حل الدولتين السبيل الوحيد للخروج من دوامة الحروب..بقلم راجح أبو عصب
حل الدولتين السبيل الوحيد للخروج من دوامة الحروب
المحامي راجح أبو عصب
صحيفة المنتصف
الحروب لا تخلف إلا الدمار والخراب وحصد أرواح مدنيين أبرياء , وهدم منشآت خاصه وعامة , وتدمير البنية التحتيه , وتعطيل حركة الحياة , والمجاعات والفقر , وقبل كل ذلك إثارة العداوات والأحقاد والرغبة في الانتقام وغالبا ما تخلف الحروب حروبا متتابعه , تشتعل بين فتره وأخرى , بدافع من الرغبة في الثأر أو استرداد ما خسره أحد الطرفين في حروب سابقه . وأحيانا تكون الحروب معبراً لإنهاء العداوات وتحقيق سلام دائم أو مؤقت بعد أن يتبين للأطراف المتحاربه , أنه لا يمكن لأحدهم أن ينتصر بالضربة القاضية ويجهز على عدوه نهائيا ويدفق للإستسلام ورفع الرايات البيضاء .
ولأن الاسلام دين سلام ومحبه وإخاء وتعاون بين الشعوب أمم الأرض , بغض النظر عن اختلاف الأديان والأعراق والأجناس , فقد نفر من الحرب واعتبرها آخر الحلول , وآخر الدواء إذا لم يكن منها بد , ولذلك قال الله عز وجل مخاطبا المسلمين :” كتب عليكم القتال وهو كره لكم ” وإنما اعتبر القتال في الاسلام كرها لما فيه من القتل والاصابات وخسائر مالية , ولأن المقاتل يفارق الأهل , وقد يفارق الوطن أحيانا فالقتال أشق وأصعب شيء على النفس البشرية , فهو مكروه في الطباع الإنسانية لما فيه من مشقات وأهوال ومخاوف وخسائر كبيرة وتيتم أطفال وترمل نساء , وإثارة للأحقاد .
وقد نهى الرسول صل الله عليه وسلم عن تمني لقاء العدو, حيث قال :” لا تتمنوا لقاء العدو , واسألوا الله العافيه ” أي لا ينبغي للمسلم أن يتمنى لقاء العدو ويقول :” اللهم القني عدوي ” ولكن عليه أن يقول :” اللهم عافنا ” وهكذا يتبين أن الاسلام ينفر من الحروب إلا عند الضرورة القصوى ودفع الأذى وكما قال المثل العربي :” آخر الدواء الكيَ ” .
وهكذا نرى أن هذه الحرب الاخيرة على قطاع غزة لم تخلف إلا الدمار والخراب والموت , وكان معظم ضحاياها من المدنيين , خاصه من النساء والاطفال . هذا عدا تدمير مئات وتشريد عشرات الآلاف وتدمير البنية التحتية , وخسائر فادحه في المصانع والمراكز الاقتصادية , ودمار آلاف الشقق السكنية والابراج والشوارع والطرق العامة , وقبل كل ذلك هذا العدد الهائل من الضحايا , وقسم كبير منهم من النساء والاطفال والشيوخ الذين لا حول لهم ولا قوة .
والأمر المؤسف أن الحرب على غزة هذه ليست الحرب الأولى فقد سبقتها عدة حروب , فهي حلقه في سلسلة حروب متتابعة , بدءاً من حرب عام 2006 على خلفية أسر حركة حماس الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط في حزيران من عام 2006 , ثم حرب اسمتها اسرائيل عملية ” الرصاص المصبوب ” والتي دامت شهر كاملا , ثم حرب عام 2014 التي استمرت بين حماس واسرائيل خمسين يوما خلال شهري حزيران وتموز , وكانت حرب 2019 في أيار أقصر تلك الحروب , حيث استمرت ثلاثة ايام فقط .
وكان الاهل في قطاع غزة الذين يعيشون في حصار خانق منذ عام 2007 عقب الانقسام بين جناحي الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة , يعيشون أوضاعا كارثية في كل المجالات , جراء ذلك الحصار وكانت تلك الحروب تزيد تلك الاوضاع الكارئية سوءا , حيث البطاله والفقر والجوع والمرض , حيث أن 80% من سكان القطاع يعيشون على الاعانات المالية .وكانت هذه الحرب الأخيرة على القطاع أكثر تلك الحروب شراسة وعنفاً , حيث حصدت أرواح العشرات , معظمهم من المدنيين , خاصه من النساء والاطفال , وتشريد الآلاف , إثر هدم آلاف المنازل , وتدمير عدد من الابراج السكنية والدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتيه : من محطات توليد الكهرباء والمياه والصرف الصحي , وتدمير معظم الشوارع .
والسؤال الذي يطرح نفسه بشده في هذه الظروف الشديدة القساوة هو :” أما آن لمسلسل هذه الحروب أن ينتهي ؟ وأما آن الأوان لإنهاء معاناة الاهل في القطاع الرهيبة والمستمرة منذ 14 عاما أم تنتهي ؟ وأما آن أن ينعم أطفال غزة بالهدوء والراحة والسعادة كبقية أطفال العالم ؟ وألم يأن الأوان لإنهاء حالة العداء والحرب ؟ وألم يأن الأوان لطي صفحة هذه الحروب المدمرة ؟ وفتح صفحه جديدة من السلام
والامن والأمان ؟ .
إن العالم كله مجمع على وجوب إنهاء حالة العداء هذه وإخفاء سلسلة الحروب هذه مره واحدة وإلى الأبد وهو مجمع كذلك أن ذلك لن يتم إلا من خلال تحقيق حل الدولتين : دولة فلسطينيه مستقلة قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة , بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 .
فقد أعلن الرئيس الاميركي جو بايدن , يوم الاحد الماضي أن إدارته تعمل مع الفلسطينيين والاسرائيليين لتحقيق تهدئه دائمة , وأن الطرفين يستحقان العيش في أمن وسلام . وكان أعلن ايضا أن السبيل الوحيد لحل الصراع وتحقيق السلام الدائم إنما يتم من خلال تطبيق رواية حل الدولتين , وأنه يعتبر القدس الشرقية جزءا من الضفة الغربيه , كما أن وزير خارجيته أنتوني بلينكن أعلن الادارة الأميركية تدعم حل الدولتين . وفي ذات الاطار , دعا تور وينسلاند , المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الاوسط , أعضاء اللجنة الرباعية وفلسطين واسرائيل , إلى تكثيف الجهود ولاستئناف الحوار بين طرفي النزاع الفلسطيني والاسرائيلي , كما دعا أطراف اللجنة الرباعية : روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة , والاتحاد الأوروبي والشركاء العرب والدوليين المحوريين , وكذلك القادة الفلسطينيين والاسرائيليين إلى العودة إلى مفاوضات جوهرية , وأكد أن الأمم المتحدة تعمل على تهدئة الأوضاع .
ومن جهته , فإن العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني , شدد خلال اتصال هاتفي , يوم الاثنين الماضي , مع الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس , على انه لا بد عن حل الدولتين , كسبيل لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة كما أن الرئيس محمود عباس رحب بانعقاد اجتماع للجنة الرباعية الدولية تمهيدا للانخراط في عمليه سياسيه جدية , تؤدي الى تحقيق حل الدولتين .
وهكذا فإن السبيل الوحيد لوضع حد لمسلسل الحروب على قطاع غزة , انما يكمن في تطبيق رؤية حل الدولتين , دولة فلسطين إلى جانب دولة اسرائيل تعيشان في أمن وأمان وسلام . والله الموفق