القدس عاصمة الثقافة تلهم الإبداع..بقلم حنا عيسى
” القدس عاصمة الثقافة تلهم الإبداع ..يهفو نحوها الحجاج”
أ.د. حنا عيسى / أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات
صحيفة المنتصف
“ليست الثقافة أن تقول شيئاً جميلاً ، وتعمي غيرك بنورك الذي تملكه ، انما أن تكون أنت النور الذي يجعل غيرك يهتدي بخير ما تملكه”
(أتعبتنا القدس ، أعني أتعبت كل البشر ، لا أعرف مدينة على كوكب الأرض أتعبت أهل الأرض كالقدس ، مدينة ترفض أن تكون أرضا. وكيف تكون والمقدس يتكدس فيها ، وعليها ، وحولها ، طبقة فوق أخرى وعلى امتداد كل العصور ؟ ربما كانت أرضا قبل إلمام الناس بشكل دنياهم وقبل أن تصلنا أخبار الله ، وقبل أن تطأها صنادل الأنبياء ذات السيور الجلد وخطى اليقين ، ربما كانت أرضا يوما ما ، لكنها ، بكل هذا المقدس ، أصبحت – للأسف الشديد – قطعة من السماوات)
الثقافة هي كلمة عريقة في العربية، تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس: وثقف نفسه، أي صار حاذقاً خفيفاً فطناً، ولطالما استعملت الثقافة في عصرنا الحديث هذا للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. فالثقافة لا تعد مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك مما يساعد على رسم طريق الحياة إجمالاً، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب. والثقافة هي مجموع العقائد والقيم والقواعد التي يقبلها ويمتثل لها أفراد المجتمع . ذلك أن الثقافة هي قوة وسلطة موجهة لسلوك المجتمع ، تحدد لأفراده تصوراتهم عن أنفسهم والعالم من حولهم وتحدد لهم ما يحبون ويكرهون ويرغبون فيه ويرغبون عنه.
*فوائد الثقافة:
1- تكسب أفراد المجتمع شعور الوحدة وتهيئ لهم سبل العيش والعمل دون إعاقة واضطراب.
2- تمد الأفراد بمجموعة من الأنماط السلوكية فيما يتعلق بإشباع حاجاتهم البيولوجية من مأكل ومشرب وملبس ليحافظوا علي بقائهم واستمرارهم .
3- تمدهم بمجموعة القوانين والأنظمة التي تتيح لهم سبل التعاون والتكيف مع المواقف الحياتية وتيسر سبل التفاعل الاجتماعي بدون أن يحدث هناك نوع من الصراع أو الاضطراب.
4- تجعل الفرد يقدر الدور التربوي الذي قامت وتقوم به ثقافته حق التقدير خاصة إذا اختبر ثقافة أخرى غير ثقافته من عادات وتقاليد تطغى علي وجوده .
5- تقدم للفرد مجموعة من المشكلات التي أوجدت لها الحلول المناسبة وبذلك توفر عليه الجهد والوقت بالبحث عن حلول تلك المشكلات .
6- تقدم للفرد تفسيرات تقليدية مألوفة بالنسبة لثقافته يستطيع أن يحدد شكل سلوكه علي ضوئها فهي توفر له المعاني والمعايير التي بها يميزون بين الأشياء والأحداث صحيحة كانت أم خاطئة عادية أو شاذة وهي أيضا تنمي لدى الفرد شعورا بالانتماء أو الولاء فتربطه بمجتمعه رابطه الشعور الواحد .
*الثقافة هوية شعب
يعتبر شعبنا الفلسطيني من أكثر الشعوب ثقافة وطنية، لأننا بثقافتنا الوطنية وبمعرفتنا الكاملة بموروثنا الثقافي نستطيع محاكاة الجميع، فالاحتلال الإسرائيلي سرق جزء كبير من موروثنا الثقافي وعمل على تهويدها وتغيير أسماء الأماكن المقدسة حتى يجد له مكاناً على هذه الأرض ويثبت للعالم أن هذه الأرض ملك أجداده منذ الاف السنين، خاصة وأنه يمتلك وسائل إعلامية تعمل على تزوير الحقائق، فنحن لانخشي من اندثار تراثنا الوطني بقدر ما نخشى سرقته من قبل الاحتلال الاسرائيلى .
وتعتبر الثقافة الوطنية الفلسطينية جزء لايتجزأ من هوية الشعب الفلسطيني على مر التاريخ والعصور، مما لابد من الإشارة إليه أن بدء ظهور المجلات والملاحق الثقافية في فلسطين يعود إلى عام 1905؛ حيث الاهتمام بنشر كتابات المثقفين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي الشتات، إضافة إلى ما ينتجه الكثير من المثقفين وكبار الكتاب والشعراء والأدباء العرب المناصرين للقضية الفلسطينية.
