فراشة الرقص الاستعراضي الفنانة المتألقة “فريال الخازن “خشيبون “
فراشة الرقص الاستعراضي الفنانة المتألقة “فريال الخازن – خشيبون ”
صحيفة المنتصف
بقلم : الاعلامي عمري حسنين
كأنها تغزل شعراً وتنير وترا تتراقص على انغامه، تدك الأرض بحنية كأنها صنعت لها خصيصا من بلور؛ وتلامس السماء بأناملها لتتوهج ويسطع النور.. فتفرح وترقص أكثر وأكثر لتسافر بنا عبر العصور..
الفنانة “فريال شكري الخازن- خشيبون ” ولدت في مدينة حيفا عام 1954 لعائلة احتضنتها بدفء واهتمت بمواهبها العديدة، حيث كان لديها شغف كبير بمجالات الفن؛ الرقص، الرسم، النحت، التمثيل، والمسرح.. كل هذا الشغف نمى وترعرع أيضا في أحضان مدرسة الكرمليت التي اجادت فريال من خلالها خمس لغات؛ العربية، العبرية، الانجليزية، الفرنسية، والإيطالية، وعندما وصلت الى الصف التاسع انتقلت الى الكلية الارثوذكسية التي كان يديرها والدها الأستاذ الفاضل “شكري الخازن”، ومن هناك كانت أولى خطواتها نحو توظيف مواهبها في مكانها الصحيح؛ حيث جاءت فكرة إقامة مسرحا للكلية من قبل الفنان الكبير “أديب جهشان” فأخرج ثلاث مسرحيات شاركت فيهم الفنانة فريال مع زملائها من طلاب المدرسة، تميزت وتألقت في أدائها على خشبة المسرح؛ فطلب منها جهشان ان تنضم معه الى المسرح الناهض وهي في الرابعة عشرة من عمرها وكان من اوائل المسارح العربية في البلاد، وهناك عملت مع العديد من محبي وعاشقي المسرح الذين اصبحوا فيما بعد من أشهر الفنانين في البلاد، وشاركت في مسرحيات من الأدب المحلي والعالمي، بالإضافة الى انضمامها لدورات تدريبية في التمثيل وتصميم الديكور والملابس المسرحية والإخراج على أيدي معلمين مهنيين مما أضاف لها خبرة واسعة في هذه المجالات.
التحقت بمقاعد الجامعة لتضيء مشوارها الفني بالمزيد من العلم والمعرفة فيما تحب وتهوى، حيث تخصصت في موضوع الفنون التشكيلية واللغة الإنجليزية وحصلت على شهادة مُعلمة مؤهَلة في الفنون، لتدخل القفص الذهبي فور تخرجها بزواجها من الأستاذ “حبيب خشيبون” رفيقها على خشبة المسرح الناهض في حيفا، وأنجبت ثلاثة ابناء: سلمى، ميساء وحسام، لتنطلق بعدها نحو رسم تفاصيل مضيئة في مسيرتها العملية، حيث سجلت بصمة واضحة وحضورا مميزا على الشاشة عام1991- 1996 كمقدمة لبرنامجيّ مواهب الأطفال (نجوم الغد) و (دروب الفن)، وفي الإذاعة قدمت برامج متنوعة ومميزة حازت على اعجاب المتابعين لإذاعتي (راديو الفن) و(راديو 2000)، بالإضافة الى عملها في تصميم وتدريب الفن الاستعراضي والدبكة في عدة مؤسسات ثقافية وتربوية منها دار المعلمين وبيت الكرمة وعدة مدارس في حيفا، وعدد من المراكز الجماهيرية في مدن وقرى مختلفة من انحاء البلاد.
عملت أيضا الفنانة “فريال خشيبون” في مدرسة الكرمل على مدار 14 عام كمُدرّسة شاملة لطلاب الابتدائية، الى جانب تعليم الرقص في ثلاث مدارس: الكرميليت والكلية الأرثوذكسية والكرمل لكونها المعلمة الوحيدة المتمكنة في هذا المجال.
عندما اقيم مهرجان الرقص في طمرة قررت ان تشارك بثلاث رقصات لثلاث فرق؛ قدمت عرضا ناجحا ومميزا وحازت على الجائزة الأولى في حينها ومكافأة مالية بقيمة 5000 ليرة، اشترت بها ملابس للدبكة للفرقة التي كونتها، حيث اختارت أفضل الراقصين والراقصات من الفرق الثلاثة لتُكوِن فرقتها التي أطلقت عليها اسم “سلمى” تيمنا بابنتها البكر التي كانت حينها في ربيعها الخامس.
