تحذير يجب ان يؤخذ على محمل الجد..بقلم المحامي راجح ابو عصب
تحذير يجب ان يؤخذ على محمل الجد
المحامي راجح ابو عصب
صحيفة المنتصف
انسداد الافق السياسي سوف يفجر الاوضاع في الضفة الغربية .
نشرت صحيفة القدس يوم الثلاثاء الماضي في صفحتها الاولى نبأ تحت عنوان تقرير سري فلسطيني يتوقع تفجر الاوضاع في الضفة الغربية وقد نقلت صحيفة القدس هذا النبأ عن صحيفة يديعوت العبرية التي قالت انها حصلت على تقرير امني فلسطيني اعده رؤساء الاجهزة الامنية الفلسطينية .
وجاء في التقرير الامني ان الجمود السياسي والعزله الدولية والازمة الاقتصادية لا تقلق المستوى السياسي الفلسطيني في مدينة رام الله بل وتقلق ايضا المستوى الامني في المدينة وذكرت يديعوت ان ذلك يتضح من تقرير استخباري سري فلسطيني حذر من تصعيد الاوضاع الامنية في الضفة الغربيه ومن موجة عنف تزعزع الاستقرار في حال استمرار الازمتين السياسية والاقتصادية .
وهذا التقرير على درجة كبيرة من الاهمية لانه صادر عن الاجهزة الفلسطينية مجتمعة وليس عن جهاز واحد فذلك يعني يتمتع بمصداقية كبيرة جدا ولذا فان على المسؤولين الاسرائيليين وعلى ادارة الرئيس الاميركي ترامب اخذ هذا التقرير على محمل الجد وعدم اهماله وذلك لان الحكومة الاسرائيلية والادارة الاميركية تتحملان كامل المسؤولية عن مرحلة الجمود السياسي والعزلة السياسية والازمة الاقتصادية التي تمر بها الضفة الغربية .
ان انسداد الافق السياسي في حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يعود الى رفض حكومة نتنياهو الوفاء بما التزمت به الحكومة الاسرائيلية برئاسة رئيسها الاسبق اسحق رابين الذي وقع مع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني اتفاق اوسلو في عام 1993 والاتفاق نص على انه بعد خمسة اعوام على توقيعه سيبحث الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي قضايا الوضع النهائي وهي القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات .
وقد رفض نتنياهو منذ ان شكل حكومته الاولى في عام 1996 الالتزام بكل ما جاء في اتفاق اوسلو واراد العودة الى المربع الاول والى نقطة الصفر وظل يؤخر تنفيذ الوضع لئلا يفي بما التزمت به حكومة اسحق رابين مع ان من المعلوم ان ما توقعه اي حكومة من اتفاقات يجب ان تلتزم به الحكومات اللاحقة وقد اتخذ نتنياهو من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع الجانب الفلسطيني وسيلة للتهرب من الوفاء بتلك الالتزامات وذلك باتخاذه المفاوضات غاية لا وسيلة للوصول الى الحل الدائم .
وفي ذات الوقت فان الجانب الفلسطيني اوفى بكل ما التزم به في اتفاق اوسلو وخاض مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع الجانب الاسرائيلي ترجمة لرغبته الصادقة في انهاء الصراع وتحقيق السلام العادل والشامل وقد اكد الرئيس محمود عباس منذ ان تولى رئاسة السلطة الفلسطينية في 15 كانون الثاني من عام 2005 وما زال يؤكد باستمرار تمسكه بالخيار السلمي النابذ للعنف كسبيل لتحقيق السلام وانهاء الصراع وفتح صفحة جديدة من التعاون مع الجانب الاسرائيلي وتوحيد كل الجهود من اجل ازدهار ورفاهية وتقدم كل شعوب هذه المنطقة .
والجمود السياسي الحالي مستمر منذ فشل مفاوضات الاشهر التسعة التي انتهت مدتها الزمنية في 30 نيسان من عام 2014 اي منذ اكثر من خمسة اعوام حيث لم تجر اية مفاوضات مباشرة وغير مباشرة منذ ذلك التاريخ وكان هذا اعلان ببدء مرحلة الجمود السياسي وكانت القيادة الفلسطينية قد استجابت لاقتراح الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما ووزير خارجيته جون كيري اجراء مفاوضات مباشرة مع الجانب الاسرائيلي لمدة تسعة اشهر وذلك من اجل الوصول الى اتفاق حول الوضع النهائي وقد دخل الجانب الفلسطيني تلك المفاوضات بناء على تأكيدات الولايات المتحدة بان تلك المفاوضات ستعتمد على حدود العام 1967 ومعالجة جميع قضايا الوضع النهائي بما فيها القدس والحدود واللاجئين والاستيطان .
ولكن حكومة نتنياهو لم تعط اي فرصة لنجاح تلك المفاوضات بل عمدت الى وضع العراقيل امام تلك المفاوضات من اجل افشالها فقد استمرت في سياسة الاستيطان من خلال اقامة مستوطنات جديده وتوسيع المستوطنات القائمة بل حتى رفضت طلبا اميركيا بتجميد الاستيطان خلال فترة مفاوضات الاشهر التسعة ومعلوم ان الاستيطان يمزق الاراضي الفلسطينية ويحولها الى معازل كانتونات ما يجعل اقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا وقابلة للحياة امر غاية في الصعوبة او امرا مستحيلا .
