أخبار المنتصف
أخبار عاجلة
ملفاتمقالات

ماجد العدوان أمير البلقاء . . بقلم موسى العدوان

ماجد العدوان أمير البلقاء . . بقلم موسى العدوان

الشيخ ماجد العدوان - المنتصف
الشيخ ماجد العدوان – المنتصف

صحيفة المنتصف

عندما يتحدث الخطباء ويكتب الكتاب هذه الأيام عن مآثر رجالات الأردن، أستغرب أن لا يتعرضون لذكر مآثر ماجد العدوان، الذي أجمعت عشائر البلقاء على تنصيبه أميرا عليها في أوائل القرن الماضي. وعندما أتحدث عن هذا الأمير، فإنني لا أنطلق من وجهة نظر عشائرية فحسب، بل أنطلق أيضا من كونه زعيما وطنيا وقوميا في الوقت ذاته.

ولهذا ذاع صيته بين عشائر الأردن، وعشائر الدول العربية المجاورة. وعندما أتحدث عن رجالات الوطن الشرفاء، لا أقصد أن أثير البكائيات على من مضوا في الزمن البعيد، بل أطرحها أمام الأجيال اللاحقة، لعلها تثير فيهم العزة والرجولة فيقتدون بها.

وهنا لا أريد أن أتحدث بتوسع عن هذا القائد الفطري – رحمه الله – والذي مضى على وفاته في ظروف غامضة حوالي 74 عاما، لأن ذلك يحتاج إلى كتاب موثق، قام بتحمّل مشقته مشكورا الدكتور عبد الله العسّاف. ولكني سألقي الضوء على بعض مآثره منقولة عما ورد في ذلك الكتاب، لتذكير الجيل الحالي بمواقفه الوطنية والقومية الشريفة، والتي يجري تغييبها وطمسها من أدبياتنا الثقافية هذه الأيام، بدل أن يعرفها عليها أبناءنا في مدارسهم وفي ثقافتهم الوطنية.

ففي أواخر الحكم العثماني، كانت هناك حكومات محلية في غياب حكومة مركزية في شرقي الأردن، تسيطر على البلاد وتفرض الأمن والنظام. وعند قيام الثورة العربية وتوجه الأمير عبد الله بن الشريف حسين على رأس قوة من رجاله، لمساندة الملك فيصل في استعادة حكمه على سوريا، وصل إلى مدينة معان جنوب الأردن. وفي هذه الأثناء استدعى المندوب السامي على فلسطين هربرت صموئيل ماجد العدوان إلى مكتبه في القدس.

وقبل اجتماع ماجد مع صموئيل التقى بعدد من الزعماء الفلسطينيين، والذين طلبوا منه الحفاظ على مصيرهم بالقول: ” خطية الناس برقبتك يا ابن عدوان “. اجتمع ماجد مع هربت صموئيل، والذي عرض عليه وجهة نظر الحكومة البريطانية، في إقامة حكم وطني مستقل أداريا برئاسته، في شرقي الأردن بمساعدة مالية من بريطانيا، بشرط عدم معارضته لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، إلاّ أن ماجد رفض هذا العرض بقوة. وإزاء هذا الموقف اعتذر صموئيل، عن توليته الحكم في شرقي الأردن. ولكن ماجد لم يأسف على ذلك وبقي مصرا على رأيه بكل وطنية واعتزاز.

استدعى المندوب السامي الأمير عبد الله بن الحسين المتواجد مع قواته في معان، للاجتماع به بحضور تشرشل وزير المستعمرات البريطانية وأقنعاه، بعدم مواصلة مهمته إلى سوريا، والتوقف في شرقي الأردن، حيث ستُشكل له دولة هناك تقع تحت حكمه. ويُعتقد أنه عرض عليه الشروط التي رفضها ماجد العدوان فوافق عليها. وعلى هذا الأساس أعلن البريطانيون تأسيس إمارة شرقي الأردن تحت حكم الأمير عبد الله بن الحسين.

يقول الزعيم الهندي جواهر لال نهرو في كتابه ” لمحات من تاريخ العالم ” ما يلي وأقتبس : ” وقد عرف الإنجليز من يعينون لحكم هذه البلاد، فعينوا الأمير عبد الله بن الملك حسين وأخ فيصل، حاكما على شرقي الأردن وكان طوع بنانهم. وقد أفاد الإنجليز في أنه كان يتلقى عنهم كل اللوم، فازدادت كراهية الشعب له. والحقيقة أن شرقي الأردن في ظل عبد الله تشبه الإمارات الهندية الصغيرة عندنا. فالشعب فيها يطالب ببرلمان ديمقراطي ولكن المسئولين لا يوافقون، ويزيدون على ذلك بفرض الرقابة على الصحف، ونفي الزعماء وتفريق المتظاهرين “. انتهى الاقتباس.

