الحق في نقد الشخصيات العامة بين المسموح والممنوع…بقلم د. امجد شهاب
الحق في نقد الشخصيات العامة: بين المسموح والممنوع.
بقلم الدكتور امجد شهاب
صحيفة المنتصف
أتذكر جيدًا حادثة وقعت أمامي في فرنسا أثناء دراستي الجامعية عام 1996 أثناء تجوالي بشارع سانت كاترين للمشاة والذي يعتبر الأطول في الجمهورية الفرنسية بمدينة بوردو العريقة. سمعت صوت فتاه تصرخ في وجهة رئيس وزراء فرنسا بصوت عالٍ أمام المارة والحراسة المشددة حوله وتقول له: (الموت لك أيها الأحمق). توقعتُ أن يتم اعتقال الفتاة أو على الأقل الاعتداء عليها من قبل الحراس. ولكن لم يحدث شيء للفتاة التي غادرت بسلام موقع الحدث، ولم يزعجها أحد، رغم أنها ارتكبت جريمة تحريض وشتم (لدولة رئيس وزراء رابع أقوى دولة بالعالم آنذاك) وبعد فترة تفاجأت بإصدار رئيس الوزراء الفرنسي كتاب يحمل عنوان (بيننا) نسخة في 26/11/ 1996 لدار النشر (نيل) ؛ فسارعت لشراء الكتاب – أحتفظ بنسخة عنه في مكتبتي المنزلية – وتفاجأت بصراحته لسرده ما حدث بالضبط بالصفحة الأولى مطالبًا بالحق بالرد على الفتاة، كان لدي صدمة بمفهوم احترام الإنسان من قبل المسؤولين في أوروبا، على الرغم من إساءة تصرفها.
السيد “ألان جوبيه” (رئيس الوزراء) شرح بكتابه بالتفصيل ما يقوم به من إصلاحات جوهرية بمنظومة الدولة ورؤيته المستقبلية من تلك الاجراءات والبرامج، وكيفية تطبيقها على مراحل والتي اكتشف الشعب الفرنسي بعد سنوات بنتائجها الإيجابية على الدولة، لقد استحق لقب (الأفضل بيننا) بجدارة فهو رجل دولة بالمعنى الحقيقي. وكان الأفضل حظًا بالفوز بالانتخابات الرئاسية الأخيرة – حسب استطلاعات الرأي – ولكنّ حزبه لم يرشحه وتم تفضيل أحد وزرائه السابقين “فرانسوا فيون”.
إنّ انتقاد أداء وقرارات المسؤولين يخدم مؤسسات الدولة وخاصة في مجال المساءلة والشفافية خاصة في كشف التقصير وشبهات الفساد واستغلال الوظيفة الرسمية لأغراض شخصية وحزبية.
كما أنّ الانتقاد حق كفلته كل دساتير الدول المتقدمة والعالم الثالث لأنه يعود بالخير، ويكشف ضعف وقلة حيلة المسؤولين والممارسات الخاطئة والتجاوزات المخالفة للقانون، ويمنع تحول المؤسسات إلى (عزب) أو مزارع للقائمين عليها، يفعلون ما يشاؤون دون رقيب أو حسيب.
بالإضافة إلى أنّ الانتقاد يجعل كل مواطن رقيب على مؤسساته، ويرفع حالة القدسية المزيفة عن المسؤول، ولم يستبعد القضاة وجود الإباحة عند نقض الشخصيات العامة بالرغم من استعمال ألفاظٍ قاسية.
وقد يتم الحق في نقد الشخصيات العامة والموظفين التابعين لهم عن طريق الصحافة، أو أثناء اجتماع أو في مكان عام أو خلال برنامج إذاعي أو تلفزيوني؛ فعلى السلطة الرابعة (الإعلام) مهمة أساسية وهي تعميق وعي المواطنين بالشؤون العامة ومن يقوم بإدارتها. كما أنّ طبيعة عمل الصحفي ليس لتسحيج المسؤولين أو نقل وسرد الوقائع فقط، بل إبداء الرأي، لأنّ حرمانه من ذلك يتناقض مع طبيعة عمله كصحفي وممثّل عن السلطة الرابعة (الإعلام).
بالإضافة إلى أنّ هناك حدودًا قانونية لحقّ النقد وهي توخي المصلحة العامة وحسن النية وصحة المعلومات وعدم الخروج عن الموضوعية. كما لا يجوز توزيع الاتهامات بالخيانة والفساد بدون أية أدلة، وأن يصل النقد لدرجة التجريح الشخصي والطعن: حيث أنّ (المتهم برئ حتى تثبت إدانته).