لماذا لا تُعيّن المرأة في منصب رئيس أركان الجيش ؟…بقلم موسى العدوان
لماذا لا تُعيّن المرأة في منصب رئيس أركان الجيش ؟…بقلم موسى العدوان
صحيفة المنتصف
قد يكون السؤال المطروح أعلاه، غريبا ومستهجنا من قبل البعض للوهلة الأولى، ولكن الجواب عليه هو أحد الحقائق في هذه الحياة وما يرافقها من تطورات. لقد استهجنا من قبل ارتداء المرأة للبنطال، واستهجنا قيادة المرأة للسيارة، واستهجنا خدمة المرأة في القوات المسلحة، واستهجنا تعيين المرأة وزيرة أو مديرة أو قاضية في الدوائر الرسمية، ولكنا تقبلنا ذلك في وقت لاحق وأصبح الأمر حقيقة مقبولة. وللتقرب من هذا الموضوع، دعونا نتعرف على عمل رئيس الأركان في القرون الماضية، وعمله في القرن الحالي والقرون اللاحقة.
يقول المارشال مونتغمري أحد أبطال الحرب العالمية الثانية ما يلي واقتبس : ” يتعلم الجندي فنون الحرب من دراسته النظرية، وهي التي تشكل الجزء الأكبر من ثقافته العسكرية، وكذلك من التدريبات العسكرية التي يؤديها خلال دراسته النظرية. والدراسة النظرية هذه، هي الأساس الأول في تكوينه كجندي، فهو يعتمد عليها كل الاعتماد.
فعندما ينضمّ الجندي إلى صفوف الجيش، فإنه يتسلم عددا من الكتب والكراسات، التي تضم مواد عسكرية تعليمية، إضافة إلى مبادئ الحرب الأساسية، مدونة بطريقة بسيطة تسهل قراءتها وفهمها. وقد يبدو الأمر سهلا وشاملا في أول الأمر، إلاّ أنه سرعان ما يكتشف أن هذه الكتب والكراسات، قد أغفلت الكثير من فن القيادة. وقد يتصور كذلك أن ما أفرزته هذه الكتب من مبادئ، قد أغفلت الكثير من المعلومات عن فن الحرب القديم، وأنها جُمعت خلاصة للحرب الحديثة، وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه . .
فالواقع أن هذه المبادئ ترجع إلى أقدم عصور التاريخ، وقد كان نابليون ينصح ضباطه بقراءة تاريخ الحرب، وأن يهتموا بدراسة تاريخ القادة العسكريين وغزواتهم. ونرى ميكافيلي يقول في كتابه الأمير : ( يجب على الرجل الطموح أن يقرأ في كتب التاريخ، ويدرس أعمال العظماء وكيف استطاعوا أن يتقنوا فن الحرب، ثم يتعرف على أسباب انتصاراتهم كما يتعرف على سبب هزائمهم ). وأعتقد أن هذه النصائح هي أحسن ما يمكن أن يُوجه لمن أراد دراسة الحرب “. انتهى الاقتباس.
* * *
وعند التمعن في هذا الكلام، الذي يلقي الضوء على بعض أساسيات القيادة العسكرية، والتي كان لها قيمة عظيمة لدى جيوش العالم ( والجيوش العربية خلال الحقبة الماضية )، بسبب وجود عدو يحتل أراض عربية في فلسطين وسيناء والجولان، فقامت على ترابها العديد من المعارك والحروب، التي راح ضحيتها الكثير من الشهداء والخسائر المادية. كان من بين تلك الحروب كما هو معروف : حرب عام 1948 وحرب عام 1967 وحرب أكتوبر 1973.
يبدو أن ذلك الزمان قد انتهى بما حمله من عداء واستعداد للحرب بين العرب وإسرائيل، وحل السلام بدلا من القتال ( حسب مفهوم الزعماء العرب )، فتعززت الصداقة الرسمية بين الطرفين، سياسيا واقتصاديا وأمنيا. ولهذا غُيبت سيرة الحرب من النفوس، وأصبحت الجيوش الجرارة، بدباباتها وطائراتها وصواريخها ذات الأصباغ الجميلة، تعمل قي ساحات المراسم والعروض، وبالمقابل راح عدونا يعزز قواته ويدعمها بترسانة عسكرية متجددة، تخالف في مقاييسها مقاييس زعمائنا العرب.
وعند افتراض غياب العدو الذي على الدول العربية الاستعداد له، وشطب عقيدتها العسكرية، نرى أنها قد راحت تهيكل جيوشها، وتحولها إلى حرس حدود مجردة من أسلحتها الثقيلة، أو تحولها إلى قوات رديفة لقوات الأمن العام، مهمتها منع التهريب على الحدود، والمساعدة في حفظ الأمن والنظام الداخلي، كعمل إداري متخصص.
وفي عصر الأقمار الصناعية، وحرب السايبر، واستخدام الطائرات المسيرة والمسلحة، التي تجوب السماء في مهام استخبارية وقتالية، وأصبح من الممكن لشخص يجيد عمل الكمبيوتر، أن يدير ذلك العمل الإداري والإستخباري للجيوش في الميدان، من خلال شاشة كمبيوتر مثبتة في مكتبه. وها هي سيدة أمريكية كانت جالسة أمام جهاز الكمبيوتر، في إحدى غرف القيادة المركزية الوسطى بولاية فلوريدا، استطاعت أن تصطاد قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق، على بعد آلاف الأميال.
هذه البيئة العسكرية الجديدة، لا تتطلب وجود ضابط تتوفر به الصفات القيادية، ليشغل منصب رئيس أركان الجيش في الدول العربية، بل أن هناك الكثير من السيدات هذا اليوم، ممن تتوفر بهن قدرات عملية مناسبة، تمكنهن من إدارة رئاسة أركان الجيش إستخباراتيا وإداريا بصورة جيدة.
والمثال على ذلك دولة سلوفينيا الأوروبية والعضو في حلف الناتو، التي سبقتنا في تعيين أول امرأة ( ألينكا آرمينك ) رئيسا لأركان الجيش، في شهر نوفمبر عام 2018. بالإضافة إلى ذلك هناك 17 امرأة في العالم، تولين منصب وزير الدفاع بصلاحيات كاملة خلال السنوات الماضية، ومن بينهن اليوم وزيرة الدفاع اللبنانية زينة عكر.
على ضوء هذه الحالة المحزنة التي وصلنا إليها ( من السلام الموهوم ) بين
الدول العربية والعدو الصهيوني، فإنني أتمنى على قادة دولنا العربية، أن يغيّروا سياساتهم الجامدة، والتي اقتصرت على تعيين رئيس أركان الجيش من الرجال فقط، أن يعطوا دورا للمرأة لإشغال هذا المنصب، وهي التي أثبتت وجودها في كل المواقع التي أشغلتها، فلعلها تثبت وجودها من جديد في هذا المنصب، خاصة عند وقوع إخلال بالأمن فإنها ستقوم ” بضرب الشعب بيد ناعمة ” حفاظا على مشاعره . . !
التاريخ : 21 / 11 / 2020