دراسة حول الانسان في شعر ابي تمام بقلم : صافي خصاونه
دراسة حول الانسان في شعر ابي تمام
بقلم : صافي خصاونه
صحيفة المنتصف
لم يكن ابو تمام شاعرا عاديا وانما كان شاعرا يتميز بانه صاحب مذهب في الشعر تمخضت عنه العبقرية العربيه فولدته في مطلع القرن الثالث، وبولادته ولدت قمة من قمم الادب وتبعتها بعد قليل اول واخصب حركة نقديه تبلورت حول فن شاعر.
يُروى ان اعرابيا سمع قصيدة ابي تمام :
طلل الجميع لقد حميدا
وكفى على رزئي بذاك شهيدا
فسئل الاعرابي : كيف ترى هذا الشعر؟ فقال: فيه ما استحسنه وفيه ما لا اعرفه ولم اسمع بمثله فاما ان يكون هذا الرجل اشعر الناس واما ان يكون الناس جميعا اشعر منه.
ولكن يبدو ان الايام مع ابي تمام وان الرقي الانساني يكشف عبقريته للاجيال عصرا فعصرا. هكذا فقد كثرت الدراسات حول هذا الشاعر قديما وحديثا، وكان ان اجمع الكل على ان شعر ابي تمام يعتبر مطلات تكشف سيرته الذاتيه ومسيرة حياته مرآةٌ تتلاقى على صفحتها وجوه عديدة من حوادث عصره المحيطة به ووجوه من تطوراته المحركة له. والذي يفتش في شعر ابي تمام يرى بوضوح صورة الانسان الذي يحبه والذي يريده ويأمل به، ابو تمام في اشعاره يبحث عن انسان متجدد يسعى لتغيير واقع تتوحش منه الروح وذلك عندمايقول:
يومي من الدهر مثل الدهر مشتهر عزما وحزما وساعي منه كالحقبِ
لا يطرد الهمَ الا الهمُ من رجل
مقلقلٍ لبنــــــــاتِ القفرةِ النجـــــبِ
ماضٍ اذا الهمم التفت رأيت له بوخدهنّ استطــــالاتٍ عن النــوبِ
لا تنكري منه تخديرا
فالسيف لا يزدرى ان كان ذا شطبِ
هكذا تبرز الصورة للعين وكأن صحراء شاسعه لا حدود لها تطغى على كل شيء فلا وجود لغيرها، لكن هذا الوجود الطاغي لا يلبث ان يُقتحم بوجود اخر: هذه قافلة من الجمال يحدوها انسان جاد يقودها الى افاق جديده وراء وجود الصحراء الواسع ونتابعه حتى التخوم الجديده حيث يقف ونسمع له حوارا مع صوتٍ انثويٍ، انه صوت الحبيبة المطلوبة انها تتعجب مما اعتراه من الرحلة الطويلة، جِراحا ومتاعب، وتوشك الا تعرفه ، ولكنه يطمئنها الى سلامة الوصول وتحقيق المأمول فهذه الجراح آثار الكفاح ورمز الرجوله المناضلة والهمة الرائده. حقا انها صورة مكتنزة بالايحاء والاثارة تُشعرُ انّ الدهر بحر عميق واسع مشهور لدى الجميع لا يتحدث احد الا عنه، تقف الاجيال على شاطئه تتأمل وتصغي وتروح وتجيء ونشيدها المفضل ذكر هذا البحر والتحدث عن امواجه، لا يشغل الاجيال عن هذا التكرار شاغل حتى يجيء انسان جديد غريب يحركه العزم ويقود مسيرته الحزم:
كأن به ضعنا على كل جانب
من الارض او شوقا الى كل جانب
هذا الانسان الغريب يهجم على النهايات المجهولة هجوم الفاتحين ويندفع اليها اندفاع المغرمين ، تضيق به حدود المكان فيبتكر من اشواقه الات النفاذ الى ما وراء المكان،. انه يملك ايام عمره، هذا نصيبه المحدود من الزمان اللامحدود، فكيف يصير عمره المتناهي لا متناهي.
ابو تمام مشغول بطرد القلق والحزن عن انسانه الواقعي ليحوله انسانا مثاليا كاملا.
هذا هو ابو تمام يبحث عن انسان مثالي يفتقده في نفسه وفي معاصريه، ابو تمام مسكونٌ بهاجس الجديد يريد انسانا متفوقا غير عادي، اخلاقه وأدابه من طراز اعلى ، يريده مسكونا بهاجس الجديد مثله وساعيا اليه بقلبه متطلعا اليه بكل حواسه، يريده معيدا النظر في ما يعرف، تائقا الى ما لا يعرف.
ابو تمام يستنهض همة كل من يستطيع ارشاده الى ذلك الانسان الجديد ويبدو انه كان قلقا حائرا. هذا هو واقعٌ يحياه ابو تمام في عصره ولكن قلقه وحيرته يذكيان به التساؤل والتطلع فيرسِم مثلا اعلى لانسان حر متطور، انه ينهض بكل اشواقه الى تغيير واقعه وتطويره حتى يرفعه الى مثاله، كل هذا توضحه لنا تلك المقطوعه من شعر ابي تمام حيث يقول:
من لي بانسان اذا اغضبته وجهلت كان الحلم رد جوابه
واذا طربت الى المدام شربت من اخلاقه وسكرت من ادابه
وتراه يصغي للحديث بقلبه وبسمعه ولعله ادرى به
شاعرنا يستنجد بمن ينقذه بانسان كامل يختلف عن اناس عصره، يقابل الغضب بالعفو والجهل بالحلم ويملأ وجود الشاعر باخلاقه وادابه فيستغني بذلك عن الشراب لان ما يناله من متعة الخلق والذوق يفوق كل المتع العاديه التى يتهالك عليها ناس عصره ويفزع اليها خاصتهم وعامتهم.
ابو تمام يسأل عن انسان متجدد مجهول ، ينتظره لينقذ نفسه وجنسه، فحالف العلم وتعلق بالدهر وجادل المكان والناس بالاسفار والاغتراب، ولقد اتخذ ابو تمام الشعر شاهدا على مغامراته المغتربه التي توقد الزمان بالكشف والابتكارفيقول:
وطول مقام المرء في الحي مخلق
لديباجتيه فاغترب تتجددِ
فإني رأيت الشمس زيدت محبة
الى الناس ان ليست عليهم بسرمدِ
هذه لوحة رائعه لشاعرنا الانسان تُركز مرة واحدة الاسباب والنتائج لاغتراب الانسان المتجدد بين مجاهل المكان والزمان، فاغترب تتجددِ ….
هذان هما الفعل وجزاؤه يجعلهما ابو تمام خطة واملا للانسانيه والانسان الذي يريد ….
#صافي_خصاونه