وقد شكلت الديانات السماوية التي ظهرت أو إنتشرت منذ بداياتها على أرض فلسطين وكذلك المساهمات الحضارية للشعب الفلسطيني في التجارة عبر البحار والزراعة المتطورة عناصر هامة في نشر الثقافة الفلسطينية والعربية والإسلامية والمسيحية، وكذلك في إمتزاجها بثقافات مختلف الشعوب في العالم. حيث كانت فلسطين محط أنظار المؤمنين من المسيحيين من شعوب العالم قبل ألفي عام والقبلة الأولى للمسملين قبل ألف وأربعمائة عام ونيف. وصارت فلسطين غذاء الروح والعقل والفكر لأعداد هائلة من الكتاب والشعراء والمفكرين والعلماء، وحطت الرحال بأعداد كبيرة منهم في مدن فلسطين وقراها، في وديانها وقمم جبالها وسهولها وشواطئها. وعلى مر العصور عانت فلسطين من الغزو والإحتلال والحروب، والتقت على أرضها في يوم واحد جيوش دول غريبة عن بعضها البعض، جمعتها أطماع واحلام وطموحات، وتفرقت مهزومة امام صمود الشعب الفلسطيني والمؤمنين من حوله بعروبة فلسطين. حيث حدث هذا في التاريخ مراراً وتكررت الهزائم وتكرر الفوز وبقيت فلسطين أرضاً ومهداً للديانات والحضارات والتقدم ومنهلا للفكر والعقيدة وقلباً مفتوحاً للتآخي والتسامح والسلام.
وكانت فلسطين بأرضها وشعبها ودياناتها وثقافتها ملهماً ومنهلا لكبار الكتاب والشعراء والرحالة، ومنهم الروس الذين وصل إليها منهم كثير، كتبوا فيها قصائدهم الخالدة ومذكراتهم الشيقة المثيرة – وكتب عنها غيرهم كثر ممن حلموا بها ولم تسعفهم الحياة بزيارتها. ( بوشكين ، ليرمونتوف، تولستوي وراسبوتين…الخ) وكتاب وأدباء من مختلف بلدان أوروبا ومن أسيا وأفريقيا. وفي ظل الثقافة الفلسطينية وفي حضنها نشأ أروع وأصدق الشعراء والكتاب من أبنائها … محمود درويش وسميح القاسم وإميل حبيبي وعبد الرحيم محمود وتوفيق زياد وغسان كنفاني وابراهيم طوقان وغيرهم الكثير الكثير .. ومن المفكرين ايضا الكثير الكثير وليس ادوارد سعيد اولهم او اخرهم .. وترجمت أعمالهم الشعرية والنثرية إلى العديد من لغات العالم فأغنوا بها ثقافات تلك الشعوب وعمقوا بها لغة الحوار والسلام.
*القدس مركز حضاري وثقافي وفكري:
عند الحديث عن الثقافة، تتربع القدس كمركز حضاري ثقافي، تضرب مثلاً عن اهمية الثقافة ودورها في تطوير ونمو الفكر الانساني، وكيف كانت ولا زالت مطمعاً للشعوب والثقافات المختلفة على مر العصور، لما تتمتع به من تاريخ وعناصر قوة.
ويمتد تاريخ البلدة القديمة في قلب مدينة القدس المحتلة إلى آلاف السنين وفيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وهي تتعرض منذ احتلالها من قبل الإسرائيليين عام 1967 لحملات تهويد متعاقبة تأخذ أشكالا مختلفة وتستهدف كل معالمها بما فيها المقدسات.
وتبلغ مساحة البلدة القديمة نحو 900 دونم (الدونم ألف متر)، أي ما نسبته 0.71% من المساحة الكلية للمدينة بشقيها الغربي المحتل عام 1948، والشرقي المحتل عام 1967. وفي حال إتمام إسرائيل خطتها القاضية بتوسيع حدود القدس لتصبح 600 كيلومتر مربع، ستتقلص مساحة البلدة إلى أقل من 0.15% من المساحة الكلية.
ويحيط بالبلدة القديمة سور ضخم بناه السلطان العثماني سليمان القانوني – الذي حكم المدينة ما بين 1520 و1566 ميلادية- على أنقاض السور الروماني القديم. ويبلغ طول السور 3662 مترا، في حين يتراوح ارتفاعه بين 11.6 و 12.2 مترا. وعلى السور 34 برجاً للمراقبة والدفاع عن المدينة، وبه أحد عشر باباً، سبعة منها مفتوحة وهي: باب الأسباط، وباب العامود، وباب الساهرة، والباب الجديد، وباب الخليل، وباب المغاربة، وباب النبي داود. وأربعة مغلقة.
