جهاد المومني : كيف فهمنا خطاب العرش؟
جاء في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة:
«أن التحديث الشامل بمساراته السياسية والاقتصادية والادارية يشكل بكل جوانبه مشروعا وطنيا كبيرا يجب ان تدور حوله كل الاهداف الوطنية وتسخر من اجله الجهود والموارد لتحقيقه»، فالتحديث اذن شامل لثلاثة مسارات لا انفصام بينها، السياسي – وجاء في المقدمة–جنبا الى جنب مع المسارين الاقتصادي والاداري وتشكل مجتمعة مشروعا وطنيا كبيرا يحتاج الى كل الجهود والموارد لتحقيقه، ويُفهم من حديث الملك ان شعلة مشروع التحديث التي انطلقت قبل أكثر من سنة بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وما انبثق عنها من تشريعات اصلاحية ?ملت الدستور وقوانين الانتخاب والاحزاب وقانون الهيئة المستقلة للانتخاب، ما زالت متوهجة ولم تخب كما يشيع البعض، وان العمل من اجل الوصول الى اهداف عملية التحديث التشريعي متواصل ولم ينقطع وان ما نشهده من حراك حزبي ناشط يجب ان يكون عنوان تفاؤل بالمستقبل لا محل تشكيك يعشعش في اذهان البعض ممن يفكرون بعقلية عدمية ويعملون بادوات الطابور الخامس لدفع الاردنيين الى حالة من اليأس والتشاؤم وعدم الثقة بالاستناد الى تجارب ومحاولات اصلاحية سابقة تعرضت لشتى اشكال الاحباط من جهات واشخاص عملوا عامدين لاشاعة الدسائس والاكاذيب ?فاعا عن مصالحهم الشخصية او التنظيمية فأفشلوا الاجماع الوطني وأجبروا المؤسسة الرسمية على التراجع في بعض الحالات درءا للانقسام والتشظي بين مختلف المطالب والافكار وحفاظا على وحدتنا الوطنية، ففي خطابه وصفهم جلالة الملك بالمتشائمين المشككين «هذا الوطن لم يبنه المتشائمون المشككون وانما تقدم وتطور بجهود المؤمنين من ابنائه وبناته».
والآن بالرغم من وضوح الرؤية الاصلاحية تشريعيا كأهم ضمانة للاحزاب كي تعمل بحرية، وللمواطنين كي يمارسوا الانشطة السياسية بلا قلق او خوف، فان طابور المشككين يواصل تنفيذ مخطط العودة بالبلد الى الوراء والطعن بسلامة المسيرة وصدقية الدولة في توجهها نحو مرحلة متقدمة على طريق الديمقراطية والحياة السياسية السليمة بعيدا عن هذا التشويه.
لقد ورد في قانون الانتخاب ولأول مرة في تاريخ التشريعات الناظمة للعمل الحزبي التوصيف الاكثر وضوحا وجرأة للحزب، فالهدف ليس قيام الحزب وانما سبب وجوده فالحزب،كما ورد في قانون الاحزاب الجديد، هو » الحزب تنظيم سياسي وطني يتألف من اردنيين تجمعهم قيم المواطنة واهداف وبرامج ورؤى مشتركة» اذن لم تعد صفة الحزب مجهولة كما كان الحال في القوانين السابقة فهو تنظيم سياسي، اما هدفه كما تفيد المادة (3) من القانون «يهدف الى المشاركة في الحياة السياسية والعمل العام بطريقة سلمية ديمقراطية لغايات مشروعة ومن خلال خوض الانتخابات ?انواعها بما فيها الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومات او المشاركة فيها وفقا للمادة (35) من الدستور.
ولعل من المهم هنا التذكير بأن قوانين الاحزاب التي وضعت وتعدلت وتغيرت منذ العام 1993 والى اليوم عدة مرات لم تقدم اي تعريف واضح وصريح للحزب ولم تتطرق الى اهدافه وغايات وجوده وفي مقدمة هذه الغايات تشكيل الحكومات البرلمانية او المشاركة فيها، الا ان هذا القانون الجديد لسنة 2022 ازال هذا اللبس وفتح الطريق واسعة وواضحة المعالم امام الاحزاب وامام المواطنين للانخراط في الحياة السياسية، فالعمل السلمي المشروع هو الاساس والهدف الكبير هو المشاركة في وضع السياسات وصناعة القرار، وهذه هي اسس العمل الديمقراطي في كل دول الع?لم التي تمثل نماذج ديمقراطية كاملة.
في خطاب العرش يورد جلالة الملك توضيحا لهذه الاهداف فبعد التأكيد على ان التحديث الشامل يجمع المسارات الثلاثة السياسي والاقتصادي والاداري، يعيد جلالته التذكير بما تضمنته الاوراق النقاشية على ان «التحديث السياسي هدفه مشاركة شعبية اوسع في صنع السياسات والقرارات من خلال احزاب برامجية» وهنا ايضا وصف صريح للاحزاب المطلوبة شعبيا والتي تملك فرص تمثيل الناس، اذ يجب ان تكون برامجية وان تعمل لتكون حواضن وطنية منها تتخرج نخب من الاردنيين تحمل المسؤولية وتمضي في مشروع البناء الوطني جيلا بعد جيل.
يقول جلالة الملك في معرض تناوله لاهداف عملية التحديث الشامل بجميع مساراتها «نريد لهذا التحديث ان يخدم اهداف التنمية ويعمل من اجل تمكين الشباب والمرأة ويسهم في ايجاد قيادات جديدة تبعث الحيوية في مؤسسات الدولة ويكون لها الحضور الفاعل في مجلس النواب وفي حكومات المستقبل».
ان الهيئة المستقلة للانتخاب تتلقى خطاب جلالة الملك وتفهمه على انه توجيهات واضحة لكل الجهات المعنية بالتحديث الشامل، السلطتان التشريعية والتنفيذية اولا، اللتان تلقتا توجيها استراتيجيا باهمية وضرورة التعاون «في اطار الفصل المرن الذي كفله الدستور لتحقيق الاهداف المنشودة وتقييم سير العمل في مشروع التحديث الشامل»، ونحن في الهيئة المستقلة للانتخاب نفهم التوجيه الملكي بضرورة تكريس الجهود لرسم ملامح الطريق واضحة امام الاحزاب وامام المواطنين في اطار من المعرفة التشريعية والوعي الكامل بشكل واهداف الاحزاب وكيفية قيام?ا تحت مظلة الدستور والقوانين الناظمة لعملها، وندرك ان الهيئة المستقلة للانتخاب تتولى أكثر الملفين اهمية في هذه المرحلة (الانتخاب والاحزاب) وكل منهما يشكل الاداة الوحيدة والوسيلة المشروعة للوصول الى الحكومات البرلمانية تطبيقا للقانون وتنفيذا للرؤى الملكية باردن يمضي نحو المستقبل بكل ثقة وعزيمة بجهود ابنائه وبناته المؤمنين به، فالاوطان لا تبنى بالمخاوف والشكوك والمستقبل لا مكان فيه للمحبطين واليائسين.