ومعلوم ان العالم كله يرفض سياسة الاستيطان باعتباره غير شرعي حتى الادارات الاميركية السابقة لادارة ترامب كانت تعتبره عقبة في طريق تحقيق السلام وقد تبنى مجلس الامن الدولي في شهر كانون الاول من عام 2016 قرارا ضد الاستيطان وقد صوت المجلس ضد هذا القرار باغلبية ساحقة حيث صوتت لصالحه 14 دولة في الوقت الذي امتنعت الولايات المتحدة ما اعتبر سابقة في السياسة الاميركية تجاه اسرائيل حيث لم تستعمل حق النقض الفيتو ضد القرار علما ان اسرائيل تتمتع بحماية اميركية في مجلس الامن بصورة خاصة وفي الساحة الدولية بصورة عامة .
وقد قالت مندوبة الولايات المتحدة انذاك في مجلس الامن سامنثا باور في كلمتها بعد التصويت على القرار ان بلادها تؤكد ان الاستيطان في الضفة الغربية غير قانوني وغير شرعي وان حل الدولتين هو الحل النهائي والامثل وهو ما تتبناه بلادها وقد شن مسؤولون اسرائيليون هجوما غير مسبوق على الرئيس باراك اوباما وعلى وزير خارجيته جون كيري جراء عدم استعمال حق النقض الفيتو لابطال مشروع القرار .
وفي ذات الوقت فان ادارة ترامب تتحمل مسؤولية كاملة كحكومة اسرائيل في انسداد الافق السياسي والجمود الذي تشهده عملية السلام حاليا جراء تبنيها تماما مواقف الحكومة الاسرائيلية حيث اعلن ترامب تخليه عن حل الدولتين رغم ان العالم كله مجمع على انه الحل الوحيد لانهاء الصراع وتحقيق السلام وكذا كان موقف ادارة اوباما السابقة كما ان ادارة ترامب لم تعد تعتبر الاستيطان غير شرعي ولا عقبة في طريق تحقيق السلام بل اعلنت ان من حق اسرائيل الاستيطان في اي منطقة في الضفة الغربية ومن حقها كما يدعي ترامب ضم اجزاء من الضفة الغربية بل ولم تعد تطلق اسم الضفة الغربية بل اعتمدت الاسم التوراتي الاسرائيلي للضفة الغربية وهو يهودا والسامرة بل ان سفيرها في اسرائيل ديفيد فريدمان يقيم في منطقة استيطانية في الضفة الغربية .
ان ادارة ترامب اتخذت خطوات غير مسبوقة في تدمير عملية السلام منها كما ذكر سابقا الاعتراف بشرعية الاستيطان واخطر تلك الخطوات اعترافها بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارتها من تل ابيب الى القدس بل ان سفيرها فريدمان شارك في افتتاح نفق تحت حي سلوان في القدس الذي حمل اسم طريق الحجاج حيث شوهد وهو يحمل مطرقة ضخمة يهدم بها حائطا داخل النفق كما ان مسؤولين في البيت الابيض اقتحموا يوم الثلاثاء قبل الماضي المسجد الاقصى المبارك برفقة مستوطنين وبحماية الشرطة الاسرائيلية وقد دانت وزارة الخارجية الفلسطينية هذا الاقتحام الاميركي الذي تم بمشاركة مستوطنين ودون تنسيق مع ادرة الاوقاف الاسلامية وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن المسجد .
واضافة الى ذلك فان ادارة ترامب اتخذت خطوات عقابية ضد السلطة الفلسطينية منها وقف المساعدات المالية لميزانية السلطة وكذلك وقف تمويل وكالة الغوث الدولية الاونروا ووقف عمل منظمات اميركية في الاراضي الفلسطينية تساهم في مشاريع البنية الحتية في تلك الاراضي .
كل ذلك يؤكد ان ادارة رامب تتبنى مواقف حكومة اسرائيل اليمينية بل انها اكثر يمينية وتطرفا من حكومة اسرائيل .
وهكذا يتضح تماما ان اسرائيل وادارة ترامب تتحملان المسؤولية الكاملة عن الجمود السياسي والازمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطيية والذي ادى الى هذه الازمة قطع ادارة ترامب المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية حيث لم تعد السلطة قادرة على دفع كامل رواتب موظفيها حيث تدفع نسبة 60% من تلك الرواتب اضافة الى وقف العديد من المشاريع الاساسية .
وقد اشار تقرير الاجهزة الامنية الفلسطينية الذي نشرته يديعوت الى جيل الشباب الفلسطيني الغاضب في الضفة الغربية وما يكتبونه على وسائل التواصل الاجتماعي والذي يبين حالة الغضب بينهم نظرا لعدم وجود فرص عمل والخوف على مستقبلهم .
ان هذا التقرير الامني الفلسطيني يجب ان يشكل الضوء الاحمر لدى حكومة اسرائيل وادارة ترامب لتعملا بجدية من اجل تلافي اسباب الانفجار وانهاء الازمة الاقتصادية والسياسية في الاراضي الفلسطينية كما انه مسؤولية المجتمع الدولي كافة لان المنطقة مشتعله اساس وليست بحاجة الى تفجر ازمة جديدة خاصة وان القيادة الفلسطينية ما زالت تعلن تمسكها بالحل السياسي والسلام العادل والشامل , والله الموفق