من قَتَلَ التعليم؟….بقلم بشرى سليمان عربيات
من قَتَلَ التعليم؟!
بقلم : بشرى سليمان عربيات
صحيفة المنتصف
قديماً قالوا: أفضلُ العلمِ ما طُلِبَ من قِلَّة، وكانت مستويات التعليم- على الرغم من قلة الموارد – مستويات عالية، عملت على النهوض بالمجتمع والأجيال نهضةً حقيقيةً، كان لها الأثر الكبير على الأجيال وفي العديد من المجالات.
إنَّ من ينظر إلى المشهد التعليمي الآن – سواءً كان التعليم الحكومي أم الخاص، وسواءً كان التعليم المدرسي أم الجامعي – يجد الكثير من الثغرات والتشوهات التي أصابت التعليم في الصميم،بل إنها أصابت الأجيال إصابةً جعلت الناتج عن التعليم فكرٌ عقيم. ولذلك أرى أن التعليم قد تعرَّضَ لهجمةٍ شرسةٍ ، هذه الهجمة انقضَّت على التعليم بهدف القضاء عليه.
والسؤال الأهم، من ساهم في هذه الهجمة الشرسة؟ من ساهم في قتلِ التعليم؟ سوف أسردُ لكم حكاية التعليم الأليمة والتي بدأت باختيار التعليم كوظيفة وليست كمهنة، هذا الأمر الذي زجَّ بالكثير من المعلمين والمعلمات داخل الغرف الصفيَّة وهم يلعنون اليوم الذي اختاروا فيه هذه الوظيفة، ولم يكتفي البعض بذلك، بل إنهم أسقطوا غضبهم هذا على الطلبة من خلال أساليب تدريس عقيمة، أنتجت أجيالاً تحفظ ولا تفهم، أجيال تستهدف العلامة والمعدل دون فهم أو استيعاب. هؤلاء المعلمون في بعض المدارس يقومون بحذف عدداً من الوحدات الدراسية الأساسية في نهاية الفصل بحجة تخفيف مادة الإمتحان على الطلبة، ولا يوجد رقابة من داخل المدرسة أو خارجها!
وقد زاد الأمرُ سوءاً عندما أصبح التعليم تجارة، بدءاً بالمدارس الخاصة التي يتم ترخيصها– بشروط متواضعة -بحيث لا يحقق معظمها للطلبة أدنى مستوى من التعليم ، سواءً من حيث المكان المناسب لتلقي العلم،أو من حيث اختيار نماذج من المعلمين والمعلمات الذين لا يملكون الكفاءة والخبرة، ويرضَون بفتاتٍ من الرواتب، الأمر الذي أنتج جيلاً – بل أجيال- ضعيفة تجهل القراءة والكتابة، أضف إلى ذلك أن تلك المدارس لا تملك مختبرات علمية -إلا للمظاهر- ولا تعمل على تطبيق المواد العلمية والمهنية بمشاغل ومختبرات متخصصة، لقد نما هذا الجسم المخيف من مدارس القطاع الخاص بحيث أصبح يتعامل مع الطالب كرقم في سجل الأرباح.
ومنذ سنوات ليست بالبعيدة، بدأت لعبة البرامج الأجنبية لمراحل الطفولة المبكرة والتي ساهمت بالقضاء على هوية الأجيال من ناحية اللغة والدين والوطن، فنشأ جيلاً يدرس التاريخ الأوروبي باللغة الإنجليزية، جيلاً لا يعرف لغته الأم، وبالتالي لن يعرف دينه. كل ما يحدث سببه الرئيسي منح تراخيص لتلك المدارس دون متابعة فعليّة،إذ ربما يذهب بعض المشرفين الإداريين والأكاديميين لزيارة بعض المدارس فيتم الإحتفاء بهم واستقبالهم بأسلوب يجعلهم ينسون لماذا ذهبوا ! وكانت هذه الأداة من أخطر الأدوات التي استخدمت في قتل التعليم. لستُ ضد الإلتحاق بالبرامج الأجنبية، لكني أتساءل عن ترخيصها لمراحل الطفولة المبكرة، بحيث نعطي الطفل فرصة في أن يتلقى أساسيات اللغة والتاريخ والعلوم والدين – إضافةً إلى اللغة الإنجليزية – ومن ثَمَّ يختار الطالب في مرحلة متقدمة – الصف التاسع أو العاشر الأساسي – أن يكمل دراسته بأي برنامج أجنبي – على اختلاف أنواعها – ،عندئذٍ ننقذ الأجيال الحالية والقادمة من فقدانهم للغتهم وانتمائهم.
وجاءت الطامة الكبرى قبل أيام، عند إعلان نتائج الثانوية العامة ،التي فاقت جميع التوقعات، فكيف لنا أن نثق بدور المؤسسات التعليمية في دفع عجلة تطور التعليم إلى الأمام بعد هذه النتائج التي لا تدل على مستوى تحصيل الطلبة الفعلي حيث كان لها دوراً بارزاً في القضاء على مصداقية هذا الإمتحان، وبالتالي سيكون لها الدور الأقوى في قتل التعليم.