مدير الإذاعة الأردنية الأسبق مازن المجالي يكتب في عيد الإذاعة
الحديث عن الإذاعة الأردنية حديث متشعب ومشوق وذو شجون.
صحيفة المنتصف
ففي أروقة الإذاعة وقبل أربعين عاما ونيف، بدأت حياتي العملية في الإذاعة الأردنية وعرفت الكثير من الاذاعيين، بعضهم من دربني وأخذ بصوتي، ومنهم من تركني خلف الميكرفون، وحين هم بإغلاق باب الاستوديو قال لي انت لست وحدك وإنما معك الملايين، فظل الارتباك يلازمني لمدة طويلة مع أنني لم أقل حينها أكثر من كلمتي (هنا عمان).
كان صوت الإذاعة يبدأ في الصباح مع صباح كل مواطن، وتعيش معه في العمل، وحين يطيب السهر تكون معه تسامره وتزوده بالمعلومات والثقافة، وحين يكون الوطن في محنة تعترضه نجد الإذاعة وقد انبرت لتكون صوت كل أردني.
كانت الإذاعة مدرسة تتلمذ فيها جيل تلو جيل، وشكلت وعيا سياسيا وثقافيا لكل الذين فتحوا أعينهم وآذانهم على الواقع آنذاك.
لقد أدار الإذاعة رجال وشخصيات كان منهم رؤساء وزارات يحترمون الوعي وقيمة الفن، أمثال عبدالمنعم الرفاعي وو صفي التل وعبدالحميد شرف ممن كانوا حريصين على أن يتوافر للإذاعة السبق والتميز.
ما زلنا نتذكر مجالس وصفي التل وحابس المجالي وصلاح ابو زيد وغيرهم، حين كانوا يلتقون في الإذاعة ويشتركون في كتابة التعليق السياسي ويحتفلون بولادة اغنية أو اهزوجة جديدة بعد أن يكونوا قد رافقوا ولادتها خطوة خطوة.
ولعل الطاقات الهائلة التي انطلقت عبر الأثير بأصوات قوية مثقفة منذ ولادتها توجب علينا أن نتذكرها، وهي التي اطربت الأثير واسعدت المستمعين وهم كثر واتذكر منهم مع حفظ الألقاب، صلاح أبو زيد، عمر الخطيب، إبراهيم السمان، عصام حماد، إبراهيم الذهبي، حيدر محمود، إبراهيم شاهزاده، الحاج مازن القبج، سري عويضة، عائشة التيجاني، سلوى حداد، هند التونسي، إسحاق المشيني، كوثر النشاشيبي، غالب الحديدي، عرفات حجازي، نقولا حنا، ضياء سالم، زياد فريج، نشأت سلايطة، نداء النابلسي، سامي حداد، مديحة المدفعي، إبراهيم الحواري، محمود الشاهد، إحسان عماشة، جودت مرقة، هدية ميرزا، عبدالقادر الكردي، على غرايبة،جرير مرقة إبراهيم زيد الكيلاني تركي نصار، محمد المحتسب، غازي زعبلاوي، سحوم المومني، جبر حجات، سلامة محاسنة، تيسير عماري، عصام العمري، محمود الخشمان، محمود أبو عبيد، هدى السادات،عدنان الزعبي، سالم العبادي، صالح جبر،بتول عباسي، محمود الحويان،، رياض زيادات، ليلى القطب، ضياء فخر الدين، زهور الصعوب،نبيلة السلاخ، محمد الصرايرة،مروان المجالي،مروان البشابشه، يوسف العمري، خلدون الكردي، راتب المرعي، شاكر حداد،موسى عمار، مصطفى عيروط، صالح جبر،جمانة مجلي، عصمت الدجاني،نصر عناني، عيسى محادين، حاتم الكسواني، راكان قداح، نسيم ابو خضير، ، زكية البوريني،نبيل أبو عبيد، وغيرهم كثر.
من منا لا يتذكر أجمل البرامج مضافة ابو محمود، مع المزارع، أدب البادية، رسائل شوق، من هدي القرآن الكريم، في الزورق، همس الليل، محطات، مساء الخير، صحافتنا قبل الطبع،
مجلة الأثير، فنجان قهوة.
من منا لا يتذكر الاغاني والاهازيج الاردنية
برجاس، كوبان، خيمتنا الأردنية، انا الأردن، اردن أرض العزم، الكوفية الحمراء، وين ع رام الله، حسنك يا زين، الورد فتح، يا شجر الزيتون، قائد المسيرة، غندرة، سافر يا حبيبي وارجع،البناء، يا بنيه ماني فرنجي، وغيرها الكثير.
