ما يُــدبـــر للقـــــدس بليلــة داكنــة الظـــلام بقلم القاضي المقدسي فواز ابراهيم نزار عطية
ما يُــدبـــر للقـــــدس بليلــة داكنــة الظـــلام
بقلم القاضي المقدسي فواز ابراهيم نزار عطية
صحيفة المنتصف
ما بين مخاطر فيروس الكرونا “كوفيد 19 “على البشرية بما اوقعه من خسائر جسدية تمثلت باصابة الملايين وخسارة بالارواح بالالاف، ناهيك عن خسائر اقتصادية جمة هزت الاقتصاد العالمي، بما ينذر بحرب كونية نتيجة شبه الشلل للواقع الاقتصادي العالمي، يخرج علينا في هذه الايام بعض من المحللين واصحاب النظريات المختلفة للحديث عن معضلة “الفيروس” ونتائجه، ومنهم من شخص الواقع بصورة علمية وعملية، ومنهم من استغل هذه الجائحة للشهرة، ومنهم من اوجد الحل بعد التشخيص وهم قلة قليلة.
وما بين التوقعات المبنية على الظن والتوقعات المبنية على الدراسات، هناك توقعات مبنية على الحقائق المفروضة على ارض الواقع التي برزت لحيز الوجود المادي في التطبيق العملي نتيجة انشغال العالم بعدو غير مرئي يهدد حياة البشر ومصالحهم التجارية بصورة لم تشهد لها البشرية من قبل ولم تُكتب في كتب التاريخ، وهذا الوضع الدولي المشدود في كيفية محاربة ذلك الفيروس، بالنظر لحجم الاصابات البشرية والخسائر في الارواح، حيث لم يستني الفيروس احدا مما طال عددا من المسؤولين من مختلف دول العالم.
هناك واقع خطير في القدس لا يمكن السكوت عنه – لا يقل أهمية عن الجائحة العالمية- وإن كانت الجائحة العالمية ووقعها على النفس وتأثيرها اكبر من أن يتم مناقشة أي أمر آخر في هذه الايام، إلا أن القدس وأهميتها بالنسبة لنا نحن اهالي القدس تمثل اهمية قصوى لا يسري عليها أي استثناء، لما تمثله لنا مدينتنا كالرئة الحيوية بما تقوم به من دور أساسي في علم الاحياء للإنسان، من امدادات متواصلة لا تنقطع بالاوكسجين النقي وطرد ثاني اوكسيد الكربون، ولما تمثله من سد وجدار منيع وحامي لأي تحريك أو هزٍ لواقع غير مألوف، بصورة تحاكي واقع جهاز المناعة الذي خلقه الله تعالى في جسم الانسان.
من هذا المنطلق استغلت سلطات الاحتلال الحدث العالمي المذكور، للبناء عليه وفرض الامر الواقع لما بعد انتهاء الوباء العالمي، بما يوازي والنظام العالمي الجديد المُنتظر، واستشهد بحالتين بدأتا للتو من قبل سلطات الاحتلال بصورة ستشعل المنطقة وتؤدي لنتائج لا تحمد عقباها.
الأمر الاول: حالة التحالف الحالي ما بين الحزبين الاسرائليين الليكود وابيض ازرق وتقاسم السلطة في سبيل تطبيق سياسة الامر الواقع، بهدف ضم أجزاء متفاوتة من الضفة الغربية بما في ذلك القدس العربية والاغوار، ورغم أن ذلك الفكر أو المقترح كان قبل قيام دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الامريكية بالإعلان عن صفقة القرن في 28/1/2020، لأن ذلك المقترح هو جزء من ايدولوجية وعقيدة الحكومات الاسرائيلية منذ سنوات حتى قبل انتخابات شهر آذار من عام 2020.
إذ بإعلان صفقة القرن التي تضمنت في بنودها ضم 3% من أراضي القدس العربية لإسرائيل، وهي مستوطنة “معاليه أدوميم” شرقي القدس، ومستوطنة “غفعات زئيف” شمالي القدس، بالاضافة لمستوطنة غوش عتصيون الواقعة على اراضي من بيت لحم غوش، حيث يقيم فيها ما يقارب 150 ألف مستوطن، وبموجب تلك الخطة سيتم ضم ما نسبته 25% من إجمالي عدد المستوطنين المقيمين في الضفة الغربية للقدس الكبرى وفق مخططهم.
