لا أَعلَــــمُ إِن كـــانَ ذلـــكَ مُتَعَمّـــدا “آفة العصر الحديث في الألفية الثالثة كـــرونا”
لا أَعلَــــمُ إِن كـــانَ ذلـــكَ مُتَعَمّـــدا
“آفة العصر الحديث في الألفية الثالثة كـــرونا”
بقلم القاضي فواز ابراهيم نزار عطية
القدس الشريف
24/3/2020
صحيفة المنتصف
ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال، لأنه خارج عن اختصاصي ولا يجوز لي التحدث في أمر غير مُلم به، لا سيما أن علم الفيروسات شيئ لا يستهان به ويحتاج لأهل الخبرة والدراية في ذلك العلم للتأصيل والتفصيل فيه، لكن آثرت اختيار العنوان بدقة وعناية نتيجة تصرفات الاحتلال على ارض الواقع غير المفهومة، حيث يصرح رئيس الحكومة بنيامين نتياهو تصريحات تخالف ما هو مطبق على ارض الواقع، ويا للعجب طُبقت تصريحاته فقط لدى الجانب الشرقي من مدينة القدس وعلى اهلنا في الخط الاخضر، وشاء القدر من خلال تلك التطبيقات التي تمت في الاسبوع المنصرم بتعليمات من الحكومة الاسرائيلية، أن قررت منع أهل القدس الفلسطينين القاطنين في شرقي المدينة من التوجه للقسم الغربي منها، وهذا الاجراء كذّب وكسر قانون توحيد القدس لعام 1980.
للأسف لم يتوقف احد عند هذا الموقف، ولم يتم استغلاله من قبل الصحافة المحلية والعالمية، ولم يتطرق إليه أي مسؤول فلسطيني، والسبب هو فيروس كورونا الذي أضحى حديث العالم، حدث رهيب غير مجرى دول العالم بلا استثناء، ولا أبالغ إن قلت أن التاريخ سيسجل لأول مرة منذ أن بدأ الانسان بتسجيل الاحداث وسردها في كتب التاريخ، كيف تم شل حياة كوكب الارض في بدايات العقد الثالث من الألفية الثالثة بصورة قد توحي بأن نهاية العالم قد أقتربت.
التقدم التقني المذهل بما هومتوفر من منصات التواصل الاجتماعي وشبكات الاخبار العالمية، والنت الدولي بما يحمله من اخبار عاجلة والبث الحي المباشر لكثير من الوقائع التي تتم في العالم، وتلقي الخبر بثوان جعل من الاحداث التي نشاهدها في لحظتها، وكأننا نعيش في قرية صغيرة نواكب احداثها أولا بأول، بحيث تحولت تلك الادوات التقنية سالفة الذكر وشغلها الشاغل عنوان واحد ووحيد شبح فيروس كورونا “كوفيد 19″، فمتابعة وتناقل الاخبار من حيث عدد الاصابات وهول سرعة انتشاره بين بني البشر دون تفريق بين حاكم ومحكوم غني وفقير صغير وكبير طبيب ومريض….، جعل من ذلك المشهد العام يسلط الضوء على البلدان الموبوءة وتطورات الأوضاع فيها والمستجدات الميدانية من حيث إعلان حالة الطوارئ لكثير من الدول ومنع التجوال فيها، وسببا في اعلان التدابير والاجراءات والتوصيات التي صدرت حديثا عن منظمة الصحة العالمية للحد من انتشاره، فمازلات تؤكد على أنه لا أمان لأي دولة من ظاهرة تفشيه بصورة جنونية.
وما بين الجهود المبذولة لمحاصرته والحد من انتشاره ، المتمثلة بجهد الاطباء من مختلف دول العالم وآخر ما توصل إليه الأطباء في مختبرات العالم المتطورة، وما بين الاستمرار في البحث عن علاج ينهي ما عليه العالم من رعب نتيجة انتشاره وتزايد أعداد ضحاياه، نجد هناك صراع علني بين بعض زعماء دول العالم بتصريحات مختلفة حول التوصل أو القرب من التوصل لعلاج ينهي كابوس أو شبح الكورونا.
وما بين الكابوس والشبح اتخذت بعض الدول النامية موقفا سليما، نظرا لقلة أو شح الإمكانيات المادية في مزاحمة الدول ذات السِبق العلمي لتقول كلمتها إن كان ذلك فيروسا حقيقيا أم شبحا مصطنعا، واتخذت من المثل الشعبي” درهم وقاية خير من قنطار علاج” وسيلة لمنع انتشار ذلك الفيروس.
