هل يحقّ للمُحتل الدّفاع عن النفس؟ وإعلان الحرب ضدّ من يحتلهم ؟… بقلم د.أمجد شهاب
هل يحقّ لدولة الاحتلال الدّفاع عن نفسها وإعلان الحرب ضدّ من تحتلّهم؟
بقلم الدكتور أمجد رفيق شهاب
صحيفة المنتصف
اتخذت إسرائيل الدولة المحتلة للأراضي الفلسطينية المادة 51 من الجزء السابع من ميثاق الأمم المتحدة كذريعة للهجوم والانتقام من حركة المقاومة الاسلامية حماس بسبب الهجوم البري في 7/10/2023 وإعلان الحرب الشاملة على كل قطاع غزة بمن فيه والتي تنص على أنه “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي”.
ولكن يوجد هنا إساءة استخدام المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بالرغم من ضبابية المادة الآ أنّ حق الدفاع عن النفس تم حصره بردّ العدوان وليس لأهداف أخرى. كما أنّ شعار “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” يتكرر بلا توقّف من قبل الزعماء الغربيين وأيضًا في الإعلام الغربي المرئي والمسموع والمكتوب ونادرًا ما يتم التشكيك فيه. وحتى الفلسطينيين والمدافعين عن فلسطين غالبًا ما يترددون في مناقشة هذا “الحق في الدفاع عن النفس”. منذ بداية وجود إسرائيل كدولة، تم استخدام هذا التبرير لحرمان الفلسطينيين من حقهم في ممتلكاتهم وبيوتهم وحريتهم. وقد تم استخدامه لتبرير سرقة الأرض والممتلكات الفلسطينية في أعقاب حربي 1948 و1967، ولتبرير فرض الأحكام العرفية على الفلسطينيين.
إنّ شعار “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” يتم التذرع به عند كل اعتداء على الفلسطينيين، ليس فقط من قبل إسرائيل ومؤيديها، ولكن أيضًا من قبل الحكومات الصديقة في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا ودول أخرى.
إنّ القانون الدّولي لا يعطي إسرائيل هذا الحق، وبالتالي ليس لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها عندما يتعلق الأمر بالضفة الغربية (القدس بشطرها الشرقي) وقطاع غزة. وإذا كان لديها الحق في حماية مواطنيها، ليس لها الحق في استخدام القوة العسكرية المفرطة والساحقة ضد الشعب الذي تحتله. وحسب المادة 51 كان المفروض من الأمم المتحدة التدخّل لتشكيل لجنة تحقيق لمعرفه ما حدث في 7 أكتوبر وتطبيق القانون الدّولي بدل تسويق رواية دولة الاحتلال بما تحتويه من أكاذيب وفبركة لإيجاد مبرّرات لنزع الإنسانية والشرعية عن المقاومة الفلسطينية لتصبح الحقيقة أول ضحية في الحرب على غزة.
على الرغم من أنّ إسرائيل عضو معترف به في الأمم المتحدة، إلا أنّها تنتهك يوميًا منذ 75 عامًا لكل القوانيين والمواثيق والأعراف الدولية والذي يتعارض كليًا مع شروط الموافقة على العضوية؛ حيث تستمر إسرائيل في إقامة مستوطنات غير شرعية في قلب الأراضي المحتلة وتعتدي على المقدّسات الدينية وتتخذ عقاب جماعي كحصار قطاع غزة منذ أكثر من 17 سنة والتي تحاول إسرائيل إقناع العالم بأنّه -على الرغم من السيطرة على الحدود البرية الشرقية والشمالية لغزة، وتنسيق السيطرة على الحدود الجنوبية مع مصر، والسيطرة على البحر غرب غزة والمجال الجوي للقطاع، وقرار إسرائيل سحب قواتها ومستوطنيها من داخل قطاع غزة وتحويله إلى أكبر سجن في الهواء الطلق في العالم- يعني أنّ غزة لم تعد تحت سيطرتها الأمنية وهذا لا يعني أنها لم تعد محتلة.
لكن إسرائيل أدركت أن بإمكانها سحق قطاع غزة وإطلاق الصواريخ والقنابل المحرّمة دوليًا وارتكاب المجازر وجرائم الحرب، وقتل أكثر من 12 ألف شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير البيوت على ساكنيها وتدمير البنية التحتية والاعتداء على كلّ مقومات الحياة كمستشفيات والمخابز ومخازن الطحين .. وإلخ حتى الان تحت حجّة أنّ غزة لم تعد محتلّة وارتكبت جريمة، وهي الحجّة التي رفضتها معظم دول العالم. وللأسف تتمتع إسرائيل بنفس المستوى من الإفلات من العقاب في الضفة الغربية من استخدامها للقوة المفرطة والغير متناسبة.
