بل قل دولة قانون ومؤسسات وحرية وأمن وأمان .. ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
بل قل دولة قانون ومؤسسات وحرية وأمن وأمان ..
ابراهيم عبدالمجيد القيسي… الأردن
صحيفة المنتصف
أمس الجمعة؛ أمضيت يومي شارد الذهن، مصدوما تماما ومتوجسا خيفة على كل شيء جميل في الأردن، والسبب فيديو وصلني من أحد الأصدقاء (…)، والفيديو ليس أردنيا ولا عربيا، وفيه من الوحشية وانتفاء الإنسانية ما يجعلك تدرك بأنك تعيش في الجنة نفسها، مقارنة بالبلدان التي جثم خطاب الكراهية وغياب القانون والثقة عليها..ولم تطاوعني نفسي أن أرسل الفيديو إلى أي مخلوق، لأنني أدرك تماما بأنه سيستفزه الى أقصى درجة..
وكنت في الوقت نفسه أتلقى أسئلة ورسائل وأقرأ على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، نفس الخطاب الباعث على الكراهية وتغييب القانون وجلد الدولة ومؤسساتها الأمنية العظيمة، التي تحرس القانون والوطن وتبذل كل التضحيات، بينما يتجذر خطاب التنكر لها ولجهودها ولتضحياتها الأسطورية.
العطلة الطويلة والإسترخاء العام؛ فسحت المجال لكل الناس أن ينتقلوا الى العالم الافتراضي، ويمارسوا هواياتهم المفضلة، فلم يترك بعضهم شيئا إلا وتكلموا فيه، رفضوه، شكّكوا فيه، كبّروه، حلّلوه الى عوامله ما قبل الأولية، وأفلسوا تماما من أية حكمة أو قيمة وطنية فضلى، ونضبت مصطلحاتهم، ثم انكفأت الى ما قبل الديمقراطية ودولة القانون، ومسلسلات النضال الحراكي ومطالبه..
تطاولوا على الدولة وعلى مؤسساتها، وأجمعوا على خطاب متناقض مفصوم، أنكروا فيه ذاتهم قبل أن يتنكروا للأجهزة الأمنية وجهودها الكبيرة، التي حافظت عليهم وعلى البلاد كي لا تنجرف الى تلك الهوّة السحيقة، التي يغيب فيها القانون فعلا وتعمها الفوضى وتندلع فيها الصراعات المختلفة..
ما المطلوب من الأمن العام أن يفعله أكثر مما يفعل؟ وهل ملاسنة أو مشاجرة نشبت بين مواطنين على خلفية حادث سير اصبحت حادثة مطلوب من الأمن العام العمل على عدم حدوثها؟ وبعد أن تلاسنت فتاتان مع إمرأة صدمت سيارتهما، هل صمتت الأجهزة الأمنية عن المشهد ولم تتابعه؟ ما علاقة هذه المشاجرة التي تحدث كل دقيقة على شوارعنا ما علاقتها بدور الأمن العام وواجبه؟ والاعتراض على لباس أو مهنة الناس هل أصبح أيضا واجب الأمن العام؟! ألستم أنتم أنفسكم من ناضل من أجل الديمقراطية وسيادة القانون والشفافية والعدالة والحرية الشخصية؟ ..وألف سؤال آخر.
في الحوادث الثلاثة التي وقعت في ليلتين متتاليتين، قام رجال الأمن العام بواجبهم بشكل مثالي، بل وتعرض بعضهم لإطلاق نار وأصيب فعلا، فبذلوا التضحية وسيطروا على الموقف ونظفوا الشارع من مخمور يحمل مسدسا، قاموا بواجبهم ودفعوا ثمنا لم يقدِّره أحد أو يشكرهم عليه، بل تطورت الشتائم والتشكيك وإعلاء وتيرة خطاب الكراهية وتغييب الثقة، حين اختلف “زعران” على “بنت من العلبة نفسها”، فقام أحدهم بإطلاق النار على الآخر..فهل هذا موقف جديد أو غريب من نوعه ولم يحدث قبل هذا؟ أم أن الكاميرات والفيديوهات تنسخ التاريخ والذاكرة؟ كل البلد كاميرات والحمدلله على هذه الشفافية، فافهموا أن هذا الخطاب أصبح خشبيا قديما يتنافى والموضوعية، حاسبوا الناس وانتقدوهم على واجبهم بعد أن تصل المعلومة إليهم، وافهموا قانون ..
الأمن العام وفي السنوات الأخيرة أصبح شفافا وتقدميا في واجبه وتفاعله مع الناس أكثر من نظرائه في أرقى الديمقراطيات، فهو الذي يقدم لكم الخبر وفي وقت قياسي حول أي حادث يقع في البلاد، وكثير من الجرائم حدثت وقدمها الأمن العام بكل شفافية للناس، وبعض المواقف والفيديوهات التي يعرضها الناس يتحقق منها الأمن العام ويتابعها بلا شكوى أو تكليف من أحد، ويلاحق أطرافها إن كانت وقعت في الأردن وليست قديمة ومنتهية، ويقدم تقريره لوسائل الاعلام حولها، فيقول هذه لم تقع في الأردن، أو حدثت منذ زمن وأحيلت الى القضاء، أو يفعل المستحيل ويلقي القبض على الخارجين على القانون ويقدم الخبر كاملا للناس إن كانت حديثة، وبالنسبة لمشاجرة الصويفية، لم تمر أكثر من 5 ساعات فكان المجرم في قبضة الأمن العام، ولم يشكرهم أحد بل تمادوا في التعليقات واعترضوا هذه المرة على الكنباية التي يجلس عليها المجرم (لا أقول متهما بل مجرما لأنه أطلق النار وطالب بتصوير الضحية وكرر إطلاق النار أثناء التصوير)..
ثم انتقل الحديث الى العفو العام؛ وانتقده كثيرون من الذين وقفوا وقفات احتجاجية من أجله، بل واعترضوا على عدم شموله بعض الجرائم، وهم أنفسهم من اعتبروه سببا في حدوث تلك المشاجرة، ونسوا بل تناسوا أن العفو العام قانون تضعه الدولة لأنها تؤمن بالتسامح، ويستطيع أن يستفيد منه جميع المحكومين بالجرائم التي يشملها.. تغيب لغة القانون عن هؤلاء، وتسود لغة التخوين والتهاون وتغييب الثقة وإفشاء ثقافة التجاوز عن القانون بل الدعوة الى حمل السلاح غير المرخص، وبعضهم يردد هذه الشعارات رغم عدم قناعته بها، وله اقول:
لا تتسرع وتردد كالببغاء ما لا تقتنع به أو تفهمه، فسوف تكون مجرد فرد في قطيع لو فعلت، واحذر: إن القطعان لا تعيش سوى في الغابات ولها شريعة واحدة، لن يحتملها أمثالك أو يجاريها لو وقع فيها سيفقع كمدا وحزنا على تضييعه لهذه الجنة من أجل “لايك” غبية..
فاحمدوا الله على نعمة القانون والأمن.