كوشنر وفشل جولته الترويجية لصفقة القرن..بقلم
المحامي راجح ابو عصب
صحيفة المنتصف
الزيارة التي قام بها مؤخرا جاريد كوشنر صهر الرئيس الاميركي دونالد ترامب وكبير مستشاريه الى منطقة الشرق الاوسط والتي شملت اسرائيل والاردن ومصر والسعودية والامارات والتي كان هدفها الترويج لصفقة القرن اجمع المراقبون انها كانت فاشلة تماما وان كوشنر عاد الى الولايات المتحدة خاوي الوفاض ولم يحقق ايا من اهدافه .
وفشل جولة كوشنر الترويجية هذه امر بديهي لان الصفقة التي جاء يروج لها ولدت ميتة كما اشار الرئيس محمود عباس وكثير من المراقبين العرب والاجانب .
وكان سبب ولادتها ميتة انها تجاهلت الطرف الرئيسي المعني بحل الصراع الفلسطيني والاسرائيلي وهو الجانب الفلسطيني ذلك انه من المعروف اساسا ان من يريد حل صراع بين طرفين عليه اولا ان يتمتع بالحياد التام وثانيا عليه الا يتخذ اي خطوات لحل الصراع مقدما وقبل ان يبدا مهمته وان لا يكون كمن يضع الحصان امام العربي والاهم من كل هذا ان يوافق طرفا الصراع على وساطته ومشاركته في الوساطة .
وهذه الامور الثلاثة لم يرعاها كوشنر ولا رئيسه ترامب ذلك ان ترامب لم يكن وسيطا نزيها بل انحاز تماما الى الموقف الاسرائيلي وتبناه تماما فاصبح الواحد منا لا يستطيع ان يفرق بين مواقف نتنياهو وحكومته اليمينية المتشدده ومواقف ادارة ترامب الذي يعد اكثر يمينية من اليمين الاسرائيلي المتشدد واذا كانت الادارات الاميركية السابقة كانت تبدي تأييدا لاسرائيل الا نها لم تتخذ موقفا منحازا تماما للمواقف الاسرائيلية .
ولم تتبين تلك المواقف تماما ولم تكن يمينية اكثر من اليمين الاسرائيلي المتشدد وهو الموقف الذي يتخذه ترامب اليوم بل كانت تؤيد حل الدولتين وكانت ترى في الاستيطان عقبة في طريق السلام .
ولكن ترامب منذ ايامه الاولى في البيت الابيض اعلن عن تخليه عن رؤية الدولتين وذلك خلال لقائه الاول مع نتنياهو في البيت الابيض وذلك في السادس عشر من شهر شباط من عام 2017 حيث قال ترامب في اللقاء الصحفي عقب اجتماعه مع نتنياهو ان حل الدولتين ليس الحل الوحيد للصراع الفلسطيني الاسرائيلي وقال ايضا ان على الفلسطينيين التخلي على ما زعم انه الكراهية لاسرائيل كما قال انه لا يرى ان المستوطنات عقبة في طريق السلام والاخطر من ذلك كله اعلانه انه يود نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس وهو ما فعله لاحقا .
ولذا وامام هذا الموقف المنحاز تماما لاسرائيل لم يكن امام الرئيس محمود عباس خيار سوى ان يقطع كل صلاته مع ادارة ترامب وان يعلن ان هذه الادارة لم تعد مؤهلة للتفرد بايجاد حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي ودعا الى بديل عن ذلك يتمثل في تشكيل لجنة دولية من اعضاء مجلس الامن الدولي الدائمين اضافة الى المانيا وذلك على غرار مجموعة 5+1 التي توصلت الى الاتفاق النووي الايراني في عام 2015 والذي ما لبث انه تخلى عنه ترامب فيما بعد .
واما بالنسبة للامر الثاني وهو ان على اي وسيط في حل اي صراع الا يتخذ خطوات احادية تضر بأي من طرفي النزاع فهذا ما ارتكبه ترامب وذلك حين تجاوز كل الخطوط الحمراء الفلسطينية .
عندما تجاهل قضايا الحل النهائي التي شملها اتفاق اوسلو لعام 1993 وهي القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات حيث اعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارتها اليها من تل ابيب ومعلوم ان القدس هي مفتاح سلام وهناك اجماع فلسطيني انه لن يكون هناك اتفاق سلام دون ان تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وقد اكد الرئيس عباس باستمرار انه لن يوقع على اي اتفاق سلام لا يتضمن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية .
كما اعلن ترامب عدم اعترافه بحدود الرابع من حزيران لعام 1967 من خلال الاعتراف بشرعية الاستيطان في الاراضي الفلسطينية بل ان سفيره لدى اسرائيل ديفيد فريدمان يقيم في احدى المستوطنات في الضفة الغربية كما ان وزارة الخارجية الاميركية تبنت الاسم التوراتي للضفة الغربية وهو يهودا والسامرة واعلن فريد مان ان من حق اسرائيل ضم اجزاء من الضفة الغربية .
كما ان ترامب شطب قضية اللاجئين وسعى وما زال لانهاء خدمات وكالة الغوث الدولية الاونروا من خلال قطع التمويل الاميركي لها ومن خلال الدعوة الى شطب عملها علما ان هذه الوكالة اقيمت بقرار من الامم المتحدة وبالتالي فان الامم المتحدة هي الجهة الوحيدة التي تملك حق انهاء خدمات هذه الوكالة .
