أخبار المنتصف
أخبار عاجلة
مقالات

بمناسبة الذكرى الخامسة لإبادة الإيزيديين..بقلم سعد سلوم

سعد سلوم / المنتصف
سعد سلوم / المنتصف

المنتصف

على نحو متزامن مع حلول الذكرى الخامسة لإبادة الإيزيديين في سنجار كنت أقرأ كتاباً يتناول تقييم الأسئلة المشحونة والأساسية حول المحرقة (الهولوكوست):

هل هي فريدة من نوعها؟ كيف يمكن مقارنتها بحالات الإبادة الجماعية الأخرى؟ ما الذي يشكل إبادة جماعية ، وكيف يجب أن يستجيب المجتمع الدولي لتحدي الإبادة الجماعية؟ وكان الجدل محتدماً بين أولئك الذين يخشون من أنه إذا تم اعتبار المحرقة أسوأ حالة من حالات الإبادة الجماعية على الإطلاق ، فإن طابعها سيقلل من معاناة الجماعات المضطهدة الأخرى. على الجانب الآخر ، جادل أخرون بأنه ما لم يتم تأسيس تفرد الهولوكوست ، فسوف ينشأ ميل حتمي إلى تقليص أهميته الدائمة.

في سياق إحياء ذكرى الإبادة الجماعية للإيزيديين التي أحب أن أطلق عليها تسمية “الفرمان الأخير”، أدعو لكي يتم النظر للإبادة الإيزيدية بوصفها جريمة فريدة من نوعها في تاريخنا الوطني على نحو معادل للهولوكوست في السياق الأوروبي، لكن المماثلة لا تتعدى المقارنة في فظاعة الجريمة وفرادتها، بل تحفز على نحو مناسب تماماً مراجعة ثقافية وإخلاقية طويلة المدى، كما حدث أن شكلت المحرقة (الهولوكوست) بالنسبة للضمير الأوروبي حافزاً وصدمة لمراجعة علاقة الإبادة بالحداثة والتشكيك بقيم التنوير التي كان لها جانب مظلم، فضلاً عن تأثيرها على دراسات الإبادة ونطاق فهم وتطوير حقوق الإنسان. 

إحياء الذكرى الإيزيدية ينبغي أن ينصب على تحفيز لحظة مراجعة مماثلة.

لقد زرعت بذور الجهد الجماعي للأهتمام بالإبادة قبل ستين عاماً، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 260، المتمثل في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في 9 كانون الأول/ ديسمبر، 1948. وعلاوة على ذلك، أعلنت الأمم المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 يوم 27 كانون الثاني/ يناير، اليوم الذي قامت فيه قوات الاتحاد السوفياتي بتحرير معسكر أوشفيتز في عام 1945 بوصفه اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست. ومع إننا في العراق وإقليم كردستان ومناطق أخرى من العالم، نحيي ذكرى الإبادة الإيزيدية سنوياً بتاريخ مقترن بإرتكاب الجريمة، فبودي إن يتحقق حلم إحيائها بالأقتران مع حدث أخر، مع ذكرى التحرير الشامل وعودة النازحين، اليوم الذي يتم فيه تحرير جميع المختطفات الإيزيديات وعودتهن الى مجتمعهن، وعودة النازحين جميعا الى المناطق التي هجروا منها. 

في العام الماضي ناقشت بشكل موسع في مؤتمر مؤسسة يزدا لإحياء ذكرى الإبادة فكرة “أن لا مصالحة من دون عدالة”، وحددت على المدى القصير كيف يمكن أن تكون شروط هذه العدالة، معاقبة الجناة والتعويض للضحايا وعودة النازحين و تحرير المناطق الإيزيدية من الصراع السياسي بين الكبار، لكن هذه السنة أود أن أتحدث عن العدالة بوصفها عملية شاملة تتطلب نضالاً مستمراً وليست مجرد هدف يتحقق”. وعلى نحو يرتبط بتحفيز لحظة المراجعة التي تحدثت عنها قبل قليل، ولذا، سوف أركز على عملي من خلال مؤسسة مسارات لجعل ذكرى الإبادة حافزاً للمراجعة الشاملة، بهدف أن لا تتكرر المأساة مرة ثانية. 

في هذا السياق فإن التعريف بالإبادة يعد أمراً غير منفصل عن لحظة تنوير تتعلق بالتعريف بالإيزيديين ومعتقداتهم وتاريخهم، أعلم إنه أمر معقد. كيف تدرس الفظائع والآلام في بلد يخيم عليه عبء ثقيل من مجازر وإبادات أرتكبتها الدولة ضد المجتمع، أو ارتكبها عراقيون ضد أخوانهم ومواطنيهم، نحن لا نريد أن نغمض العين عن الماضي، لإننا بهذه الحالة لن نرى الحاضر. ومن لا يرغب في التذكر يصبح معرضاً لتكرار الحماقات نفسها. لذا نريد أن نتذكر بشكل فاعل، وليس تذكراً على سبيل الإستعراض أو لخداع الضحايا.