بدأت المرحلة الخطيرة في التطبيق فيتغيير واقع القدس، بذلك التحالف الذي وصفه البعض بالتحالف الهش، بالرغم أن هذا التحالف من وجهة نظري، هو الامثل لتمرير سياسة الاحتلال في هذه الظروف والعالم مشغول بوباء لا يُعلم نهايته ونتائجه بصورة دقيقة، علما أن اجراءات تنفيذ هذه المرحلة، سبقها سلسلة من الخطوات في العام الماضي تمثلت: بالمس بجودة ونوعية التعليم، وتحريك الرحلات المنتظمة بصورة مكثفة للمستوطنين لاقتحام المسجد الاقصى بما يوحي البدء في التقسيم الزماني، وتخصيص زيارات ميدانية لاحياء البلدة القديمة بصورة منتظمة، واستكملت باعتقال بعض رموز السلطة الفلسطينية بصورة مهينة وتخالف الاعراف الدبلوماسية، للتأكيد على أن اتفاقية اوسلو لا وجود لها في قاموس أي حكومة اسرائيلية، إلا بقدر التنسيق الامني فقط، بما يشمل ذلك من تبعات امنية تؤدي الغرض من استمرارية السلطة الفلسطينية في ادارة ذاتية.
إذا المتتبع لواقع القدس، يجد المرحلة الثانية بدأت رغم الجائحة الدولية، فأهل القدس يلامسون واقع التغيير لأنهم في قلب الحدث من واقع وجودهم فيها، وهذا الواقع ليس بناء على دراسات وتخمينات، فمازالت اسرائيل من خلال نشر مخططات وخرائط جديدة لواقع مسار القطار الذي سيصل الجزء الغربي والقبلي لسور القدس ونشره قبل ايام، وخلو البلدة القديمة من الحركة واغلاق جميع محلاتها، والتدخل في منع اقامة الصلاة في المسجد الاقصى، تحت مسمى الحرص على سلامة وصحة المصلين، في الوقت الذي لم نشاهد ذات التشدد والمنع لليهود المتزمتين من ممارسة شعائرهم الدينية، الذين انتشر بينهم الوباء بنسبة تزيد عن 60% وفق الاحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة الاسرائيلية، حيث سنجد المتغييرات بواقع يذهل العقول بعد نفض الغبارعن الجائحة.
ثانيا: وهو الاخطر على الصعيد الدولي، حيث تدخلت السلطة المحتلة في تحديد مسار اعياد عيد الفصح المجيد للطوائف المسيحية، وقامت بخرق واقع قائم وثابت لم تجرؤ أية حكومة على تغيره على الاقل منذ عهد الصلاحي، أي واقع مضى عليه 850 عام، تحت مسمى ” لا تطبيق للستاتيكو القائم في كنيسة القيامة في الظروف الراهنة” وتمثل هذا الخرق بأن طلبت سلطة الاحتلال من الطوائف المسيحية الراعية لكنيسة القيامة، ليفتح باب الكنيسة شرطة الاحتلال وليس لمن عُهد لها بأمانة المفتاح من عائلة جودة آل غضية المقدسية المسلمة ومسؤولية فتح الباب لعائلة نسيبة المقدسية المسلمة.
ورغم أن بعض الاوساط المقدسية تتهم بعض الطوائف ممن هم ليسوا من اولاد البلد في هذه المؤامرة، وهو قول يفتقر للدليل، ومن هنا ادعوا لدرء الفتنة وعدم كيل الاتهامات قبل وجود بينة ثابتة قاطعة تدين هذا العمل والتخطيط الاجرامي، الذي يهدف لخلق حالة من تمزيق نسيج التآخي المسيحي الاسلامي على مر العصور.
واخيرا بين هذين الحدثين، هناك من يحاول استغلال الجائحة لنصب فخ السيطرة على ما تبقى من وجود عربي واسلامي في القدس، نتيجة الاعتداء المستمر على القبور في منطقة باب الاسباط، وكنتيجة لعدم توفر الثقة ما بين لجنة القبور وبعض الاهالي في القدس الشريف، لتكون مقبرتي باب الرحمة واليوسفية محل استهداف من المحتل، حيث سمعنا في الآونة الاخيرة من البعض يدعوا للتواصل مع بلدية الاحتلال والجهات المختصة فيها، لتنظيم واقع المقبرتين بما يمنع الاعتداء على القبور، وكأن القدس ينقصها مزيدا من اجراءات المحاولة في التهويد، لنجد انفسنا بعد فترة زمنية ممنوعين من دفن موتانا، بذريعة وجود الصديق شمعون رقم 2 في تلك المقبرتين.
الامر الذي يستدعي اعادة الفكير في جميع ما ورد اعلاه، بتشكيل لجنة وطنية مقدسية ممن يُشهد لها بالصلاح والاستقامة من المسيحيين والمسلمين، لتحافظ على جهازي المناعة والرئة في القدس الشريف، ولتفويت الفرصة على المحتل واذنابه من نشر الفوضى، وتمزيق النسيج الاجتماعي والتآخي بين ابناء القدس الذي بناه الاجداد والاباء منذ الفتح الاسلامي قبل 1450 عاما.