وحين يؤرخ للإذاعة الأردنية موضوعيا فسيؤكد المؤرخ مجموعة من الحقائق التي تعطي لنا حق الافتخار بالدور المشرف الذي قامت به، فقد كانت أول إذاعة عربية اهتمت بأدب البادية الذي كان يعده
الشاعر المرحوم رشيد زيد الكيلاني، كما كانت مضافة ابو محمود هي الأخرى فتحا في عالم برامج المشاركة ومضرب المثل للبرنامج الشعبي الناجح في جميع الإذاعات العربية، ومن قسم الدراما والتمثيل في الإذاعة قام المسرح الأردني على يد المخرج هاني صنوبر، وبدعم الفرقة الموسيقية لدار الإذاعة قامت المهرجانات الفنية والثقافية في أرجاء المملكة وقبل كل هذا كان للإذاعة فضل احتضان وإبراز الأغنية الأردنية.
كما كانت بعض برامج التنمية تأخذ شكل الخدمة كالبرامج المخصصة للأخذ بيد المزارع لتصبح الإذاعة الأردنية واحدة من الرواد في البرامج الزراعية في العالم الثالث كما كان برنامج مع المزارع للحاج مازن القبج محط تنويه وثناء دولي في دراسات اليونسكو وبعض الهيئات الدولية المتخصصة.
وكانت إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية مدرسة إذاعية في المنطقة العربية والاذاعات الأجنبية، بما يحمله أبناؤها من المعرفة والإبداع الإذاعي، فلا تكاد أن تدير مؤشر المذياع حتى يطالعك صوت أردني حر معروف من صوت أميركا والإذاعة البريطانية إلى الإذاعة الألمانية إلى مونتو كارلو إلى كوريا الجنوبية ومختلف الإذاعات العربية في منطقة الخليج العربي.
لقد كان المذيع الأردني وحده جيشا إعلاميا واذاعيا شاملا، فهو المعد والكاتب والمقدم والباحث والمخرج والمحرر والمدقق.
ونشير أيضا إلى أن الإدارة كانت مهمة أيضا في المتابعة والمساءلة في كل كبيرة وصغيرة، كما كان يفعل صلاح أبو زيد ومروان دودين ونصوح المجالي وعبدالحميد مسلم المجالي وجرير مرقة ونتذكر كيف كانت الإدارات تقيم الدنيا إذا أخطأ أحدنا في كلمة على الهواء أو تلعثم في عبارة.
لقد حرصت الإذاعة قبل غيرها من الإذاعات العربية الشقيقة في وقت لم تبرز فيه بعد الإذاعات الخاصة الترفيهية وفي عهد معالي نصوح المجالي حرصت أن تضيف بعدا جديدا في العمل الإذاعي، تمثل في المشاركة المباشرة بإنتهاج الاتصال المباشر مع المستمعين والتوجه إلى العمل الميداني، بحثا عن قضايا الناس وهمومهم، ولعل برنامج البث المباشر الذي عملت فيه لسنوات طويلة، خير مثال على تلك البرامج التي باتت وسيطا بين المواطن والمسؤول.
لقد كان المغفور له الملك الحسين يرحمه الله، يولي هذا البرنامج جل اهتمامه ورعايته ويتابعه شخصيا، ويستمع إلى قضايا الناس ويستفسر عنها، وقد كانت اسعد اللحظات تلك التي كانت اذناي تتشرفان بسماع صوت جلالته وهو يستفسر عن بعض القضايا، ويبادر بحلها فورا من خلال مداخلاته التي ما زالت في الذاكرة والوجدان ولن انساها ابدا.
هذه هي اذاعتنا التي كانت منبع الخبرات الاعلاميه، وهي وحدها التي كانت نافذتنا إلى العالم، وخطابنا الاردني الهاشمي اليه، وهي وحدها التي كانت سمير الساهرين وحراس الحدود وانيس الحصادين، وهي وحدها التي كانت تنقلنا إلى العالم وتنقل العالم إلينا، وهي وحدها التي كان الناس من شدة ولعهم بإذاعة وطنهم يحفظون أسماء المذيعين ويعرفون كل واحد منهم قبل أن ينطق باسمه.
واختم.. بعد خدمتي الطويلة التي زادت عن ثلاثين عاما جزء منها خارج نظام التقاعد حينذاك تصدر المشهد احد وزراء الإعلام حينها وكنت مديرا للاذاعة وأصدر تعليماته بإنهاء خدماتي وبفصل تعسفي قبل استكمال سنوات التقاعد ثم بعث الله من بعده من يرفع الظلم عن الناس ويعيدني إلى عملي مستكملا سنوات التقاعد كاملة وأخرج سالما معافى.