ونظرا لسوء إدارة الدولة برئاسة مظهر رسلان، فقد قامت حركة وطنية برئاسة ماجد العدوان في عام 1923، تقدمت من الحكومة بالمطالب التالية :
1. توظيف أبناء البلاد المتعلمين بدلا من الغرباء.
2. تشكيل مجلس نيابي يمثل أبناء البلاد تمثيلا حقيقيا.
3. تشكيل جيش وطني يظم جنودا وقيادة وأردنية.
4. تخفيف الأعباء الضريبية على المواطنين
5. تخفيض أو إلغاء رواتب شيوخ العشائر.

وعندما لم تستجب الحكومة لهذه المطالب، قامت عشائر البلقاء بمحاولة فرض هذه المطالب بالقوة وتقدمت قواتها من حسبان باتجاه ناعور – تلاع العلي – عمان. ولكن مدرعات وطائرات البريطانيين تصدت لهذه القوة بين منطقتي الشميساني وتلاع العلي، وأفشلت حركتها، حيث ذهب ضحيتها عدد من الشهداء من بينهم الشيخ صايل الشهوان.

وأتساءل اليوم : لماذا يتم التجاهل في أدبياتنا الثقافية تاريخ هذا الزعيم الوطني ورفاقه، وهو جزء حقيقي من تاريخ الأردن الحديث ؟ علما بأنه حتى في الموسوعة الحرّة ” ويكيبيديا ” لم يرد ذكر لهذه الحادثة. إلا أن الشاعر المبدع محمد عبد الرزاق السواعير جزاه الله خيرا، أنصف هذا الرجل وهو بين يدي ربه، بقصيدة طويلة قبل سنوات بعنوان ( ماجد أمير البلقاء )، أجتزيء منها الأبيات التالية :

رجلٌ تَطيبُ بذكرِهِ الأيّامُ
وبهِ الجزيرةُ تحتفي و الشّامُ
ولهُ “بذات الرّافدين”حبيبةٌ
غنّتْ لسحرِ عيونِها الأهرامُ
الجودُ ديدَنُهُ وفارسُ عصرِهِ
وأعزّ ما جادت بهِ الأرحامُ
لم يسرِ ، إلّا والثّلاثةُ دونَهُ
المجدُ ، والتّاريخُ ، والإقدامُ
رفضَ “الإمارةَ” والإمارةُ ملكُهُ
واللّاهثون _ وراءها_ أقزامُ
ديوانُهُ للوافدين مُشَرّعٌ
وحِياضُهُ للمعتدين ضِرامُ
ذو شوكةٍ ، والكلّ يشهدُ أنّهُ
عَلَمٌ ، وليس كمثلِهِ أعلامُ
قهَرَ الخصومَ ولم يُغيّرْ نهجَهُ
فارتدّ رغمَ أنوفِهمْ حُكّامُ
من نسل “عدوان” الأبيّ جُدودُهُ
ومن الأصولِ ، أعزّةٌ وكرامُ
هُوَ “ماجدٌ” من ظهرِ حُرّ” ماجد
كلُّ الشّيوخِ _ إذا رأته_ قِيام
وإذا الزّعامةُ لم تكنْ لرجالِها
ما صار يوماً قادةٌ وعِظامُ
قد ساوموكَ على مبادئ عزّةٍ
فأجابهم قبلَ الجوابِ حُسامُ
صَمُوئيلُ” أغرى والنّفوسُ مريضةٌ
وعلى الخيانةِ ، تُرفعُ الأعلامُ
نزل اليهودُ ولم يُدانوا موقعاً
إلّا وسَمسرَ عندهم ….. أزلامُ
يا “راعيَ الظبطا” وسيّدَ أهلِها
عمّ البلاءُ ، .. وزادتِ الآلامُ
نوّورتَ سَفر الخالدين بصفحةٍ
سطعتْ بخطّ حروفها الأقلامُ
واهنأ بقبركَ ، لا تسل عن حالنا
فعمالةٌ …. ، ونخاسةٌ …. ، ولئامُ
وإليكَ من وَهجِ الحروفِ تحيّةٌ
وعليكَ من جمرِ القلوبِ سلامُ
سلّمْ على “وصفي” وعانقْ “صايلاً”
وعدُ الحبيبِ مع الحبيبِ لِزامُ
والله أرحَمُ ، والكريمُ بعفوِهِ
طوبى لروحكَ ( مَقعدٌ ومُقامُ )

******************
ختاما أقول : لقد دافع ماجد العدوان عن قضايا الأردنيين والفلسطينيين، ولم يوافق على الاتجار بالقضية الفلسطينية في سبيل حكم زائل. ولهذا سيبقى ذكره مع رفاقه، منارة يهتدي بها الشرفاء من أبناء الوطن، على مدى الأجيال اللاحقة. فرحم الله الأمير ماجد العدوان والشيخ صايل الشهوان وجميع رفاقهم، وأسكنهم فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين.

التاريخ : 9 / 12 / 2020

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى


تمكين الإشعارات yes no