يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين وأمنيات لم تتحقق…بقلم موسى العدوان
يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين وأمنيات لم تتحقق…بقلم موسى العدوان
صحيفة المنتصف
كلمة الوفاء هي بحد ذاتها كلمة سامية، تعني الاعتراف والتقدير لمن قدم خدمات نافعة للآخرين. وهي من الركائز الاجتماعية التي تبنى علاقات طيبة بين الناس، وبين المؤسسات المختلفة وأبنائها، سواء كانوا عاملين أو متقاعدين.
وفي هذه العجالة سأتحدث بصراحة عن معنى وآمال المتقاعدين العسكريين التي علقوها على هذا اليوم، والإشارة إلى المعاناة التي يواجهها ذوي الرتب الصغرى منهم، الذين تحسبهم أغنياء من التعفّف.
فيوم 15 شباط الماضي كان ذكرى الاحتفال بِ ” يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى “، والذي اختارته القيادة العامة قبل سنوات، إحياء لذكرى استشهاد سبعة من رجالها الأشاوس في غور الأردن عام 1968، قبل وقوع معركة الكرامة بفترة قصيرة. وهذا تقليد عسكري تقوم به جيوش العالم، لإحياء ذكرى قتلاهم والاحتفال بقدامى متقاعد يهم بما يسمى ( Veterans Day ).
وبهذه المناسبة فقد كتب البعض مقالات عديدة في الصحافة المحلية، تشيد بالمتقاعدين العسكريين وما قدموه من أجل الوطن، وهي مشاعر وطنية نشكرهم عليها، ولكنها لم تظهر الأوضاع الصعبة التي يصارعون بها قسوة الحياة، من أجل تأمين احتياجاتهم المعيشية، بعد خدمتهم الطويلة وإحالتهم على التقاعد.
وإذا أردنا الوفاء بحق أولئك الرجال، ونجعل لهذه المناسبة معنى وقيمة حقيقية، لابد لنا في البداية من التعرف على مصادر الشكاوى، ليسهل علينا استنباط الأساليب المناسبة لمعالجتها وتذليلها. وفي هذا المجال يمكنني أن
ألخص تلك الشكاوى بخمس (عدمات ) هي :
1. عدم كفاية الراتب التقاعدي للعيش بكرامة، خاصة لذوي الرتب الصغرى من الضباط والأفراد. وهي في الحقيقة تشكل قضية أمنية، تلقي بسلبياتها على تماسك واستقرار المجتمع، إذا لم تجد حلا مناسبا لها.
2. عدم مساواة الرواتب التقاعدية للرتب المتماثلة من الضباط والأفراد القدامى، مع رواتب المتقاعدين المتقاعدين الجدد بعد عام 2010.
3. عدم وجود تواصل بين المتقاعدين والعاملين، إلاّ في أضيق الحدود، ولشخصيات منتقاة حسب العلاقات الشخصية.
4. عدم الاستفادة من خبرات كبار الضباط المتقاعدين في القضايا الوطنية الهامة. كما لا يتم إطلاعهم على المستجدات في القوات المسلحة، وكأنهم غير معنيين بالحفاظ على قدرة القوات المسلحة وحماية الأمن الوطني في البلاد، رغم مساهماتهم الفعلية السابقة، في بناء وتطوير هذه القوات، والدفاع عن الأردن في ظروف خطيرة سابقة.
5. عدم الحفاظ على كرامة المتقاعدين، عند مراجعتهم للدوائر العسكرية، التي أفنوا أعمارهم بها، وحتى يصعب عليهم الاتصال الهاتفي بمدرائها، إذ يلقّنون مدراء مكاتبهم بالإجابة : أن رؤسائهم خارج المكاتب، أو مشغولون باجتماعات ( صورية )، ولا يمكن التحدث معهم، ثم يطلبون من المتصل رقم الهاتف لمعاودة الاتصال به ولكنهم لا يفعلون.
وإزاء هذا الوضع المؤسف، أطلق جلالة الملك عبد الله الثاني في يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين مبادرة ” رفاق السلاح ” لمساعدتهم والتخفيف من معاناتهم، والتي تولّى إعدادها سمو ولي العهد، مقترحا تنفيذها من خلال خمسة محاور.
ولا شك بأن هذه المحاور جيدة ومقدرّة، لخدمة المستهدفين بها مستقبلا، علما بأن معظمهم أصبحوا في خريف العمر. فالحالة الراهنة لصغار الرتب من أولئك المتقاعدين، تتطلب بالدرجة الأولى مواجهة حاجاتهم اليومية الضاغطة، ومنها التزاماتهم تجاه مدارس وجامعات أبنائهم. فعندما أطلقت هذه المبادرة الملكية، استبشرت بها خيرا وتمنيت أن تشمل النواحي المادية والمعنوية التالية :
1. رفع الرواتب التقاعدية لذوي الرتب الصغرى من الضباط والأفراد، بحيث لا تقل في حدها الأدنى عن 600 دينار شهريا، مما سيكون لها نتائج إيجابية فورية على حياتهم، وعلى الحركة الاقتصادية في السوق.
2. إزالة تشوهات الرواتب التقاعدية للضباط والأفراد بين الرتب المتماثلة، بين المتقاعدين القدامى والمتقاعدين الجدد بعد عام 2010، اقتداء بما يجري في الجيوش العالمية المتحضّرة.
3. إجراء لقاءات دورية من قبل القيادة العامة مع كبار الضباط المتقاعدين، وإطلاعهم على آخر المستجدات والتطورات في القوات المسلحة، وتبادل الآراء فيما يهم هذه القوات.
4. إنشاء مكاتب ارتباط في عمان وفي المحافظات، لاستقبال المراجعين من المتقاعدين العسكريين، والرد على اتصالاتهم وقضاء حاجاتهم الممكنة.
5. قيام المسؤولين والهيئات الرسمية والشعبية في المحافظات في يوم الوفاء، بزيارة أضرحة وقبور كبار القادة والشهداء في محافظاتهم، ووضع أكاليل من الزهور عليها، ثم قراءة الفاتحة على أرواحهم تقديرا لخدماتهم الوطنية.
6. القيام بزيارة عائلات الشهداء، وتفقد أحوالهم المعيشية والاجتماعية، وتقديم المساعدة اللازمة لهم.
7. قيام مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة، بالبحث عن آخر خمس محاربين قدماء شاركوا في حرب عام 1948 وتكريمهم إن كانوا أحياء، أو إعلان أسماءهم في وسائل الإعلام إن كانوا متوفين وتكريم ذويهم، لنتذكر تلك الصفحة العسكرية المشرقة التي طويت، ونترحم على أرواح من تحملوا وزرها.
بمثل هذه الإجراءات، أعتقد أننا نكون قد أكرمنا المتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، وأوفينا بالعهد للأحياء والشهداء والمتوفين منهم. ولا شك بأن ما قُدم في ” مبادرة رفاق السلاح ” خطوة على الطريق الصحيح، راجين استكمال بقية الأمنيات في المستقبل القريب.
في الختام أضرع إلى الله تعالى أن يرحم جميع الشهداء والمتوفين من قواتنا المسلحة وغيرها، وأن يسكنهم الفردوس الأعلى لقاء ما قدموه من تضحيات لأجل الوطن وأهله، وأن يساعد المتقاعدين الأحياء، على مواجهة متطلبات حياتهم والعيش بكرامة، بعيدا عن الحاجة والعِوزْ.
التاريخ : 17 / 2 / 2021