وتضم البلدة القديمة مقدسات إسلامية ومسيحية أبزرها المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة وحائط البراق، وعددا من الحارات والأزقة والأسواق المقدسية.
أدرجت اليونسكو عام 1981 القدس القديمة وأسوارها على قائمة التراث العالمي بناء على طلب المملكة الأردنية الهاشمية، ثم أُدرجت عام 1982 على قائمة التراث المهدد نظرا للتهديدات الجدية التي كانت قائمة على مستوى صون الموقع والوضع السياسي. وعقدت اليونسكو عدة اجتماعات، وصدرت مجموعة قرارات أممية تندد بتهويد القدس وتطالب إسرائيل بعدم تغيير معالمها. لكن التهويد تواصل وبلغ أشده في العشرية الأولى من الألفية الثالثة باحتلال منازل المقدسيين وبإقامة عشرات البؤر الاستيطانية فيها.
وشكل الاستيطان في البلدة القديمة الركيزة الإسرائيلية للضغط على العرب، وبدأت مصادرة الأراضي والممتلكات وإقامة البؤر الاستيطانية منذ مجيء الاحتلال عام1967. وغيّر الاحتلال كثيرا من معالم البلدة القديمة بما في ذلك أسماء شوارعها، وشمل التغيير بنيتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بالتوازي مع الحفريات وشبكات الأنفاق أسفلها. ويفرض الاحتلال على السكان الفلسطينيين في البلدة القديمة ضرائب باهظة ويمنعهم من البناء، كما تعاني البلدة من الركود التجاري وارتفاع البطالة والازدحام في السكن.
وولقدس اسماء عدة تغيرت بتغير من سيطر عليها وحكمها منها: مدينة السلام، أوروسالم، يبوس،إيليا، بيت المقدس، بيت أيل، ايفن، مدينة الأنهار، مدينة الوديان، راشاليم، يور شالم، يور سلمايا، يهوستك، شهر شلايم، نور مستك، يبوس جلعاد، نور السلام، نور الغسق، يارة، كيلة، إريانة، أوفل، يبوس، ميلو، أنتوخيا، إيليا، بيت المقدس،القدس.
*مقومات الارتقاء لنصرة القدس:
تحتاج المدينة المقدسة أكثر من أي وقت مضى دعماً كاملاً لكافة مناحي الحياة فيها، ويعتبر الدعم المالي للمقدسيين أهم نقطة في مساعدتهم على الصمود في وجه ترسانة التهويد والتهجير. وذلك لما يعانيه المقدسي اليوم من تضييق من قبل سلطات الاحتلال، وفرض غرامات مالية باهظة عليه لإجباره على الرحيل من القدس، مما يؤدي الى تناقص أعداد المرابطين بالقدس والمدافعين عن المسجد الأقصى المبارك.
ولا بد من توفير دعم قطاع الاسكان، فيعتبر السكن من أبرز معاناة المقدسيين في أرضهم، في ظل ما تفرضه حكومة الاحتلال وبلديتها في المدينة المقدسة من قوانين صارمة تمنع المقدسيين من ترميم منازلهم، أو البناء على أراضيهم، ناهيك عن مصادرة الأراضي وهدم المنازل، حيث بات المقدسيون يعيشون في بيوت قديمة مهترئة تفتقر لأدنى درجات الصحة، فتراها شديدة البرودة في الشتاء تغمر المياه رؤوس أصحابها جراء الشقوق، وشديدة الحر في الصيف مليئة بالحشرات، لذلك لا بد من وقفة حازمة لإعانة المقدسيين على الصمود والتحدي من خلال المنح السكنية وإعادة الترميم.
وبنظرة سريعة على قطاعات الصحة والتعليم: فان القدس تعاني من نقص في المشافي والعيادات الصحية، إضافة الى نقص حاد في المدارس ومستلزماتها حيث بات الاف الطلاب دون مقاعد دراسية، والعديد من المرضى يستجدون علاجاً، لذا يعتبر توفير المعدات الطبية والمراكز الصحية ومستلزماتها، اضافة لدعم قطاع التعليم في المدينة من اولويات نصرة المقدسيين.
ولا بد من اعداد خطة توعوية إعلامية لإطلاع الرأيين العربي والدولي على ما يدور داخل مدينة القدس من عمليات تهويد وتهجير للسكان وسرقة للتراث الإسلامي، وهذا الأمر يكون من خلال نشر الخرائط التى تخص مدينة القدس من خرائط السكان وخرائط التراث وخرائط الحفريات وغيرها، وكذلك نشر مقاطع الفيديو والدراسات والتقارير التي توثق ما يدور داخل القدس وتحت المسجد الأقصى المبارك. ولا بد من حفظ خريطة القدس لحفظ أسماء المناطق والأحياء العربية في القدس للحيلولة دون تهويدها.