤدي من الحافلة الى البناية التي أقصدها بعيدٌ جداً .. ليس هذا من باب التعب .. فأنا أحب الرياضة .. ولكنني أرمى بوابلٍ من الشتائم أثناء الطريق .. وليس عندي أصدقاء حتى أتسلى معهم في الطريق .. فالكل يراني كخطر يهدد شيئاً ما .. البعض يراني بأنني أهدد عقائده الدوغمائية .. والبعض يصفني بالمنحرفة .. والبعض يصفني بأنني عاهرة .. هذا هو حالي .. مع أنني لا أعاملهم الا معاملة طيبة .. ويطلبون مساعدتي وقت الشدائد .. وما أن تُقضى مطالبهم .. حتى يعودوا إلى ما كانوا عليه .. لم أحدثكم عن التحرشات التي أتعرض إليها يومياً .. لا أعرف لماذا يفعلون ذلك .. فلقد نشأت في هذا المجتمع على أساس أخلاقي .. ولكن جوابهم مختلف بعض الشئ .. هم يقولون بأنهم يتحرشون بي لمصلحتي .. حتى أعود عن بعض أفكاري الغريبة والمنحرفة .. وحتى أقرر حياتي بناءً على أهوائهم .. كان لدي صديقي يعاملني بنفس الطريقة .. كان كل ما يراني يعطيني بعضاً من نصائحه .. كان يكررها يومياً .. لقد حفظتها عن ظهر قلب .. كان يريد مني أن ألبس كما يريد .. وان أمشي بالطريقة التي يحبها ويقبلها حتى لا أجرح مشاعره .. حتى أفكاري التي توجد داخل رأسي كان يريد أن ينتشلها ويضع أفكاره بدلاً من ذلك .. ولكنه مع ذلك .. كان يحفظ ألوان ملابسي أكثر مني .. حتى ملابسي الداخلية كان يعرفها جيداً .. أكثر مني حتى ! .. لا أعرف كيف .. فأنا لا أعتقد بأنه رأها .. حتى أنا لا أعرفها أحياناً .. ولكنه كان يعرفها مع ذلك .. كان يمتلك قوة بصيرة لا مثيل لها .. و دائماً ما ينصحني بأن أكون عفيفة وطيبة وتقية مثله .. في أحد المرات أمسكت هاتفه لأقوم بإجراء بعض الأتصالات .. وعندما انتهيت أصابني فضولٌ كبير .. فقمت بتصفح قائمة الأسماء لديه .. لقد فاجأني ذلك .. فهو يعرف قدراً من الفتيات أكثر مني حتى ! .. هذا غريب جداً .. ولكنه في نفس الوقت .. كان يدعو إلى إلغاء الإختلاط في الجامعات .. وكان يدعو ايضاً إلى معاقبة كل شاب يجلس مع أي فتاة في الجامعة والعكس صحيح ايضاً .. ولكنني شعرت بالعار حينها .. وقلت لنفسي : ربما أنني أسأت الظن به .. ثم أنه لا يجوز أن أفتش هواتف الناس , ولكن هذا ما حدث على كل حال .. سألت صديقي عن هؤلاء الفتيات وأجابني بقلق : نعم نعم .. أعلم ذلك .. هؤلاء الفتيات أتحدث معهم في شؤون الدراسة فقط .. ثم من سمح لك أن تتدخلي في شؤوني ! , لقد أًصبت بالصدمة حينها ! .. فأنا لم أرى وقاحة بهذا القدر في حياتي .. لقد تدخل في كل شئ يخصني منذ أن عرفته .. ولكنه غضب عندما سألته سؤالاً بريئاً ! .. على أية حال .. صديقي الأن ليس على حال جيدة .. فهو يمضي بقية حياته القصيرة في أحد المراكز المختصة بمرض نقص المناعة المكتسبة .. فلقد سافر إلى روسيا لإكمال دراسته .. ولكنه لم يفلح في ذلك .. يبدو أن البشر يحبون إسقاط دوافعهم اللاواعية عليك .. وهذا ما يجعلهم متناقضين على الدوام .. أما صديقتي الوحيدة في الجامعة .. كان صديقة جميلة وطيبة .. ولكنها ايضاً كانت تدمن النصائح كعادة الجميع .. فكانت دائماً ما تقيم لباسي وأفكاري وحتى بواعثي تدعي بأنها تعرفها .. في أحد الأيام تلقيت إتصالاً من صديقتي هذه .. تخبرني بأنها في أزمة كبيرة .. فتركت كل ما يشغلني وذهبت إليها .. وعندما ألتقيت بها قالت لي : أريد أن أخبرك بسر خطير .. أرجو أن لا تخبري أحداً , فقلت لها : حسناً ما هو ؟! , فقالت : في الحقيقة .. أنا حامل ! .. , لم أصدق ماذا سمعت وقلت : ماذا ؟! .. كيف حدث ذلك ؟! .. هل أنت متزوجة ؟! , فقالت لي وهي تبكي : لا .. لقد خرجت مع أحد أصدقائي وحدث ما حدث .. ثم اكتشفت بالصدفة بأنني حامل ! , فقلت : هذه مصيبة ! .. على الأقل بالنسبة لنا ! , فقالت : ساعديني أرجوك .. أعطني بعض النصائح ! , فقلت : ماذا ؟! .. نصائح ! .. هذا هو اختصاصكم وليس اختصاصي ! .. أريد الذهاب الأن لقد تأخرت .. إلى اللقاء , فقالت :حسناً .. أرجوك أن تفكري بحل لمشكلتي ! .. إلى اللقاء , في صباح اليوم التالي خرجت كعادتي إلى الجامعة ..ولكنني كنت هذه مرة مسرورة جداً .. ولقد أصبحت أفكاري أكثر دوغمائية .. وفي الطريق اعترضت أحد السيارات المسرعة الحافلة وتوقفت أمامها .. خرج منها أحد المسلحين وكان يلبس أحد الأقنعة المخيفة .. دخل الحافلة والكل كان مرعوب إلا أنا ! .. لم أعرف لماذا .. ثم نظر إلي بطريقة مخيفة .. وقال لي : أيتها العاهرة ! .. ما هذا اللباس الذي تلبسينه ؟! , فقلت : هذا ليس من شأنك ! , فقال : أنا أحذرك للمرة الأخيرة ! .. هيا أجيبي ! , فقلت : ألم تسمع الإجابة ؟! .. قلت لك هذا ليس من شأنك ! , لم أشعر بشئ حينها .. شعرت أن شئً اخترق صدري .. شعرت حينها أنني سأغيب عن الوعي فسقطت ارضاً .. يبدو أنني أفارق الحياة .. أنني سعيد الأن .. فلقد دخلت الحياة وسأخرج منها الأن وأنا لم أعير عقلي لأحد .. بقيت مستمسكاً بما أمنت به .. تستطيعون الان أن تسموني بشهيدة الحرية ! .. فأنا أحب هذا ! …