طبعا هناك ردود فعل مختلفة من جميع البشر، فمنهم من اتخذ الفيروس وسيلة للتسلية والنكت، ومنهم من اتخذه شعارا دينيا، ومنهم من اتخذه تهديدا حقيقيا على البشرية ومؤثرا على الصعيدين الصحي والاقتصادي، ومنهم من اتخذه وسيلة للتربح، ولكلٍّ وجهته وفق فهمه وثقافته واستيعابه، وبعيدا عن تلك الشعارات يبقى منطق العقل هو سيد الموقف، فالشعور بالمسؤولية تجاه هذا الخطر الداهم – سواء أكان مصطنعا بفعل فاعل أو نتيجة تطور الفيروس – وتعايشه مع بيئة جديدة، هناك أمر واقع يتعلق بكائن “غير حي” إذا دخل جسم الانسان أصبح حيا ويبدء بفتك حياة عشرات الآلاف لا بل مئات الالاف لا بل الملايين من البشر، فالمسألة أكبر وأخطر مما يتصوره البعض.
لذلك اتباع الحجر الصحي في دولنا النامية ومنع الاختلاط قدر المستطاع، سيكون له تداعيات على صعيدين مختلفين الاول: تقليل الاصابة بين الناس والثاني: التكلفة المادية للدول التي اتبعت الحجر ستكون اقل بكثير من الدول التي تفشى فيها الفيروس نتيجة عدم اتخاذ الحجر سبيلا في منع انتشاره .
عودا على بدء، ما يهمني في هذا المقال، هو تصرف دولة الاحتلال الذي يبعث على الشك والريبة، فمنذ لحظة أول الاصابات بالفيروس لدى بعض الاسرائيلين والتي بدأت ب 39 اصابة واليوم وصلت إلى أكثر من 1200 اصابة معلن عنها، لم تتخذ دولة الاحتلال الامر بجدية الدول التي تفشى فيها الفيروس كايطاليا- التي اعلنت الاستسلام وتسليم الامر للسماء- وبريطانيا وفرنسا وغيرها والتي سبقتهم جميعا الصين، بل دولة الاحتلال تتعمد بطبيق حازم ومشدد للتعليمات الصادرة عن حكومتها على الفلسطينين القاطنين في شرقي القدس وعلى فلسطيني عرب 48 منها: منع التجمع في الأماكن العامة ومنع الخروج للمتنزهات ومنع تواجد أكثر من شخصين في السيارة ومنع اقامة الصلوات، والخروج للضرورة فقط اما لشراء الدواء أو شراء الاكل، وما يدعو للريبة والشك وبحاجة للأجابة من سلطات الاحتلال، هو لماذا لم تطبق تعليمات رئيس حكومة الاحتلال على الاسرائيليين القاطنين في تل الربيع وكل من يقطن في الساحل، وشاهدنا المئات يتنزهون في عطلة نهاية الاسبوع على الشواطئ والمتنزهات قبل ثلاثة ايام وبعضهم يتنزه مع الحيوانات الاليفة ، كيف تمنع الصلوات في المسجد الاقصى وفي كنيسة القيامة حرصا على السلامة العامة، ويسمح للمتطرفين اليهود اقتحام المسجد الاقصى وبمجموعات تحت حراسة من يحرر المخالفات للفلسطينين “الشرطة”، كيف تقوم شرطة اسرائيل بتحرير مخالفة بقيمة 5000 شيقل لرئيس مجلس الاوقاف الاسلامية الشيخ عبد العظيم سلهب المُعين من جلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الاردنية الهاشمية دون سند من القانون، في ظل تعطل المجلس التشريعي الاسرائيلي ” الكنيست”، وتحرر له المخالفة على ضبط مخالفات السير، في الوقت الذي لم تحرر فيه أية مخالفة للمتنزهين الاسرائيلين على شواطئ ساحل فلسطين، بل لم تحرر أية مخالفة للإسرائيلين الذين يقيمون صلواتهم في الكنُس وبأعداد كبيرة، كما ولم تحرير مخالفات سير للإسرائيليين الذين يركبون سياراتهم بعدد يتجاوز عما هو مسموح ؟
الغريب بين جميع ما ذكرناه سالفا، تقوم حكومة الاحتلال وحتى اليوم بتسخير الطيران المدني في سبيل احضار الاسرائيليين من بعض دول العالم، حيث احضرت مجموعة من الاسرائيليين من الولايات المتحدة، ومن دول اخرى في الآونة الاخيرة، والغريب في الامر أن بعضهم يحمل فيروس كورونا، وهذا التصرف كان محل نقد واستهجان من الصحافة الاسرائيلية، وهو محل استهجان وريبة من جانبنا على جميع تصرفات الاحتلال، في ظل التعليمات الصادرة عنه والاجراءات المتخذة في ظل وباء عالمي انتشر وينتشر بصورة لا يُعلم متى سيكون تحت السيطرة.