هل كانت برقية عجلون ستجنبنا هزيمة حرب حزيران ؟..بقلم موسى العدوان
هل كانت برقية عجلون ستجنبنا هزيمة حرب حزيران ؟..بقلم موسى العدوان
صحيفة المنتصف
تصادف هذه الأيام الذكرى الرابعة والخمسين لحرب حزيران 1967 المشؤومة، والتي جاءت بنتائج مأساوية شكلت علامة فاصلة في تاريخ الأمة العربية، ولا زالت تعاني من آثارها السلبية حتى اليوم. لا أريد أن أكتب في هذا المقال عن مجرياتها ونتائجها لكونها معروفة للجميع، فقد أسهب كثيرون في كتابة مقالات وتحليلات عسكرية وسياسية حولها بلغات مختلفة. ولكنني أرغب اليوم أن أذكّر ببعض مفاصلها الهامّة، وأحاول في النهاية الإجابة باختصار على السؤال المطروح بأعلاه.
فرغم تحذيرات الملك حسين الثلاثة للرئيس جمال عبد الناصر، في احتمالية وقوع الهجوم الإسرائيلي على سلاح الجو المصري في 5 أو 6 حزيران 1967، كانت إجابات عبد الناصر دائما بأنهم مستعدون لها . . ولكن حدث ما تم التحذير منه في الساعة السابعة من صباح يوم 5 حزيران، حيث التقط الرادار الأردني في مرتفعات عجلون، إشارات تظهر نشاطا جويا كثيفا في سماء إسرائيل.
كان ما ظهر على شاشة الرادار، هو تحليق جميع طائرات سلاح الجو الإسرائيلي باتجاه مصر. حاول الفريق عبد المنعم رياض قائد الجبهة الشرقية من موقعه في عمان، نقل هذه المعلومة على الفور إلى القيادة العليا المصرية. ولكن القيادة المصرية لم تستلم الرسالة، ولم تنذر سلاح الجو المصري، ليستعد ويخلي المطارات أو يواجه الطائرات المهاجمة.
كان قائد سلاح الجو الإسرائيلي موردخاي هود والقيادة الإسرائيلية، قد قرروا الإقدام في ذلك اليوم على مغامرة بالغة الخطورة، وذلك بتوجيه سلاح الجو بأكمله، للهجوم على المطارات المصرية، بهدف تحطيم سلاح الجو المصري، وهو في حالة عدم استعداد، و عدم وقدرة على القيام بالدفاع أو الهجوم المضاد.
ووفقا لما ذكره الفريق أول محمد فوزي، وزير الدفاع الأسبق في زمن عبد الناصر، فإن الضابط المسؤول عن محطة اللاسلكي في الدفاع الجوي للإرسال والاستقبال في القيادة المصرية، كان قد غيّر موجة الاستقبال في الوقت الذي أرسلت فيه البرقية، من قبل الفريق عبد المنعم رياض ولم يتم استقبال الرسالة. وهذا ما سمح لسلاح الجو الإسرائيلي بتدمير الطائرات المصرية على الأرض، وهي التي كانت تشكل مركز الثقل، للقوات المصرية والأردنية والسورية. فحقق سلاح الجو الإسرائيلي السيادة الجوية على كافة ساحات العمليات، واضطرت التشكيلات الميدانية لتلك الدول، القتال دون غطاء أو دفاع جوي.
في مقابلة مع مجلة ” باري ماتش الأمريكية ” بعد انتهاء الحرب، قال موردخاي هود أنه اقترح الذهاب إلى القاهرة، للدفاع عن الفريق أول محمود صدقي قائد سلاح الجو المصري، الذي حُكم بالسجن 15 عاما، لأنه أعتُبر مسؤولا عن الخطأ الفادح، الذي تسبب بهزيمة 5 حزيران، وقال : ” لا أعرف الفريق أول صدقي . . كان ولا يزال عدوي . . ولكنه في الساعة الرابعة صباح 5 حزيران، قام صدقي بما يجب أن يقوم به تماما.
فقد بعث بدورية إلى الحدود الإسرائيلية مؤلفة من 12 طائرة مصرية، وبينما كان الفجر يبزغ في سيناء، وبين الرابعة والربع والخامسة صباحا، توالت 3 دوريات أخرى، تضم كل واحدة منها 12 طائرة ميج، كل نصف ساعة، فوق المتوسط وقناة السويس.
وفي الوقت الذي كانت به الطائرات الإسرائيلية متجهة لمهاجمة القواعد المصرية، كان المشير عبد الحكيم عامر والفريق أول محمود صدقي متجهان بطائرة إليوشن إلى سيناء لتفقد القوات المصرية هناك، لم يكن يعرف الفريق أول صدقي سلفا يوم وساعة هجومنا. فأجهزة الاستخبارات المصرية لم تزوده بأي عنصر مفيد عن خطط إسرائيل، ولم يكن مستشاره الجنرال السوفيتي قد توقع حدوث ذلك. ولكن الخطط العملية لهيئة أركان سلاح الجو المصري، التي عَثرَتْ عليها أجهزتنا بعد احتلال سيناء، كانت ممتازة من جميع النواحي، وكنا سندفع الثمن غاليا لو نفذها الفريق أول صدقي “.
