وصل الرئيس اليساري السابق للبرازيل لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، مجددا إلى سدة الحكم في الدولة اللاتينية متغلبا على منافسه جايير بولسونارو اليميني المتطرف، في خضم انتخابات جرت الأحد وكانت الأكثر استقطابا وتوترا في تاريخ البلاد.
وأظهرت النتائج حصول لولا دا سيلفا على نحو 50.86% من الأصوات مقابل نحو 49.14% لبولسونارو.
وسينصب دا سيلفا ذو السابعة والسبعين عاما، الرئيس التاسع والثلاثين للبرازيل في 1 يناير/ كانون الثاني المقبل، بعد أن شغل هذا المنصب خلال ولايتين متتاليتين من يناير 2003 إلى ديسمبر/كانون الأول 2010، وكان آنذاك أول رئيس للبرازيل من الطبقة العاملة.
وبعودة دا سيلفا إلى الحكم يكون قد تغلب أيضا على أي رواسب تتعلق باتهامه بالفساد ودخوله السجن بين العامين 2018 و2019، قبل أن تقوم المحكمة العليا بإبطال القضية وإلغاء إدانته والإفراج عنه.
أبرز السياسيين في البرازيل
ويعد دا سيلفا أحد أبرز السياسيين في البرازيل منذ نحو 4 عقود.
وعرف بأنه الشخص الذي تمكن من انتشال ملايين البرازيليين من براثن الفقر عندما حكم البلاد بين 2003 و2010.
وأصبح السياسي اليساري نصير العمال والفقراء، كما أنه اشتهر خلال حملته الانتخابية الأخيرة بكونه المرشح المفضل في صفوف النساء والمسيحيين الكاثوليك.
وكان دا سيلفا مرشحًا خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2018، لكن أدت إدانته بالفساد وغسيل الأموال إلى تقليص تطلعاته السياسية، قبل تبرئته في 2019.
ومنذ إعلان ترشحه في الانتخابات الأخيرة والتي أسفرت عن فوزه، تعهد الزعيم اليساري بجعل بلاده “دولة سعيدة موحدة بلا انقسامات”، مشددا على ضرورة إرساء “السلام والوحدة”.
وأقر خلال خطاب إعلان الفوز بأنه جاء ليحكم ويخدم جميع شعب البرازيل وليس فقط أنصاره ومن اختاروه في السباق الرئاسي.
وركز في الوقت ذاته على أهمية إعادة البرازيل إلى الساحة الدولية، وقال إنه سيسعى من أجل التوصل لتجارة عالمية عادلة بدلا من الاتفاقات التجارية التي تتعامل مع البرازيل على أنها مجرد مصدر للمواد الخام.
نشأته وحياته
ولد دا سيلفا في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 1945 في ولاية بيرنامبوكو شمال شرق البرازيل، في أسرة فقيرة كان ترتيبه السابع بين ثمانية أطفال.
وخلال طفولته المبكرة، انتقل والداه إلى ساو باولو العاصمة المالية للبرازيل، حيث عمل دا سيلفا في تلميع الأحذية وبائعا متجولا، ولم يكمل الطفل دراسته أبدا.
عمل دا سيلفا أيضا كعامل معادن واكتسب لاحقًا شهرة بين العمال وتولى الزعامة، حيث اشتهر بتنظيم إضرابات واسعة النطاق ضد الديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل من 1964 إلى 1985.
ثم دخل دا سيلفا عالم السياسة، وأسس حزب العمال اليساري في عام 1980.
ومع استمرار صعوده السياسي، تنافس دا سيلفا في ثلاثة سباقات رئاسية قبل أن يحقق النجاح في أكتوبر 2002، ويصبح أول رئيس للبرازيل من الطبقة العاملة.
حقبة المد الوردي
وخلال الفترة التي قضاها في منصبه رئيسا للبرازيل، اكتسب دا سيلفا إشادة دولية بفضل سياسته الخارجية وإقامته علاقات وثيقة مع قادة اليسار الإقليميين الآخرين خلال حقبة “المد الوردي”، وهي الفترة التي تحولت فيها العديد من دول أمريكا اللاتينية إلى اليسار.
وساعدت سياسات دا سيلفا المحلية، بينها برنامج الرعاية الاجتماعية على خفض مستويات الفقر المدقع وزيادة الفرص الاقتصادية.
ومنحت الأسر البرازيلية ذات الدخل المنخفض من خلال هذا البرنامج، راتبا شهريا بشرط أن يذهب أطفالهم إلى المدرسة والالتزام بالفحوصات الطبية.
وخلال فترة ولاية دا سيلفا بين 2003 و 2010، كانت مستويات البطالة والأمية في البرازيل منخفضة وساعدت سياساته في انتشال 20 مليون مواطن من براثن الفقر.
وفي هذا الوقت من النمو الاقتصادي القوي، تعززت عملة البرازيل “الريال البرازيلي” مقابل الدولار الأمريكي، كما فرضت إدارته حملة صارمة على إزالة الغابات في منطقة الأمازون.
ومع ذلك، أدان دعاة حماية البيئة دا سيلفا بشدة بعد تشريد 40 ألف شخص لبناء سد بيلو مونتي لتوليد الطاقة الكهرومائية في ولاية بارا الشمالية.
وتسببت عمليات البناء في جفاف مساحات شاسعة من نهر شينغو المحلي، مما أثر على المجتمعات الأصلية والمحلية الأخرى التي اعتمدت عليها في الغذاء.
وفي عام 2010، ترك دا سيلفا منصبه في أعقاب فضيحة الفساد، التي أبطلت فيما بعد وأثبتت براءته.
تحديات جديدة
من أبرز التحديات التي ستواجه دا سيلفا خلال فترة ولايته الجديدة، أنه سيتعين عليه التعامل مع برلمان ذي أكثر يمينية، يشهد تمثيلا قويا للحزب الليبرالي بزعامة غريمه اليميني بولسونارو.
ومن المنتظر أن تبدأ ولاية دا سيلفا بقيود شديدة على الميزانية ومعارضة برلمانية قوية، بيد أن دا سيلفا يصر على احترام الديمقراطية والتعامل مع كافة الأحزاب السياسية.
المصدر : الأناضول + المنتصف