ولذا، وفي سبيل جعل هذه المعرفة منهجية وشاملة، أطلقنا هذه السنة بالإشتراك مع مؤسسات دينية وجامعية وزعامات دينية متنوعة “معهد دراسات التنوع الديني” الذي يعد خطوة مكملة لتأسيس المركز الوطني لمواجهة خطابات الكراهية التي أطلقناه العام الماضي. هاتان خطوتان في عملية المراجعة والإصلاح تهتدي بأدراك من كون تحقيق أرضية للعدالة التي هي عملية شاملة يتطلب مواجهة التنميط السائد للأخر. نعم، بعد مرور خمس سنوات على الإبادة ما يزال الإيزيديون يتعرضون لتنميط وتستمر حالة الجهل والتجهيل بهم، ويظل النضال من أجل تغيير الصور النمطية هدفا يتحقق عبر خطوات. وإذا ألقيت نظرة سريعة على خطابنا الثقافي والإعلامي فستجد إنه عادة ما يجري تصوير الأقليات بطريقة نمطية من خلال تعميمات واسعة النطاق للسمات المتصورة للفئة ككل، والتي تكون سلبية (النظر لهم كضحايا على سبيل المثال يجردهم من المساواة ولا يستعيدهم على مستوى الشريك الفاعل). فضلاً عن تطور تغذية الافتراضات والآراء الخاطئة وغير الدقيقة لمواقف تمييزية وأوجه تعصب راسخة، وتسفر هذه التصورات النمطية عن وصم أقليات دينية بأسرها ونزع الطابع الإنساني عنها. يعزز هذا التصوير السلبي الآراء الراسخة في الأقليات الدينية باعتبارها “الآخر”، ويديم الأفكار المتعلقة بالحرمان وعدم المساواة على المستوى الهيكلي، لا سيما حين لا يساهم الإعلام أو المثقفون في تقديم عرض أوسع نطاقاً وأكثر دقة للحالات التي تواجهها الأقليات الدينية بسبب هذا التنميط المتوارث. وتبدو خطورة مثل هذه الصورة وإعادة إنتاجها من كونها تجعل العنف مقبولاً اجتماعياً، ومن الممكن ممارسته على نطاق واسع. هناك حزمة من الصور النمطية التي تمثل قوالب فكرية ثابتة تحفز سلوكاً معيناً تجاه الأقليات، يبدأ بالتمييز والنبذ الاجتماعي وصولاً إلى الإقصاء السياسي، والنتيجة النهائية قد تكون “الإبادة”. 

خلال سنوات من الأبحاث والدراسات والتقارير الميدانية، تفاعلت “مؤسسة مسارات” مع الأسباب الرئيسة للتطرّف والتمييز الديني، وفي مقدمتها الجهل بالأخر في مناهج المدارس والجامعات ، والتي خلقت أرضية خصبة للقوالب النمطية الشائعة، عن الكيانات الدينية، معتقداتهم ، طقوسهم وحياتهم الاجتماعية. هذا بدوره يخلق بيئة لنشر التطرّف والكراهية والتمييز الديني الذي يعزز العنف والإبادة الجماعية بين المجتمع. لذا، فإن عملنا على تأسيس معهد لدراسة التنوع جاء ليوفر الكتب والمناهج الدراسية وتدريب الأكاديميين ورجال الدين القادرين على تنمية وعي المجتمع بشأن أهمية التنوع الديني في أطار (الوحدة في التنوع) وإدراك (أهمية التنوع كمصدر غنى) للبلاد. 

وبما أن المؤسسات الحكومية ذات الصلة تفتقر للقدرات، وأحياناً توفر الإرادة السياسية لإصلاح مناهج المدارس والجامعات بطريقة تعزز التنوع والتعددية الثقافية والتعايش بدلاً من التطرف والتمييز ، فقد عقدنا العزم منذ عام 2014 على إنشاء معهد مستقل للعمل لتأليف وتصميم مناهج عن الأديان وتدريب جيل من الأكاديميين ورجال الدين، نراهن على إنهم سينشرون قيم التنوع بين دوائرهم. وأعتقد إن تدريس الإيزيدية في المعهد بمنهج كتبه الإيزيديون أنفسهم، يمثل خطوة رائدة لمواجهة التصورات النمطية عن الإيزيديين، وينطبق الأمر ذاته على تدريس معتقدات المكونات الدينية الأخرى. 

يتضافر هذا العمل مع توفير تحليل منهجي لازم لمواجهة الكراهيات التي تنخر روح المجتمع وتبدد طاقته الخلاقة. هذا هدف ينبغي أن نسعى له ونعمل جميعاً من أجله، وقد اطلقت مسارات في عام 2018 مركزاً متخصصاً برصد وتحليل خطابات الكراهية، ولتبيان أههمية هذا التحدي فقد كشفت دراسة صدرت عن مسارات عام 2018 عن تلقي المواطن العراقي 37 كراهية يومياً من مختلف وسائل الإعلام مع الاستعداد لخوض الانتخابات، بينما ارتفعت الى معدل وصل الى 76 رسالة كراهية يومياً في الفترة من العام نفسه خلال الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان. 