توسعت حلقة التدريبات الى خارج اسوار المدرسة، حيث تنقلت الفرقة من مكان الى آخر لعدم توافر مقر لها، واستمرت الفرقة على هذا الحال لمدة 32 عاما! وهي تتدرب في البداية في منازل أعضاء الفرقة والساحات ثم المراكز والمدارس.. وقدمت عروضا باهرة كان أبرزها “ألوان الرقص” عام 1981، “بقاء” – 1989، “حوض نعنع” – 1996، ومسرحية الأطفال “النجار والحكيم” عام 2000، “على بالي” – 2003، “عِش انت” -2005، “هذه ليلتي” – 2007، “صرخة ماريا”، “الدنيا غنوة” – 2013، “سهرة حب” – 2019 إلى جانب حفلات التخريح للعديدة في المدارس.
جميع العروض التي قدمتها الفنانة “فريال الخازن-خشيبون” وفرقتها مميزة لاقت نجاحا وصدى كبير على المستوى المحلي والعربي حيث شاركت في مهرجانات عديدة خارج البلاد: “جرش: في الاردن، “المدينة” في تونس، اسبوع التراث الفلسطيني في تركيا وإربد، ” “ديجون” في فرنسا.. وغيرها الكثير، لكن هذه المسيرة الفنية المحفوفة بالإبداع والتميز لم تسلم من تلك النظرة الضيقة التي ينتهجها البعض في استيعاب هذا النوع من الفنون، باستخدام أساليب وطرق في التعبير عن تقبلهم او رفضهم لفن الرقص بشكل عام ومزاولته من قبل المرأة العربية، فبعضهم كان ينعتها في بداية طريقها (بالرقاصة)! والبعض الاخر كان يتعمد توجيه الانتقاد اللاذع لها بشكل مباشر، الى جانب تَعثُر فرص كثيرة امام فرقة سلمى للمشاركة في المحافل الدولية حالها حال أبناء الوسط الفني في البلاد ككل، بالإضافة الى غياب الجهات الحاضنة التي تسعى الى دعم وتنمية وتطوير فن الرقص الاستعراضي في المجتمع العربي، وهذا ما جعل فرقة سلمى تستمر في تقديم وتعليم فنون الرقص الاستعراضي على مدار 30 عاما دون ان تتلقى أي دعم محلى او خارجي، وكانت الفنانة فريال تدرب فرقتها على مدار كل هذه السنوات الطويلة دون ان تتقاضى أي مقابل مادي ودون ان يدفع طلابها اي اشتراك، حيث ارتكزت الفرقة على مدخولها من اعمالها الفنية بالإضافة لقروض مادية لفترات طويلة من الزمن، كل هذه الصعوبات لم تمنع الفنانة الفلسطينية المتألقة فريال خشيبون من ان تكون هي اول امرأة عربية فلسطينية تُدخل ثقافة الرقص بجميع انواعه للمجتمع الفلسطيني، في محاولة لتحدي كل المعطيات السلبية والارتقاء بالمجتمع نحو فرض الاحترام لمفهوم الرقص وترميم ثقافة المجتمع حول هذا النوع من الفنون.
فرقة سلمى للفنون الاستعراضية تأسست عام 1979، وسُجلت كجمعية عام 1989، وفي عام 2002 افتتحت الفنانة فريال خشيبون معهد سلمى للفنون الاستعراضية في قرية كفر كنا وهو اول معهد عربي في البلاد يختص في تعليم فنون الرقص المتنوعة الشرقي منها والغربي، ولكن بعد مُضي ثلاث أعوام أُغلقت ابوابه بسبب ضائقة مادية وغياب الدعم المادي الكافي الموعود به للاستمرار في نشاطاته الفنية، ليعود من جديد ويشرع ابوابه عام 2010 في مدينة حيفا بصفته بيت فني للجميع، وجاء الافتتاح بدعم من دائرة الثقافة العربية بإدارة الرائعة لبنى عبيد زعبي، واليوم يمارس المعهد نشاطاته وينضم الى صفوفه حوالي 300 طالب وطالبة، ويسعى المعهد الى اثراء الساحة الفنية والتراثية العربية بأعمال رائعة ولوحات استعراضية لفرقة “سلمى” بهدف تطوير فن الرقص الاستعراضي ومواكبة الفن الحديث ودمجه مع القديم والمحافظة على تراثنا العربي الأصيل.
حصدت الفنانة “فريال الخازن – خيشبون” هذا العام على جائزة “مشروع حياة” من وزارة الثقافة عن جدارة واستحقاق، واليوم وبعد سردي لمجمل هذه المسيرة الحافلة بالإبداع والتألق، أرى فيها تلك الفراشة الرقيقة التي تركت أثرا جميلا يدوم للأبد من خلال صناعتها للإبداع واندفاعها بخطى ثابتة نحو ترميم مفهوم الرقص في المجتمع العربي، حيث جعلت منه رسالة وهدفا اجتماعيا وليس إغراء وتجاوز للعادات والتقاليد، ليكون بالنسبة لها صلاة ومحراب وفن يسري في عروقها تحلق به الى عنان السماء.