المنتصف
“كسوة الكعبة”؛ لا تعتبر فقط أحد أهم مظاهر الاهتمام بقبلة المسلمين، وإنما تحمل بين ثناياها ومضات من تاريخ طويل مُدون بماء الذهب.
وفي عادة سنوية، تقام بعد صلاة فجر التاسع من شهر ذي الحجة (غدا السبت)، مراسم استبدال كسوة الكعبة المشرفة على يد 160 فنيًا وصانعًا.
ويرتبط تاريخ المسلمين بكسوة الكعبة المشرفة وصناعتها، إذ برع فيها أكبر فناني العالم الإسلامي، وهي كساء من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن من ماء الذهب، تكسى به الكعبة ويتم تغييرها مرة كل عام، صبيحة يوم عرفة.
وانطلق تاريخ كسوة الكعبة من محطة الجاهلية، حيث قيل أن “تبع الحميري” ملك اليمن، هو أول من كساها في الجاهلية بعد أن زار مكة، وهو أول من صنع لها بابًا ومفتاحًا.
ومن بعد الحميري، تسلم الكثيرون في الجاهلية مسؤولية كسوة الكعبة، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية بالسعودية.
كما تعد كسوة الكعبة شعيرة إسلامية، إذ كسا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع الكعبة بالثياب اليمانية، على نفقة بيت مال المسلمين.
وفي عصر الدولة الأموية (41 -132 هجرية) كسيت الكعبة كسوتين في العام؛ واحدة في يوم عاشوراء، والأخرى في آخر شهر رمضان استعدادا لعيد الفطر.
وأولى خلفاء الدولة العباسية اهتمامًا ملحوظًا بكسوة الكعبة، حيث ظهرت للمرة الأولى الكتابة على الكسوة بالتزامن مع تطور صناعة النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز، وكان خلفاء العصر العباسي يدونون أسمائهم على الكسوة ويقرنون بها اسم الجهة التي صنعت بها وتاريخ صنعها.
وفي عام 1925، شرعت السعودية في صناعة كسوة الكعبة بمكة المكرمة، إذ شهد هذا العام أول حلة للكعبة تصنعها المملكة، ويتم استبدالها في اليوم التاسع من ذي الحجة من كل عام.
وتمر صناعة كسوة الكعبة المشرفة بعدة مراحل، بدءًا من الصباغة لأنواع الحرير الطبيعي الخالص، مرورًا بالنسيج الآلي الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية، وصولًا للطباعة والتطريز، وهي المراحل التي تنتهي في منتصف شهر ذي القعدة من كل عام.
وستارة باب الكعبة هي آخر قطعة يتم تركيبها في الكسوة، وبعد الانتهاء منها تتم عملية رفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، وبارتفاع نحو ثلاث أمتار من شاذروان (القاعدة الرخامية للكعبة) والمعروفة بعملية (إحرام الكعبة).
كما يرفع ثوب الكعبة لكي لا يقوم بعض الحجاج والمعتمرين بتمزيقه للحصول على قطع صغيرة طلبا للبركة والذكرى.
وتستبدل الكعبة كسوتها مرة واحدة كل عام، أثناء فريضة الحج، حيث يتم استبدال كسوة الكعبة المشرفة القديمة بالثوب الجديد.