أخبار المنتصف
أخبار عاجلة
مقالات

الوجه الأخر مع الحرب … بقلم رحاب فضل السيد

رحاب فضل السيد - المنتصف
رحاب فضل السيد – المنتصف

صحيفة المنتصف

بعيداً عن ما درجت عليه العادة في تناولنا لأخبار الحرب بشكل عام، وتناولنا الإعلامي لما يدور داخل المعسكرات ودور إيواء النازحين وبطبيعة الحال ينصب اهتمامنا حول شكاوى النازحين من الأوضاع المعيشية القاسية مع اختفاء مئات طائرات الاغاثات التي يكون آخر ظهور لها أمام ممثلي حكومة الأمر الواقع بالمطار، وقريباً من طابع الحياة السلوكي اليومي وتعايش النازحين فيما بينهم قضيتُ أكثر من أسبوع، متجولة بين عدد من دور الإيواء بمدينة ود مدني أمضيتُ كل ساعات النهار وأقل من ذلك من ساعات الليل داخل هذه الدور التي هي في الأساس مدارس تم تحويلها لدور إيواء مؤقتة عقب نشوب حرب الخرطوم، يشرف على هذه الدور شباب متطوعون من أبناء مدينة ود مدني…
كنت مهمومة بمعرفة طابع الحياة اليومي وكيف استطاع هؤلاء الشباب حفظ حقوق الإنسان في الحد المعقول للفارين من الحرب فلا غرابة أن شهد أحد المراكز فعاليات ختان 17 طفلاً، وولادة طفلين تمت تسميتهم على متطوعي دار الإيواء وأن ينتظم الجميع في يوم النظافة العام… التقاء النزلاء في الهم والقضية خلق بينهم علاقات ونقاشات في السياسة والاقتصاد وحتى الخصوصيات، وأحياناً التعليقات وإبداء الملاحظات حول سلوكيات بعضهم، رصدتُ نقاشاً محتدماً أعاب على عدد من الأزواج خرق لوائح مركز الإيواء حول تقسيم المقيمين لتنويم النساء في جانب والرجال في جانب آخر وكيف خرقوا بسلوكياتهم هذه الذوق العام داخل دور الإيواء.
عند الصباح الباكر تقوم مجموعة من النساء وفقاً لجدول ينظم الخدمة داخل الدور، بتجهيز شاي الصباح – السادة- وتوزيعه على كل النزلاء وعادةً ما يصاحب ذلك بكاء الأطفال طلباً لشاي اللبن والبسكويت، صادف تجوالي ذلك نفاد مخزون المؤن الغذائية التي ظل يتبرع بها الخيرين بمدينة ود مدني، كان متطوعو ذلك المركز من الشباب مهمومين بتوفير الاحتياجات الضرورية لإطعام المقيمين ومن خلال النقاش الدائر عرفت أن خطة الخروج من هذا المأزق المتكرر أن يذهب “ابيدال” في وردية عمل مستقلاً ركشته لتوفير المال ويمكث “أبي” وآخرون بالمركز للقيام بمهمة الإشراف والتأمين

كانت المنظمات النسوية حاضرة بالقليل مما توفره من احتياجات نسوية للمقيمات بدور الإيواء ، تناقشت مع عدد منهن حول ما هو متاح وما هو معدوم داخل الدور فحدثنني عن معاناتهن في توفير البامبرز للأطفال وارتفاع أسعار الصابون وتراجع مستوى الوجبات ومكوناتها لأعرف لاحقاً أن من كان يدعم المركز بسخاء في بداية الأزمة عجز عن ذلك بعد ثلاثة أشهر  والسبب في ذلك هو تطاول أمد الحرب الذي أثّر اقتصادياً حتى على ميسوري الحال، ويصل مستوى الوجبة في أدنى حالاته “حلة ملاح الويكة” بالكسرة التي تصنعها السيدات المقيمات ويتخلل ذلك نقاشات حول تخاذل عدد من النساء عن خدمة المطبخ المركزي

كان معظم النزلاء من الفارين من حرب الخرطوم في مراكز الإيواء عوائل ممتدة نزحوا ومعهم مشاكل أسرية مرحّلة من سنوات خلت، ومع الضغط النفسي الذي تسببت فيه الحرب أعيد إنتاج هذه الأزمات المكتومة خاصة بين النساء فكان من المشاهد المألوفة نشوب نزاعات وعنف لفظي يصل أعلى مراحله وأحياناً جسدي يكون وقود ذلك شجار بين طفلين أثناء لعبهما في ميدان دار الإيواء. ليس ذلك فحسب بل ظهرت بوادر لمشاكل طابعها عنصري لأن الحرب وضعت الجميع في اختبار تقبل الآخر من خلال تواجد ثلاثة أسر من مكونات سودانية مختلفة داخل “فصل” واحد فكان الاحتكاك المباشر مدخلاً للعنف اللفظي والسب على أساس الجنس واللون.
عدد كبير ن النساء والرجال النازحين ضربوا في الأرض لا يسألون الناس الحافاً انخرطوا في السوق  وخلقوا مصادر دخول لأسرهم يغادرون المكان فجراً ويعودون مساءً محملون بما يشتهون، لذا تجد ذلك النوع بعيداً عن كل نزاع بحكم الغياب، وتمثلت أعمال هؤلاء في تجهيز وبيع الأطعمة وبيع المياه والرصيد وجني الثمار مع أصحاب الجنائن بالمدينة. هي الحرب ببشاعتها وبشاعة ما تفرزه من نفوس محطمّة وخربة لا تقوَ على تحمّل بعضها فيظهر ذلك في السلوك العدواني المتشائم، ومع ذلك وبطبيعة المجتمع السوداني الذي يتكون من نماذج مختلفة من تركيبات البشر، هنالك مَن يوقدون شموع الأمل أمام هذا الخراب والحطام.

المصدر : صحيفة “مداميك”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى