صحيفة المنتصف
التبراح”، إلقاء النصائح والإرشادات والتعليمات في الأحياء والأزقة عبر مكبر الصوت
ـ طريقة كانت قديما من أبرز وسائل التواصل ونقل الأخبار
ـ مسؤول في بلدية: تم إحياء “التبراح” خلال أزمة كورونا لما لها من فعالية وأثر في نفوس المغاربة
اعتمدت بلديات مغربية، إلقاء النصائح والإرشادات والتعليمات في الأحياء والأزقة عبر مكبر الصوت “التبراح”، طريقة للوقاية من فيروس كورونا.
وتداول ناشطو منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو أظهرت “خطابة” بعض ممثلي السلطات والمنتخبين والفاعلين، عند استخدامهم “التبراح” في عدة مدن بالبلاد.
الطريقة التي ظن كثير من المغاربة أنها ولت، عادت من جديد في زمن كورونا، لتشكل أبرز الوسائل التي استخدمتها السلطات من أجل التوعية بمخاطر هذا المرض.
وأجبر انتشار الفيروس دولا عديدة من بينها المغرب على إغلاق حدودها، وتعليق الرحلات الجوية، وفرض حظر التجول، وتعطيل الدراسة، وإلغاء فعاليات عدة، ومنع التجمعات العامة، وإغلاق المساجد والكنائس.
وسجلت البلاد حتى صباح الأربعاء، 1184 إصابة بكورونا، منها 90 وفاة، فيما تعافى 93 مريضا.
** موروث تاريخي
الطريقة التي كانت قديما من أبرز وسائل التواصل ونقل الأخبار ونشر البيانات في المغرب، تُبعث بحلة جديدة في أزقة وشوارع المدن باعتبارها إحدى أبرز وسائل التوعية بوباء أدخل البلاد في حالة استنفار غير مسبوق.
كمال الكوشي، نائب رئيس إحدى بلديات مدينة سلا (محاذية للعاصمة الرباط)، وأحد المشاركين في هذه الطريقة، قال إن “التبراح” يعد من أبرز طرق التواصل الضاربة في التاريخ بالمغرب، وتم إحياؤها خلال الأزمة الحالية واللجوء إليها من جديد، لما لها من فعالية وأثر في نفوس المغاربة”.
ويؤكد الكوشي، في حديث للأناضول، أن ما للموروث الثقافي من استحسان وقبول في نفوس المغاربة، دفع السلطات إلى اعتماده من أجل المساهمة في حملة التوعية التي رافقت انتشار كورونا.
ورغم تطور وسائل التواصل التي يعرفها العالم اليوم، إلا أن الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد، يستدعي بحسب الكوشي، العمل بكل الوسائل المتاحة، ومنها “التبراح”، “للوصول إلى أكبر عدد من المواطنين وتحسيسهم بخطر ما نحن فيه وبالأمور الواجب القيام بها”.
ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي مصطفى بنزروالة، أن آليات التواصل التي تنتهجها السلطة اليوم في تنزيل تدابيرها الوقائية، تتحكم فيها العديد من الأسباب والعوامل منها الثقافية المرتبطة، حيث ما زالت الدولة تستمر في ممارستها للسلطة من بعض الأعراف الثقافية والتقليدية”.
ويضيف بنزروالة، أن “اعتماد السلطات هذه الطريقة، يعيد إلى الأذهان الآليات الضبطية التقليدية التي كان يعتمدها المخزن (مصطلح يستخدمه المغاربة للدلالة على السلطة) في عمليات الإخضاع”.
ويشدد الباحث على أنه “رغم تطور آليات التواصل الحديثة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، إلا أن السلطات تأبى التخلي عن بنيتها التقليدية في وظائفها الضبطية، عن طريق التواصل المباشر كما كان يحدث في لحظات تاريخية سابقة”.
** طريقة ناجعة
وأبدى ناشطون عبر منصات التواصل في المغرب، حجم الاهتمام الذي أبداه المواطنون بالطريقة “الجديدة القديمة” التي اعتمدتها السلطات.
اهتمام قابله بحسب الكوشي، “ثقة وتجاوب من قبل الناس للنصائح والإرشادات التي قدمتها السلطات، خلال هذه الطريقة”.
ويعتبر الكوشي، أن “التبراح، نجح في تقريب الخطاب من المواطنين عبر تجاوبهم واستحسانهم هذه الطريقة”.
ويتابع: “لعل هذه الطريقة التي بدأ العمل بها مبكرا إلى جانب إجراءات أخرى، آتت أكلها حيث نشهد اليوم شوارع المدن خالية من المتجولين، والتزاما كبيرا بحالة الطوارئ الصحية التي تشهدها البلاد”.
** أسباب أخرى
ولا يقتصر اعتماد السلطات على مثل هذه الطرق لما لها من أثر في نشر الإرشادات حول كورونا فقط، إذ أن لجوءها بحسب بنزروالة، إلى التواصل المباشر عبر مكبرات الصوت بالاعتماد على رجال السلطة، يمكن قراءته وفق معطيين.
ويوضح بنزروالة، أن المعطى الأول “مرتبط بكون السلطة ما زالت تحافظ على بنيتها التقليدية في ممارسة الضبط الاجتماعي، عن طريق التواصل المباشر الذي يستبطن في غالبه خطاب وعيد مغلفا بعبارات توعوية، لكل من يخالف التوجهات الرسمية، والإجراءات المتخذة”.
أما الثاني فيتمثل في كون مثل هذه الأوضاع فرصة حقيقية لإعادة حضور السلطة، من خلال حرصها على تصوير الفيديوهات أو البث المباشر، وما يصاحب ذلك من حديث مع المواطنين ونصحهم، أو ردعهم أحيانا، وفق الباحث.
الأناضول الرباط _ مهند أبوجحيشة