الباشا العدوان يكتب ” لماذا نفقد الكفاءات الطبية في مديرية الخدمات الطبية ؟”
لماذا نفقد الكفاءات الطبية في مديرية الخدمات الطبية ؟
بقلم موسى باشا العدوان
صحيفة المنتصف
عندما نزور المجمعات الطبية في جبل عمان بجوار شارع الخالدي، أو في المستشفيات الكبيرة في مناطق عمان المختلفة، نقرأ على مداخلها أسماء أطباء من ذوي التخصصات الطبية العالية، التي خرّجتهم مديرية الخدمات الطبية الملكية في القوات المسلحة الأردنية. وعندها يمتلكنا شعور بالاعتزاز والحزن في آن واحد.
فشعورنا بالاعتزاز، هو ناجم عن دور الخدمات الطبية، في رفدها لمستشفيات القطاع الخاص، بأصحاب الخبرات الطبية المميزة. وشعورنا بالحزن، هو ناجم عن فقداننا لتلك الخبرات الطبية من مؤسساتنا الطبية العسكرية، التي كان يفترض بها أن ترعى المنتفعين العسكريين وعائلاتهم وتخفف من معاناتهم المرضية، لاسيما أنها أنشئت أساسا لخدمتهم في عهد الملك حسين رحمه الله.
فأولئك الأطباء الأخصائيين، كانوا قد أحيلوا على التقاعد، إما لعدم توفر الشواغر التي تناسب رتبهم العسكرية أو لأسباب أخرى، بعد أن تم تأهيلهم في أرقى الجامعات الطبية في العالم، وراكموا الكثير من الخبرات الطبية علميا وعمليا زلا زالوا في سن العطاء. والدليل على ذلك أن بعضهم فتحوا عيادات طبية خاصة، أو راحوا يعملون في مستشفيات معروفة.
في أوائل عقد الثمانينات الماضي، عُينت ملحقا دفاعيا للقوات المسلحة في المملكة المتحدة. فكان عدد الأطباء العسكريين الموفدين لدراسة تخصصات طبية متقدمة، في مختلف الجامعات البريطانية، يتراوح بين 60 – 70 طبيبا وعلى مدار العام، علما بأن بعضهم كانوا قد درسوا الطب أساسا على نفقة القوات المسلحة. وكان كل طبيب يكلف القوات المسلحة مبالغ مالية باهظة، ليتم تأهيله في تخصص معين يمكّنه من معالجة مرضاه بكفاءة. فكنت أزورهم في مواقعهم لأطمئن عليهم، وتذليل أية صعوبات إدارية تواجههم.
بعد انتهاء عملي كملحق دفاعي وعودتي إلى البلاد، عُينت مديرا لشؤون الضباط في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية. ففوجئت أن بعض أولئك الأخصائيين قد أحيلوا على التقاعد، بسبب عدم توفر الشواغر الذي تناسب رتبهم أو لأسباب شخصية. فقدمت توصية للقائد العام الشريف زيد بن شاكر رحمه الله، يقضي بأن نحوّل الأطباء المتميزين بتخصصاتهم بعد رتبة عقيد، إلى الصفة المدنية لتجنب قصة الشواغر التي تفقدنا الأطباء، على أن يمنحوا درجات علمية معينة وعلاوات مجزية، من أجل الحفاظ عليهم في الخدمة لأطول مدة ممكنة.
وفي هذه الحالة اقترحت أن يُحدد عدد كافٍ من الأطباء المتميزين حسب الحاجة في كل قسم ( pooling )، ويجري ومنحهم الرواتب والعلاوات المجزية حسب تخصصاتهم، بعيدا عن تقييمهم كما في ضباط الميدان والإداريين طبقا للرتبة والشاغر. كما طالبت أن يجري تعيين مدراء المستشفيات والمؤسسات الطبية، من الضباط الذين يحملون تخصصات إدارة المستشفيات، أو من الضباط الإداريين وليس من الأطباء، الذين عليهم أن يتفرغوا إلى مهنهم الطبية. ولكن هذا المشروع واجه اعتراضا من قبل مدير الخدمات الطبية في حينه ولم يُطبق.
وهذا النزيف الذي ما زال مستمرا اليوم في مديرية الخدمات الطبية الملكية، ويفقدنا كفاءات طبية نحن بأمس الحاجة إليها لابد أن يتوقف. وأرجو من عطوفة رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن يحافظ على أطبائنا المميزين في مؤسساتنا الطبية، إضافة لتنظيم عقود بدوام جزئي، لبعض الأطباء أصحاب التخصصات العالية، ممن أحيلوا إلى التقاعد، باعتباره واجبا وطنيا نحو مؤسساتهم الطبية، التي لها ذكريات جميلة خلال خدمتهم السابقة، وما زالت تعيش في وجدانهم، ويعلّقون صورهم العسكرية وشهاداتهم الطبية في عياداتهم بكل فخر.
التاريخ : 18 / 11 / 2020