ومع أن رسائل الكراهية لا تسفر جميعها عن ارتكاب جرائم فعلاً بدافع الكراهية، فإن تلك الجرائم قلما تحدث من دون حالة مسبقة من وصم الفئات المستهدفة ونزع الطابع الإنساني عنها، لذا، أعتقد إن من الأهمية بذل المزيد من الجهد من أجل رصد خطاب الكراهية والتحريض عليها والتصدي لها في الوقت المناسب من أجل منع التوترات وأعمال العنف التي من شأنها الإضرار بالنسيج المجتمعي ووحدة مجتمعاتنا واستقرارها. وعمل معهد دراسات التنوع والمركز الوطني لمواجهة خطابات الكراهية يوفران أرضية معرفية عن التنوع الديني تسهم في معالجة جذور الجهل المؤدية لنمو خطابات كراهية تقوم على فكرة “الأنسان عدو ما جهل”.

سوف أشارككم على سبيل التوضيح بمثال واحد من نتائج تقرير جديد صدر عن مركز مواجهة الكراهية تحت عنوان (الدولة العميقة : تحليل مجتمع الكراهيات العميقة والمنفلتة) كان حصيلة جهد تطوعي لألف وسبعة (1007) من الراصدين الذين تم تدريبهم على مراحل طوال عامي 2018-2019، أنصب عملهم على رصد 3618 موقعاً وصفحة وحساب على فيس بوك، و 35 / قناة تلفزيونية و10 / من الصحف المحلية. المثال المنتقى يتعلق بخطابات الكراهية ضد فوز نادية مراد بجائزة نوبل للسلام . تظهر الأرقام التي تم رصدها توجه 3256 رسالة كراهية موجهة ضد نادية بسبب فوزها بجائزة نوبل، وتنقسم كالتالي : 1302/ رسالة كراهية من النساء، و 326 من شخصيات عامة، و648 من أتباع ديانات غير مسلمة، و980 رسالة كراهية من رجال مسلمين. هذه الآرقام توفر معطيات ترسم لنا خريطة دقيقة عن أزمات فقدان الثقة ومسارات الكراهية التي تعبد الطريق للعنف الذي قد يتفجر في أي لحظة.

أنهي المقال بالدعوة الى مقترحين :

1 – أقترح تدريس الإبادة الجماعية في الجامعات العراقية، إذ أعتقد إن إدراج إلإبادة كجزء من المنهج الدراسي للتاريخ الوطني في المرحلة قبل الجامعية وفي منهج حقوق الانسان التي تدرس في الجامعات يعد جزءاً من العدالة كعملية شاملة، إذ تمثل الإبادة انتهاكاً من أشد انتهاكات حقوق الإنسان في تاريخ البشرية. ويجب أن تضطلع هذه الجريمة بدور واضح في تطوير وعي العراقيين بحقوق الإنسان. إن دراسة الإبادة تساعد الطلاب على التفكير في استخدامات السلطة وإساءة استخدامها من قبل نخب “البزنس” الطائفي ومقاويل الكراهيات، ومسؤولياتهم عند مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان. ويمكنها أن تزيد الوعي بإمكانية حدوث عمليات الإبادة الجماعية في العالم المعاصر. علاوة على ذلك، يمكن لها مساعدتهم على تطوير فهم تداعيات خطابات الكراهية والعنصرية والقوالب النمطية في أي مجتمع. وتنمية الوعي بقيمة التنوع في مجتمع تعددي وتشجع على مراعاة حساسية مواقف الأقليات. لذلك، وإلى جانب الكثير من الفظائع التاريخية والمعاصرة التي ارتكبت ضد حقوق الإنسان في تاريخ العراق والمعاصر، والفظائع التي أرتكبت ضد اليهود وجماعات أخرى في الحرب العالمية الثانية، وفي ما بعد الحرب البادرة في راوندا ويوغسلافيا السابقة ودارفور ينبغي إن لا يكون تدريس الإبادة الجماعية موضع جدل. 

2 – إقتراح تشكيل فريق من الخبراء العراقيين والدوليين في مجال تعليم الإبادة وإحياء الذكرى وليكن إسمه (التحالف الدولي لإحياء ذكرى الإبادة)، يضم التحالف باحثين وخبراء حقوق الإنسان والأكاديميين، والناجيات، والناشطين في سياقات مماثلة وشبيهة. في هذا السياق أود أن أعلن أنني فخور كوني جزء من فريق من الخبراء الدوليين الذين يعملون في هذه السنة على إطلاق جائزة دولية تكرس للناشطين في مجال التعريف بالإبادة. أتمنى ان أرى فريقنا الصغير من الخبراء الدوليين يتسع ليتحول الى( تحالف دولي لإحياء ذكرى الإبادة)، والى شبكة دولية من الخبراء بشأن الإبادة وما يتصل بها من قضايا، على نحو يعزز التعاون الثقافي والتعليمي بين مختلف المجتمعات التي كانت ضحية المجازر والإبادات، ويوفر فرصة حقيقية للأجيال المقبلة من أجل منع تكرارها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


تمكين الإشعارات yes no