رغوة في العقبة وغطيطة..
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
المنتصف
قبل أعوام اشتكت سيدة من مسؤول ما؛ كان يركب سيارة «فلت» بلا نمرة ولا تسجيل، ويشبّح في شوارع عمان الغربية، فصدم سيارتها الواقفة بجانب الشارع، لكن المسؤول أراد أن يفلت من العقاب، فقام بفبركة الحادث مستغلا ضعف السيدة فإذا بها هي المخطئة..شعرت المرأة بالصدمة وبالضعف ووصلت الحادثة الى المسؤول الأكبر، الذي زار العائلة في البيت و»بكى دموعا» من وطأة الظلم الذي وقع على السيدة، ثم قام بالتصرف مع معاونه المخطىء..وكان الموقف مجرد «رغوة»، انقشعت وانقشع معها المسؤول المخطىء، الذي اعتقد بأنه متنفذ ويمكنه قلب الأبيض إلى أسود، والاعتداء على الناس وحقوقهم، فذهب هو والرغوة والزّبد، وبقي في الأرض ما ينفع الناس.
وأمس أيضا قرأت خبرا عن حفل «رغوة»، يتخفى تحتها المحتفلون ويستمتعون، وإذ نتمنى للجميع السعادة التي يبحثون عنها، فإننا في الوقت نفسه نطالبهم أن لا يسقطوا في الخطأ، ويؤذوا الآخرين، فالذي يود أن يقيم حفله الخاص يجب أن يبتعد عن الحياة العامة فإنه سيتعرض للنقد الشديد، حين يخدش حياءا عاما أو يعتدي على مشاعر الناس، ومهما وضع حوله من غبار أو بخار أو ضباب أو رغوة، فلن ينفعه، لأن من اقتحم اللجج اتُّهم.
كل المشاكل التي نقرأ عنها في الرأي العام وتثير الناس، يمكن اعتبارها «غطيطة» أو ضباب، يتعكر بها الرأي العام قليلا لكنه سرعان ما يصفى، وتصبح الرؤية حادّة والمنظر أكثر وضوحا، سيما وأن فراسة الأردني موجودة، وفي عينه نظرة خارقة تتجلى فيها فراسة الأردني المؤمن، التي قيل عنها «اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله»..فاتقوا فراسة المواطن الأردني تراه «مقلِّع» وجميع أسنانه تساقطت منذ زمن، لكنه حكيم حليم.
مناسبة الحديث عن الضبابية والعكورة وعدم وضوح الرؤية والمشهد عند الحكومات، هو ما نطالعه بشكل مستمر عن أخبار الاعتداء على الأطباء، ولن أطالب هنا الا بما طالبت به سابقا : «ضرورة وجود جهاز أمني مختص بأمن المستشفيات وكوادرها»، وقانون صارم يعاقب كل من يعتدي على هذه الصروح والكفاءات الأردنية، حيث صرح الناطق الاعلامي باسم الأمن العام أمس بأن الأجهزة المختصة تمكنت من إلقاء القبض على الذين اعتدوا على طبيب في مستشفى حمزة، واودعوهم الى القضاء..وباقي الكلام والنهايات وعودة حليمة كل يوم لعادتها القديمة، كلها معروفة للقارىء الكريم. في مدينة الحسين الطبية لا يوجد «رغوة» ولا صور ضبابية، هل تعلمون لماذا؟ لأن كوادرها كلهم عسكر منضبطون، هم أشد وضوحا من كل الحقائق، فقوانينهم واضحة حاسمة صارمة، وكل ما يقدمونه لهذا الوطن والمجتمع، يقدمونه كاملا وافيا شافيا، ولا أذكر بأنني قرأت يوما عن حادثة اعتداء على طبيب أو ممرض أو عسكري يقف على البوابة في المدينة الطبية؟..لماذا يا ترى؟!.الأسباب معروفة أيضا للقارىء الأردني الكريم، ولكل من يحترم القانون.
الحزم والانضباط وانزال العقوبة بمن يعتدي على الأطباء وسائر كوادر المستشفيات وأدواتها ومرافقها، هو المطلوب، دون التستر وراء «رغوة» المواقف والقوانين والتصريحات المستهلكة، احموا المرضى وصحة الوطن بحماية مرافقه الطبية والعاملين بها، فمثل هذه القصص التي نسمع عنها في وسائل الاعلام لا تليق بنا ولا ببلدنا..ويكفينا ما تتعرض له سمعة التعليم في الأردن بجهود خارجية ومحلية.
هل هذا أمر صعب حقا؟..تعلمون أنه مجرد رغوة وضباب لو أردنا أن نعمل حقا ونغلق الطريق على المتاجرين بنا و بقضايانا وهويتنا .