الأمور الصغيرة… رلى سماعين

رلى السماعين…الأمور الصغيرة

صحيفة المنتصف

“طول بالك هذه شغلة بسيطة”، “كل الزعل على موضوع بسيط”، “عدّيها مش مستاهلة” نقول جملاً مثل هذه وغيرها لمن هم في محنة في محاولة منا لتخفيف همهم، و لأنه أحياناً، ومن منظورنا، ما يمر به الشخص المقابل هو أمر بسيط أو صغير بالنسبة لنا.
فكرة البساطة بالامور وصغرها هو أمرٌ نسبي، فما تراه من منظورك مشكلة صغيرة، غيرك ليراها نهاية العالم.
كم مرة تكرر مشهد لعبة لطفل تنكسر ويبدأ الطفل بالصراخ ليُقال له من أحد الوالدين وبحزم : “ما بصير تبكي على شغلة صغيرة !”.
فما هي الأمور الصغيرة؟ الأمور الصغيرة غالباً هي المهمة وهي تلك التي مرت بِنَا في الصغر وشكلت شخصيتنا. الأمور الصغيرة هي تلك الصور التي طُبعت في ذاكرتنا، تلك التي هي أهم من جميع الكلمات التي نُطقت لتربيتنا. ولا نزال نمر بها يومياً ولكن معظمنا يهملها، وقلّة منا يتداركونها.
لا نستهين بالامور الصغيرة، لانه بالحقيقة لا يوجد أمر صغير إلا للذي يستهين بالحياة. فهناك حلم بدأ بفكرة صغيرة لكنه وجد تشجيعاً، وأُعطي إهتماماً، فتحول لاحقاً إلى فعل كبير. قرأت مؤخراً عن بدايات أكبر وأنجح إعلان متداول منذ أجيال ولغاية الان، وأتكلم هنا عن دعاية المشروبات الغازية “كوكا كولا”. فقد بدأ هذا المشروب يُحضّر في مطبخٍ صغير في بيت قديم متهالك.
كم من نجاحات غير مسبوقة لشخصيات باتت معروفة كان وراءها كلمة واحدة مشجعة أعطت ثقة . قال لي أحد الأصدقاء بأن إيمان عائلته بأكملها كان ورائها صورة طُبعت في المخيلة منذ الصغر لأحد الوالدين يقرأ الكلمة المقدسة دون إنقطاع. نجاحات طلبة وتفوقهم كان وراءها كلمة بسيطة من المعلم القدوة. وهكذا، والقصص كثيرة.
معظم الإنجازات العظيمة ابتدأ بفكرة بسيطة وبخطوة صغيرة. هذه الأمور الصغيرة من كلمة أو كلمات أو حدث معين عابر يمر بِنَا مر الكرام له تأثير كبير على النفسية وعلى تشكيل الشخصية. فكلمة طيبة لطفل تعطيه ثقة، وإحتضان متعب يريّح ويخفف من تعبه. وإبتسامة طبيب لمريضه فيها راحة كبيرة وإطمئنان، وكلمة “شكراً” و “تعبتك معي” و “من فضلك” هي كلمات صغيرة ولكن مفعولها الإيجابي على الشخص كبير. الأمور الصغيرة هي كالبذرة الصغيرة التي عندما تنمو وتصبح شجرة كبيرة يأكل البشر من ثمارها، ويتآوى الطيور في أغصانها وينام مطمئناً في جوفها الحيوانات. لمسة صغيرة من إمراءة نازفة دم لمدة زادت عن عشر سنوات، يقول الكتاب المقدس، عملت على شفائها وإعطائها حياة جديدة لأنها وثقت بأن من ستلمسه (السيد المسيح) سيُحيي أعضاءها من جديد.
وبالمقابل بعض الأمور الصغيرة هي سبب في تدمير أو خراب إنجازات عظيمة. تفاحة عفنة في صندوق من التفاح الصالح الطازج، في مدة صغيرة تعمل على فساد وعفونة كامل ما في الصندوق. ونقطة صغيرة من السم تعمل على إفساد بئر ماء نقي.
لذا التنبه للأمور الصغيرة تنقذ وتحيي وتعطي أملاً بالاستمرار وأحياناً كثيرة تصنع المعجزات. وأما التطور على الصعيد الذاتي وعلى صعيد العمل، والتفوق والنجاح بالحياة يعتمد بشكل كبير على الأمور الصغيرة.
لا تستهينوا بالأمور الصغيرة.
[email protected]