ما يجري في سوريا أبعد من حرب أهلية… أسعد العزوني
ما يجري في سوريا
أبعد من حرب أهلية…بقلم أسعد العزوني
صحيفة المنتصف
ما يجري في سوريا منذ ثماني سنوات ،ليس حربا أهلية ولا ثورة شعبية ،ولا ديكتاتورية نظام ،مع ان مخرجات تلك الحرب تؤشر على المظاهر الثلاثة السابقة،لكن الحقيقة غير ذلك ،وقد كشفت الأحداث حتى من قبل وقوعها السر ،لكننا لا نقرأ وإن قرأنا فإننا لا نفهم ما بين السطور.
قبل تفجير الساحة السورية وفي العام 2010 بالتحديد تلقيت دعوة من سفارة البعثة الأوروبية في عمّان،لحضور وتغطية حفل تطهير الأراضي الشمالية الأردني من الألغام ،وقد راق لي الأمر كوني لم أزر تلك المنطقة ،وسأتحلل من الإلتزامات الكثيرة عليّ في العاصمة كصحفي لا يفرغ جدول أعماله مطلقا.
إنطلقنا في اليوم الموعود إلى منطقة الحدود الأردنية –السورية على متن حافلة خصوصية ،ووصلنا إلى حيث مكان الإحتفال ورأيت العجب العجاب على الأرض ،لكن شيطاني لم يحرك ساكنا في تلك اللحظة.
أخذنا الأوروبيون في جولة مكانية أطلعونا فيها على جهودهم الحثيثة في تسوية الأرض ،بحيث أن راكب الدراجة يستطيع حمل فنجان قهوة بيده ويشرب منه دون أن يهتز،ومن ثم شهدنا تفجير آخر لغم أرضي كان مزروعا على جانب الحدود الأردنية ،وأعلنوا خلو الأراضي الأردنية من الألغام.
بعد ذلك عقدوا مؤتمرا صحفيا توسع أحد المسؤولين الأوروبيين في الحديث عن المشروع الأوروبي ،ودوره في إعادة تأهيل وإستصلاح الأراضي الأردنية من أجل إعادتها لأصحابها من المزراعين الأردنيين حتى يتمكنوا من زراعتها مجددا.
هنا إستيقظ شيطاني الصحفي وأعلن تمرده،ولأنني إقتنعت بما دار في خلدي سمحت لشيطاني أن يصرخ بالمضيفين بالدرجة التي يريد ،وخاصة بعد أن قال المسؤول أنهم سيسلمونها إلى المزارعين الأردنيين ،عندها قاطعته محتدا وقلت له أن ما رأيته من جهد متقن مبذول على الأرض ،لا يدل على أنها ستعاد إلى أصحابها المزارعين الأردنيين لزراعتها من جديد!فبهت ذلك المسؤول وسألني:وما السبب في رأيك؟ فأجبته أن السبب الذي جعلهم ينظفون هذه المنطقة “ويسهمدونها”جيدا،إنما يعود لوجود مخطط عسكري خطير ضد سوريا ،ويقضي بإدخال الغزاة من الأردن .
شعرت أن رأس ذلك المسؤول إرتطم بسقف السماء السابعة ،وسألني إن كنت امتلك معلومات تؤكد ما أقول ومن أين حصلت عليها ،فرددت عليه أنني إستقيت معلوماتي وتصوري مما رأيته من إتقان على أرض الواقع ،وعندها بهت الرجل وقال أنني اتخيل فقط،لكنه وما أن مضت عدة أشهر حتى إنفجرت الأوضاع في سوريا ،ولا أريد الخوض في التفاصيل.
بعد تدفق اللاجئين السوريين على الأردن وبناء مخيم الزعتري لغالبيتهم ،تسنى لي زيارة المخيم ،وعند العودة سألت السائق عن أغرب ما سمعه من الوفود الأجنبية التي يقلها إلى المخيم ،فهالني ما قال أنه سمع أعضاء وفد أمريكي رفيع المستوى يقولون ان هذا المخيم سيستمر ما بين 8-10 سنوات،وهذا ما يؤكد لي أن المؤامرة دولية بغض النظر عن تمويلها لحاجة في نفس يعقوب.
لا أنكر ان للبترو دولار العربي وخاصة النظام السعودي أسهم بشدة في تفجير الوضاع في سوريا ،إذ طلب النظام السعودي من الرئيس بشار قطع علاقات بلاده مع كل من إيران وحزب الله وحركة حماس ،لكن الأسد رفض بحجة أن إيران حليف إستراتيجي له ،وداعم إقتصادي كبير ،فما كان من النظام السعودي إلا وأن قام بتخيير الأسد بين تحديد مبلغ يعوضه عن الدعم الإيراني ،أو تسلم شيك مفتوح من السعودية لكنه رفض العرض ،فتعقدت العلاقات السورية-السعودية ،إذ ان النظام السعودي إستنفر بعد العام 2006 ،عندما قام حزب الله اللبناني المدعوم من قبل إيران ودمشق بتلقين الجيش الإسرائيلي درسا لن ينساه .
ما هو مستفاد مما تقدم ان المؤامرة على سوريا مبيته ،وان جميع الأطراف لم يحسنوا التعامل معها ،لأن تدفق البترودلار كان مهولا وبدون حساب ،ناهيك عن إختطاف الربيع العربي أصلا ،وظهور أيقونات صهيونية توجهه الوجهة التي تخدم مصالحهم ،وهذا ما أذهل المنتقدين للنظام عندما تبين جليا أن المعارضات السورية إنبثقت من الحضن الصهيوني ،بدليل أن أقطابها كانت تزور تل أبيب بإستمرار ويطلقون تصريحات مسيئة للشعب السوري حول ضرورة رفع العلم الإسرائيلي فوق دمشق.
ما جرى في سوريا كان بدعم من البترودولار وخاصة محراك السوء النظام السعودي المتصهين ،وكان الهدف من وراء ذلك التمهيد لحرب هرمجدون التي تعد لها مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية ،وتجهز نفسها لإستقبال المسيخ المنتظر الذي سيشن حرب هرمجدون على المسلمين ويقضي عليهم.
لذلك كان لا بد من إشعال سوريا مركز ثقل بلاد الشام لإنهاكها ، وتهجير من تبقى حيا من أهلها وشبابها إلى الغرب وتشتيتهم في الإقليم ،وكذلك صرف الأنظار عن صفقة القرن السعودية التي أعلنت مؤخرا بهدف شطب القضية الفلسطينية لصالح الصهيونية وشطب النظام الأردني الرسمي لصالح بني سعود .
رغم المآسي التي شاهدناها منذ ثماني سنوات ،وتجدد الحرب السورية مؤخرا وتفعيل الدور الأمريكي الممول سعوديا لخدمة الكيان الصهيوني ،فإن هناك أمورا تشعرنا بالفخر وهي أن كافة المتآمرين وفي مقدمتهم النظام السعودي ،فشلوا في إجبار الأردن على فتح حدوده لقوات التحالف الدولية كي تنطلق من الأراضي الأردنية لغزو سوريا وإسقاط نظامها،رغم درجات وصنوف الضغوطات والتهديدات التي تعرض لها الأردن وأهمها الحصار المالي المفروض عليه من قبل النظام السعودي.