واما الامر الثالث وهو ان يوافق طرفا الصراع على الوسيط فهو لم يتحقق لان الجانب الفلسطيني رفض وساطة ترامب لانه لم يعد وسيطا نزيها مؤهلا بعد ان انحاز تماما للجانب الاسرائيلي فكيف اذن سيمارس هذا الوسيط مهمة الوساطة في مقاطعه وغياب احد طرفي الصراع ؟
لهذا الاسباب السابقة الثلاثة ولدت صفقة القرن ميتة كما حكم على وساطة كوشنر وجولاته الترويجية لهذه الصفقة بالفشل الذريع وكذلك هناك اسباب اساسية اخرى لفشل الصفقة ومحاولات الترويج لها وفي مقدمتها تبني الاطراف العربية الاساسية في المنطقة وهي الاردن ومصر والسعودية للموقف الفلسطيني الرافض لصفقة القرن .
وان كان زعماء هذه الدول يستقبلون كوشنر فانهم يفعلون ذلك من اجل تأكيد رفضهم للصفقة وشرح مواقفهم الثابتة من اسلوب حل الصراع وفي مقدمتها رؤية حل الدولتين : دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس الشرقية وذلك ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وهذا الحل هو الحل الحيد للصراع وهو الحل المجمع عليه عربيا ودوليا وهو ما اكده القادة العرب في المبادرة العربية للسلام التي طرحتها قمة بيروت في عام 2002 والتي يؤكد القادة العرب في كل مؤتمرات القمة انها ما زالت على الطاولة بانتظار موافقة اسرائيل عليها.
وخلال لقائه كوشنر في العاصمة الاردنية عمان يوم الاربعاء الحادي والثلاثين من شهر تموز الماضي اكد العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني الموقف الاردني الثابت من حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث اكد الديوان الملكي الاردني عقب الاجتماع ان الملك عبد الله الثاني اكد لكوشنر ضرورة تحقيق سلام عادل ودائم بما يضمن اقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط الرابع من حزيران من عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تعيش بامن وسلام الى جانب اسرائيل .
وشدد الملك عبد الله الثاني ان يكون ذلك استنادا الى حل الدولتين ووفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة .
وهذا الموقف الاردني الثابت من حل الصراع انما هو استمرار لموقف الاسرة الهاشمية الكريمة من القدس خاصة وفلسطين عامة فالهاشميون مرتبطون بالقدس وفلسطين منذ ان قام جدهم الاكبر محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزتي الاسراء والمعراج من المسجد الاقصى المبارك فهم الاوصياء على مقدسات القدس الاسلامية والمسيحية وقد اكد هذه الوصاية الكريمة الراحل الكبير المرحوم الملك الحسين بن طلال في اتفاق السلام مع اسرائيل الذي وقعه مع رئيس وزراء اسرائيل الاسبق اسحق رابين في 26 تشرين الثاني من عام 1994 حيث اعترفت اسرائيل في هذا الاتفاق بالوصاية الهاشمية على مقدسات القدس كما اكد هذه الوصاية الكريمة الملك عبد الله الثاني من خلال الاتفاق الذي وقعه مع الرئيس محمود عباس في الاول من شهر نيسان من عام 2013 .
ولذا فان ما يشاع اليوم من ان هناك محاولات لسحب الوصاية الهاشمية عن مقدسات القدس انما هي اشاعات مغرضة وهدفها بث البلبلة وخلق الفتنة وقد اكد الشعب الشعب الفلسطيني وقيادته ان الاردن هو الوحيد المؤهل لهذه الوصاية كما ان كل المقدسيين يرفضون اية محاولة لانهاء هذه الوصاية ونقلها لاية دولة عربية او اسلامية .
كما ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اكد لكوشنر خلال لقائه به في العاصمة المصرية القاهرة يوم الاول من شهر اب الجاي تأيده لاقامة دولة فلسطينية حيث ذكرت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية الرسمية ان السيسي اكد ان مصر تدعم جميع الجهود الهادفة الى تحقيق السلام العدل والشال للقضية الفلسطينية بالاستناد الى المرجعيات الدولية وحل الدولتين واقامة دولة فلسطيية وعاصمتها القدس الشرقية واما الموقف السعودي من حل الصراع فهو ذات الموقف الفلسطيني والمصري والاردني فقد اعلنت السعودية باستمرار انها تقبل بما يقبله الفلسطينيون كما ان السعودية هي صاحبة مبادرة السلام العربية وترى ايضا ان اي حل للقضية الفلسطينية دون اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لن يكتب له النجاح .
وهكذا فان كوشنر سمع خلال جولته الترويجية في العواصم العربية الاساسية التي زارها موقف موحدا من صفقة اقرن وهو الموقف الرافض تماما لهذه لصفقة التي تتجاهل القضايا الاساسية لحل الصراع وفي مقدمتها اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في القدس والضفة الغربية بعاصمتها القدس الشرقية في حدود الرابع من حزيران عام 1967 وهذا يؤكد الفشل لجولته الترويجية للصفقة وعودته خاوي الوفاض ومع ذلك فان الشعب الفلسطيني وقيادته ما زالا يتمسكان بخيار السلام كحل وحيد للصرع وسيواصلان العمل على ذلك متسلحين بقرارات الشرعية الدولية ولن يتوقفوا عن ذلك حتى يحققوا حقوقهم المشروعة العادلة التي تحظى بتأييد دول العالم كافة مع اسرائيل والولايات المتحدة , والله الموفق .