“تقييم، بدون تعليم” بقلم بشرى عربيات
“تقييم، بدون تعليم”
بقلم المستشارة التربوية : بشرى سليمان عربيات
صحيفة المنتصف
تعملُ وزارة التربية والتعليم على إجراء تقييم إلكتروني للطلبة على المنصات الخاصة بها، ويأتي هذا التقييم ضمن سلسلة من الأخطاء التي ارتُكبت بحق الطلبة وبحق التعليم، وذلك لعدة أسباب، ولعل من أهمها أن ما يقارب مليون طالب فقط شاركوا في منصة درسك – حسب تصريحات الوزارة -، ولو اعتبرنا أن هذا الرقم حقيقياً فذلك يعني أنه لم تصل نسبة المشاركين على المنصة خمسون بالمئة.
لا أقصد بعدم دقة الرقم هذا إلى أن الوزارة لا تعطي أرقاماً حقيقية، ولكن يمكن تفسير ذلك، أنه لم يتم التحقق من عملية الدخول الفعلي للمنصة من خلال تسجيل الدخول، وهو ما يسمى باللغة الإنجليزية Sign In ، وهذا يعني أن عدد المارِّين مرور الكرام كبير، لكنه لا يصل إلى المليون، والسبب الآخر في عدم دقة الرقم هو أنه يمكن للشخص الواحد المرور على المنصة حوالي عشر مرات – على سبيل المثال – وبالتالي يقوم الراصدون بتسجيل عشرة أشخاص، علماً بأنه نفس الشخص! ناهيك عن دخول عدد كبير من أولياء الطلبة بديلاً عن أطفالهم كي يتمكنوا من المتابعة، وبالتالي فإنه بإجراء عمليةٍ حسابيةٍ بسيطة نتيجة كل هذه الإحتمالات فإن عدد الطلبة المشاركين فعلياً على منصة درسك لا يتجاوز ربع مليون طالب أي ما نسبته خمس وعشرون بالمئة! وهذا يؤكد ما قلته سابقاً أن في التعليمِ عن بعد، بعداً عن التعليم.
قررت وزارة التربية والتعليم أن تصدق نجاح التعليم عن بعد،فأعلنت عبر مواقعها على صفحات التواصل الإجتماعي مواعيد التقييم الأول ” إلكترونياً “، وبعد مرور اليوم الأول لهذا التقييم، أعلنت الوزارة عن أن نسبة المشاركين في هذا التقييم حوالي 82%، ولن أقول أن هذا عدد الطلبة المشاركين، لأنه ومنذ أشهر ونحن نقول أن هناك من يقوم بتأدية هذه الإختبارات بديلاً عن الطلبة، ربما من أولياء الأمور، أو من تجار التعليم المعلنين عن إستعدادهم لمساعدة الطلبة مقابل دراهم معدودة! ولكن كما يقال ” الحساب يجمع ” .
جاء هذا التقييم بدون تعليم، حتى لو كانت الدروس تبث عبر منصات، ولكن من هم المعلمون الذين يقومون بالتعليم عبر المنصة ، وكم عددهم مقارنة بأعداد المعلمين في الأردن؟ وما هو أسلوب التعليم المستخدم؟ وهل يناسب هذا الأسلوب جميع الطلبة على الرغم من اختلاف الفروق الفردية، أسئلة كثيرة بدون أجوبة، لماذا؟ فقط لأن الوزارة قررت التدريس والتقييم عن بعد إلى أجلٍ غير مسمى!!
ثمانية أشهر مضت حتى اليوم، ولم تتمكن وزارة التربية والتعليم من إصلاح الخلل على منصاتها، إذ يشكو العديد من الناس من أخطاء كثيرة على المنصة، تمَّ تتويجها بأخطاءٍ علمية ولغوية في التقييم الإلكتروني. هذه المنصة خاصة فقط بطلبة المدارس الحكومية وطلبة مدارس الثقافة العسكرية، وذلك يشير إلى أن غالبية الطلبة من الفئة الفقيرة مادياً، والتي لم ولن تتمكن من تسجيل أبنائها في المدارس الخاصة التي تقدم خدمة تعليم أفضل.الأمر الذي سيكون سبباً في إحداث شرخ في المجتمع، هذا الشرخ سيكون أعمقُ تأثيراً من الأوبئة جميعها.
وبعد كل ما ذكرت، أتمنى أن تراجع الوزارة قراراتها المجحفة بحق الطلبة وبحق المجتمع بأكمله، وسيذكرُ التاريخ أن هذه القرارات كانت سبباً في ضياع جيلٍ بأكمله، ولن يقف الأمر عند هذا الحد لأن بناء الأجيال أصعب من بناء الأبراج، ولأن بناء الأجيال هو أساس بناء الأوطان.