طبيب مصري يتوصل للجين المتحكم بـ “القاتل الأول للبشر”
صحيفة المنتصف
نجح طبيب مصري عمره 28 عاماً يدعى “أنيس حنا” مع فريق علمي في كلية ألبرت أينشتين في نيويورك، في التوصل للجينات المتحكمة في شفاء جلطة القلب، القاتل الأول للبشر في العالم.
الإنجاز الذي ساهم في تحقيقه العالم المصري الشاب المولود في أسيوط جنوبي مصر، احتفت به كبرى الدوريات العلمية المتخصصة بالولايات المتحدة، وكذلك حصل على إشادة من منظمة القلب الأميركية، أكبر منظمة في هذا التخصص عالميا، وقاده للحصول على تمويل مالي ضخم لاستكمال أبحاثه حتى استكمال العلاج المنشود.
وعن هذا الإنجاز العلمي تحدث حنا لموقع “سكاي نيوز عربية”، قائلا: “طالما سمعت تعبيرا مخيفا يصاحب كثيرا من حالات الوفاة في قريتنا في أسيوط وهو الجلطة أو النوبة القلبية، والحقيقة أن جلطة القلب لها تأثير معنوي ومادي شديد على مجتمعات القرى في مصر لأن الكثير منها تبعد ساعات عن أقرب مستشفى مزود بتجهيزات متقدمة للتدخل الفوري، وغالبا يصل المرضى للمستشفى بعد فوات الأوان”.
القاتل الأول
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن أمراض القلب تظل القاتل الأول في العالم، وقد تسببت في وفاة 18 مليون شخض عام 2019 بنسبة 32 بالمئة من كل أسباب الوفاة، و85 بالمئة من الوفيات بسبب أمراض القلب كانت نتيجة الجلطات.
ويقول الباحث المصري الذي تخرج في كلية طب الإسكندرية عام 2017، إن الخطر الأكبر يتمثل في أن الدراسات العلميه تتنبأ بأن أمراض القلب ستكون “الوباء القادم”، ورغم أن أمراض القلب أكثر شيوعا في الدول المتقدمة بسبب نمط الحياة فإن النسبة الأكبر من الوفيات بسبب أمراض القلب (حوالى الثلثين) تحدث في الدول النامية، لأن كثيرا من مرضى الجلطة يصعب إنقاذهم بسبب ضعف الإمكانيات في هذه الدول.
وأوضح حنا أن “المثبت علميا أن جلطة القلب تحدث عندما ينغلق أحد الشرايين المغذية للقلب، مما ينتج عنه تلف دائم في جزء من عضلة القلب في خلال 20 إلى 30 دقيقة، فخلايا القلب حساسة جدا لنقص الأكسجين، وأثناء الجلطة يتفاعل الجسم بالتهابات شديدة في القلب في محاولة لتصليح التلف نتيجة لرد الفعل هذا، ثم يتخلص الجسم من الجزء التالف بالقلب ويستبدله بنسيج ليفي فيما يسمى تليف القلب (cardiac fibrosis) في خلال أيام من الجلطة”.
وأشار إلى أن “هذا النسيج الليفي وفقا للدراسات العلمية يحافظ على التماسك الهيكلي ويمنع ضعف جدار القلب أو انفجاره، لكنه مجرد ترقيع للجزء التالف ولا يؤدي دور عضلة القلب، وللأسف في كثير من المرضى يحدث رد فعل عنيف من الجسم مما يزيد الالتهابات والنسيج الليفي ويسبب مضاعفات خطيرة حتى في الجزء السليم من القلب، وفي النهاية يؤدي لضعف عام وفشل عضلة القلب”.
وأكد الطبيب والباحث المصري أن المحور الأساسي لأبحاثه كان “اكتشاف الجينات المسؤولة عن شفاء نسيج القلب المتضرر من الجلطة”، وأضاف: “على مدار 4 سنوات من الأبحاث اكتشفت مع مجموعة بحثية في كلية ألبرت أينشتين للطب في نيويورك أهم الجينات المتحكمة في التهابات وتليف عضلة القلب نتيجة الجلطة”.
وأوضح حنا: “من أهم الجينات التي اكتشفناها ما يسمى Smad3، وهو جين مهم جدا في تفاعلات السيتوكين cytokine signaling، وتم إثبات ذلك في دراسة نشرناها في دورية سيركيولاشن ريسيرش (أبحاث الدروة الدموية)”، وهي من أهم الدوريات في مجال أبحاث القلب عالميا.
وتابع: “أدخلنا تعديلا على هذا الجين في الخلايا المسببة لالتهاب القلب cardiac macrophages) ي حيوانات التجارب، ثم أخضعناها لجلطة قلبية كما يحدث في البشر، واكتشفنا أن هذا الجين مسؤول عن تنشيط هذه الخلايا لإزالة بقايا الجزء التالف من القلب”.
واستطرد حنا: “بعد انتهاء عمل هذه الخلايا يسبب هذا الجين تحور خلايا الالتهاب إلى خلايا مفيدة في تثبيط الالتهاب والمساهمة في شفاء عضلة القلب، بالإضافة إلى حماية الجزء العضلي المجاور للجلطة من التلف”.
وأوضح أن “رأينا تأثير هذا التعديل الجيني على وظائف القلب، وبالفعل ساهم في نجاة فئران التجارب بعد الجلطة، فقد وجدنا أن هذا الجين مسؤول عن تحسن بارز في وظائف القلب وتقليص نسبة الوفيات الناتجة عن الجلطة لأقل من النصف”.