ومن غير المنطقي أن تهاجم دولة محتلة لأراضي شعب آخر حسب القانون الدولي بحجة أنها أراضي “أجنبية” وتعتبرها أنها تمثّل تهديدًا خارجيًا للأمن القومي. وهذا الحق الذي تطالب إسرائيل به غير موجود بالقانون الدولي.
ويتحجج المدافعون عن إسرائيل من هذه القضية من خلال وجود حكومة فلسطينية تم إنشاؤها بموجب اتفاقات أوسلو التي لم تعد موجودة سياسيًا وقانونيًا منذ عام 1999. ولكن تحت ذريعة أنّ السلطة تحكم أجزاء من الضفة الغربية بدرجات متفاوتة وخاصة في المنطقة (أ)، حيث تقع جنين وطولكرم وقلقيلية ونابلس والخليل ورام الله وسلفيت وبيت لحم وأريحا وأيضًا حكومة حماس في قطاع غزة، معتبرة أن هاتين الحكومتين معادلة لأي حكومة أجنبية أخرى.
وهذا ببساطة غير صحيح، كما يتضح من الغارات المتكررة، وعمليات الإغلاق المنتظمة، ووجود الجنود ونقاط التفتيش في كل مدن الضفة الغربية والسيطرة على كل المعابر في قطاع غزة بما فيهم معبر رفح. كما أنّ إسرائيل لم تعلن أبدًا عن حدودها حتى اليوم؛ فهي تحتل الضفة الغربية بأكملها، وهي تجمع الضرائب عن السلطة الفلسطينية، وغالبًا ما تحجبها، بينما تركز قوات الأمن الفلسطينية في المقام الأول على التنسيق مع إسرائيل لمحاربة المقاومة.
وحسب القانون الدولي هناك فرق بين الحق بالدفاع عن النفس وبين المسؤولية في حماية السكان الخاضعين لسلطتها المحتلة والحق في الدفاع عن النفس في حالة الحرب الشاملة فقط بين دول وليس شعب يخضع تحت احتلال مباشر. فلا السلطة في الضفة الغربية دولة ولا قطاع غزة دولة ليعلن عليها الحرب. ومن هنا يحق للشعب المحتل الحق بالدفاع عن نفسه ومقاومة المحتل بكل الوسائل بما فيها المقاومة المسلحة حسب القوانين الدولية.
إن إسرائيل لا تتنصل من مسؤوليتها عن حماية من هم تحت الاحتلال فحسب، بل إنها تتعمد ارتكاب المجازر ضد السكان المدنيين من أجل تهجيرهم لتغير وضعهم القانوني والجغرافي الذي يتناقض كليًا مع القانون الدولي، واستخدام القوة العسكرية غير المتناسبة ضد السكان الخاضعين للاحتلال من خلال اعتبارهم عدوًا خارج الحدود الإقليمية.
يشرح المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة، جون دوغارد، الفرق بين الدولة التي تتصرف دفاعًا عن النفس والدولة التي تستخدم القوة للحفاظ على الاحتلال العسكري. وفي حالة إسرائيل، فإن جهودها لضم الأراضي التي تحتلها ببطء بدلًا من العمل على الانسحاب وإنهاء ذلك الاحتلال، كما هي ملزمة قانونيًا، تعني أن الاحتلال نفسه غير قانوني.
وكما يقول السيد دوغارد، “يجب على الدولة التي تسعى إلى فرض احتلالها، وكذلك الدولة التي تتصرف دفاعا عن النفس، أن تمتثل للقانون الإنساني الدولي. ويشمل ذلك احترام مبدأ التناسب، واحترام المدنيين، والتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، فضلا عن حظر العقاب الجماعي”.
وتقع على عاتق الدول القائمة بالاحتلال، على وجه الخصوص، مسؤولية الحفاظ على القانون والنظام لجميع الذين يعيشون تحت سيطرتها والعمل على إنهاء الاحتلال.
ولكن ليس لها الحق في معاملة أولئك الذين يقاومون احتلالًا أنّ مقاومتهم غير قانونية ووحشية وأنّهم مقاتلون أعداء. كما أنه ليس لها الحق في معاملة المناطق المحتلة على أنها أرض معادية، كما لو كانت حرب بين دول.
وأستغرب عدم التقدم بطلب التصويت حتى الآن في الجمعية العامة لطرد إسرائيل من الأمم المتحدة لأسباب كثيرة من أهمها انتهاكها لشروط العضوية أو المطالبة بإعادة هيكلة مؤسسات الأمم المتحدة، أو على الأقل إصلاحها بعد الفشل الذريع بالحفاظ على مصداقيتها وتحقيق أهداف تأسيسها او الانسحاب منها فعدد الدول التي تفرض ما يحدث يزيد عن ثلثي عدد الدول الأعضاء.