على كل حال . . كانت النتيجة خسارة الحرب كما هو معروف للجميع، إذ تقررت هذه النهاية منذ اللحظة التي بدأت فيها صباح 5 حزيران، حيث تمكنت إسرائيل في نهاية تلك الحرب بعد ستة أيام، من احتلال أراضي دول عربية ثلاث، هي الضفة الغربية للأردن، والجولان السورية، وسيناء المصرية.
وعندما سُئل الفريق عبد المنعم بعد نهاية الحرب عن رأيه قال : ” إن السياسة العربية مسؤولة عن كل خطأ وقع في حرب 5 حزيران 1967. وإن هذه السياسة ارتكَبتْ بحق القوات العربية جرائم، أكثر مما ارتكبه الإسرائيليون خلال تلك الحرب المزعومة حربا “.
من الإجراءات التي كان يمكن اتخاذها، لتجنب وقوع المفاجأة للقوات الجوية المصرية، ما يلي :
1. بما أن وقت الهجوم كان متوقعا في 5 أو 6 حزيران، كما نبه له الملك حسين بعد مقابلته للسفير التركي في عمان، فكان يجب رفع درجة الإنذار، بين القوات المصرية والجيوش العربية إلى أعلى درجة، مع وجود أطقم طيارين جاهزين في طائراتهم، للإقلاع والاشتباك في بضع دقائق إذا حصل اختراق للمجال الجوي المصري.
2. كان من الخطأ أن يرافق القائد الأعلى للقوات المسلحة، قائد سلاح الطيران المصري في جولتهما التفتيشية على القوات، خلال الظرف الذي كان متوقعا به الهجوم الإسرائيلي.
3. لا نعرف من هي الجهة التي كانت مخولة بالتصرف خلال الظروف الحرجة في غياب القائد العام وقائد سلاح الجو المصري.
4. يجب أن يكون هناك أكثر من وسيلة اتصال مباشر، بين القيادة الشرقية لعبد المنعم رياض وغرفة عمليات القيادة العليا المصرية، إضافة لمكتب القائد العام، مكتب وزير الدفاع، ومكتب رئيس هيئة الأركان.
5. يجب أن يجري التأكد من تغيير شيفرة اللاسلكي تحت إشراف ضابط كبير، مع وجود أكثر من جهاز اتصال رديف، لإدامة الاتصال بين الطرفين بشكل مستمر، في تلك الأوقات المتوترة عسكريا وسياسيا.
6. من الضروري وجود مراقبات برية وبحرية متقدمة، تعمل بالرؤيا المجردة والمنظار، تجنبا للتشويش الإلكتروني، على أن تزود باتصالات مباشرة مع القيادة العليا المصرية.
7. إبقاء دوريات جوية محلّقة في الأجواء المصرية بصورة مستمرة، ابتداء من الضوء الأول وحتى الضوء الأخير لتجنب المفاجأة.
8. استخدام رموز متفق عليها سلفا للأمور الهامة، تمرر لاسلكيا لاختصار الوقت، دون حاجة للعودة إلى الشيفرة التي يحتاج حلها لبعض الوقت.
* * *
وللجواب على السؤال الذي يتوج هذا المقال كان لابد من القيام بعملين متكاملين هما :
1. لو أن القيادة المصرية استلمت برقية الإنذار، التي حاول الفريق رياض إرسالها إلى القيادة العليا المصرية، أو أنها استلمت الرمز المتفق عليه بين الطرفين، قبل ساعة من بدء الهجوم الجوي الإسرائيلي، أعتقد أنها لن تحصل تلك المفاجأة الإستراتيجية ولن يدمر سلاح الجو المصري كاملا، ومعه طيران معظم الدول العربية.
2. لو استغلت الدول العربية خلو الأجواء الإسرائيلية من سلاحها الجوي في تلك اللحظات من صباح 5 حزيران، وقامت بهجوم مضاد في العمق الإسرائيلي ودمرت مدارج الطائرات وأبراجها، لما تمكنت الطائرات الإسرائيلية من الهبوط والتزود بالذخائر والوقود، وتكرار الهجمات على الجيوش العربية.
وبناء على سياق تلك الأحداث، يظهر بان سبب هزيمتنا المنكرة في حزيران، التي مازالت تلقي بظلالها على أمتنا العربية، كان خطأ بسيطا ارتكبه عامل اللاسلكي بقصد أو بغير قصد، وذلك بتغييره شيفرة اللاسلكي في وقت غير مناسب. فلو استُلمت برقية رادار عجلون في وقتها وجرى التفاعل معها بصورة مناسبة، فكان يمكن أن تجنبنا الوقوع في هزيمة حزيران، وما تلاها من مصائب لاحقة . . !
التاريخ : 4 / 6 / 2021