وشدد العالم الشاب على أنه “لتطوير علاج جيني لجلطة القلب يلزمنا فهم التطور المرضي للجلطة بشكل دقيق، لذلك أحد أهم اهتماماتي هو دراسة بيولوجيا الجلطة من خلال دراسة تغير أنسجة وخلايا القلب، وكيف يؤثر ذلك علي وظائفه”.
وتابع: “أكدنا ذلك في دراسة نشرناها في الدورية الأمريكية لفسيولوجيا القلب AJP-heart عن الأسباب التي تؤدي لانفجار القلب، وهو حدث مأساوي يتسبب في وفاة مرضى الجلطة سريعا قبل الوصول للمستشفى”.
وقال حنا: “وجدنا أن زياده الالتهاب في موضع الجلطة وضعف النسيج الليفي يؤدي إلى ضعف وانفجار أو ثقب في جدار القلب، ومؤخرا في دراسة نشرناها في دورية بيولوجيا النسيج الخلوي Matrix Biology اكتشفنا الإنزيم الذي تفرزة خلايا الالتهاب الضامة macrophage لتكسير الكولاجين والسماح لها بالانتشار في النسيج التالف تمهيدا للتخلص منه، كذلك اكتشفنا لأول مره سبب استمرار تدهور وظائف القلب حتي بعد مرور أشهر علي حدوثها وذلك بسبب وهن الكولاجين في النسيج الليفي مع مرور الزمن”.
وأكد أنه “نتيجة هذه الاكتشافات أشادت منظمة القلب الأميركية American Heart Association، وهي أعلى جهة مختصة بأبحاث و علاج أمراض القلب في الولايات المتحدة، بأبحاثي وقدمت تمويلا قيمتة 147 ألف دولار لمدة سنتين دعما لها. أعتقد أني أول مصري يحصل علي هذا التمويل، وحديثا حصلت مجموعتنا على دعم لمشروعي البحثي من معاهد الصحة الأميركية National Institutes of Health (NIH) بقيمة مليوني دولار على مدار 4 أعوام”.
وقال الباحث المصري: “نستخدم في أبحاثنا مجموعة من أحدث التقنيات، الكثير منها متاح لكن في أماكن معدودة في العالم وبعضها صمم خصيصا لأبحاثنا، من هذه التقنيات المعقدة إجراء جراحات قلب مفتوح ميكروسكوبية على فئران التجارب لأحداث جلطة في القلب وهي تقنية دقيقة جدا تتعامل مع أوعيه دموية بأحجام ميكرومترية في القلب، وتقنية أخرى صممتها بنفسي ونشرت في دورية Matrix Biology وهي تكوين نسيج مشابة لنسيج الجلطة في المعمل لدراسة سلوك الخلايا واستجابتها للعلاج الجيني، وهذه التقنيات وغيرها تنتج كميات هائلة من البيانات، لذلك نستخدم أنظمة ذكاء اصطناعي خاصة بمجموعتنا البحثية قادرة علي تحليل المعلومات في خلال ساعات”.
وأكد الطبيب المصري أن اكتشافه مع فريقه للجينات المتحكمة في شفاء جلطة القلب يمهد الطريق للعلاج الجيني لهذا الخلل لدى البشر، ويلزم هذا خطوات أخرى قبل أن يكون العلاج متاحا، منها التجارب السريرية علي المرضى، وفي حال أثبتت فعالية وسلامة العلاج الجيني سيتم اعتماده، و”أتوقع مرور 3 إلى 5 سنوات قبل أن تنتهي هذه الدراسات والتجارب ويكون العلاج متاحا”.
وبالنسبة لسعر العلاج وتوفره، قال حنا إن “البحث العلمي مكلف جدا للحكومات وشركات الأدوية، فمثلا مجموعتنا البحثية تحصل سنويا على ما يقارب 3 ملايين دولار من وزارة الدفاع ومعاهد الصحة الأميركية، وشركات الأدوية أيضا تنفق الملايين على الأبحاث و تتوقع أرباحا من أي علاج جديد، لذلك أعتقد أن العلاج سيكون في البداية مرتفع التكلفة، لكن هذا لا ينفي أن هناك مبادرات شخصية وحكومية لتوفير هذه الأدوية بأسعار معقولة، كمثال على ذلك تعامل الحكومة المصرية مع الأدوية الجديدة لفيروس سي”.
وتابع: “في الحقيقة هناك ما يمكن أن يجعل هذا العلاج مجانا لشعوبنا، وهو أن تتم هذه الأابحاث أو جزء منها في بلداننا. أتمنى أن أنقل خبرتي البحثية والتقنيات الفائقة التي اكتسبتها إلى مصر وأحلم بإنشاء مجموعة بحثية في المكان الذي درست فيه، كلية الطب بجامعة الأسكندرية. هذا الحلم ليس بعيدا ففي الواقع لدينا مثال جيد لنواة لأبحاث القلب في مصر وهي مؤسسة مجدي يعقوب في أسوان”.
وأضاف حنا: “من جانب آخر، هذا يوضح أهمية البحث العلمي لتقدم الدول، فبراءات الاختراع والأدوية الجديدة تحقق أرباحا هائلة لشركات الدواء الأميركية ومن ثم تنعش الاقتصاد الأميركي، علاوة على ذلك فإن البحث العلمي يثبت الدور القيادي لهذة الدول، فعلى سبيل المثال يمكن أن ننظر لما حدث في اكتشاف وإنتاج لقاحات كورونا وكيف أعطي ذلك تفوقا لقلة من الدول المتقدمة في البحث العلمي”.
وعن مساره العلمي ختم الطبيب المصري بقوله: “أحضر حاليا زمالة أبحاث ما بعد الدكتوراة بكلية طب ألبرت أينشتين في نيويورك، وهذه الزمالة خطوة أساسية في مسيرتي لتكوين مجموعتي البحثية الخاصة بعد ذلك”.