صحيفة المنتصف
مقالات مختارة من صحيفة الدستور الأردنية بتاريخ 25/6/1992
سحوم المومني من الغائبين الحاضرين ..بقلم محمود ابو عبيد
كنا نحن الذين احببنا “هنا عمان ..صوت الأردن” ، وعشقنا صهوة اثيرها ورافقناها طويلا عبر الكلمة الهادفة المنطوقة، واختطفنا منها مرات ومرات قارورة عطرها ،لنستنشق رائحة الحياة … الربيع …القمر وكل الفصول القادمة ، كنا حولها كالاطفال في يوم عيد .وكالدراويش في حلقة ذكر ، كالمنتشين في ليلة قمرية،مع هنا عمان كنا على موعد ،فالتحمنا وتوحدنا،وسافرنا على جناحي كلمة الى مدن اخرى و حلقنا في الفضاء ، ومشينا فوق السحاب ….. واحد فقط كان غائباً هذا الصباح ،بحثنا عنه ،نادينا عليه ، سألنا عنه الليل ،فما سمعنا جواباً… هذا الواحد الجميل المحب ل هنا عمان كان لا ينام الا بعد ان يرافق هنا عمان الى فراشها ،يطمئن عليها ، يضع تحت وسادتها الحلوى ، ويتمنى لها ليلة سعيدة ،هذا الواحد كان اسمه سحوم المومني ..اه اين انت يا سحوم ،لماذا تعجلت الرحيل لماذا ذهبت قبل الذهاب ، لماذا لم تتريث قليلا؟؟؟ هل صحيح أن قلبك الذي يشبه قلب الاطفال كان متعباً؟ كل صباح وفي حضرة هنا عمان نشرب القهوة وندخن كما لم ندخن من قبل ونعلن للحياة ميلاد لحظة جميلة ،لحظة نادرة ليس كاللحظات العربية القاتلة، فما اصعب ان ترى العصافير تحلق.. تحلق…ثم تسقط هكذا فجأة ، وهي لم تتم اغنيتها ولم تكمل رحلتها، قبل يومين فقط يا سحوم كنت في حضرة معشوقتك” هنا عمان” معشوقتك الأبدية ، دخلت الاستوديو،لتقرأ نشرة الأخبار وعلى غير عادتك ذكرت اسمك على النشرة، كأنك تودعها ، كنت امامك وبيدي سندويشة ، فأشرت الى ان اترك لك لقيمات ، وتركت لك نصف الساندويش،هل كان هذا اخر ملح بيننا ؟ كثيرا ما كنت تحدثني عن الكروم والدوالي والشماليخ ، وتقول اتمنى ان تذهب معي الى كروم” عبلين” لتسمع الدوالي وهي تنوس للريح، بالامس كانت المقبرة صامتة لكن صوت سحوم في آذاننا ،كلماتك ستنبت شجرة،وصوتك حديقة ،قفشاتك اختلطت بصخب الحياة فصارت سمفونية عالية ورائعة، لقد رأيت في هذه اللحظة “هنا عمان ” تحاول ان تخفي دمعة في عينها ، مع ذلك سقط الدمعة ونزلت فوق الأرض ، وبسرعة تحولت الى وردة، تسابق نحوها كل الذين احبوا سحوم … وهكذا ما اروعك يا سحوم وحتى وانت في العالم الاخر ، كنت من المذيعين الذين يصعب تكرارهم ،كنت قارىء نشرة اخبار من الطراز الرفيع ، مرهف الحس شديد الفهم للرسالة الاعلامية، يصعب على القلبان لا ينفطر حزناً على هذا الشامخ من رجال الإعلام، كنت الاخ الحبيب والزميل ورفيق الدرب الطويل ، عرفتك فعرفت بك دماثة الخلق وصفاء النفس ،كنت تؤدي عملك بمزاج غير عادي ، كنت احسدك على سعت صدرك .
رحمك الله يا ابا مضر ، سبحانك ربي.. رضيت بقضائك رضى المؤمن بكل حق وانت الحق كتبت الموت لكل حي، وانا احتسب اليوم اخي وصديقي سحوم المومني وقد ودع هذه الفانية بوجه بشوش طيب ، ونفس زكية محبة لكل الناس ، لا اله الا الله ..والحمد لله رب العالمي .