هجرة من التعليم…بقلم بشرى عربيات
هجرة من التعليم
بقلم المستشارة التربوية: بشرى سليمان عربيات
صحيفة المنتصف
تطالعنا في بداية كل عام دراسي أخباراً حول هجرة الطلبة من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، الأمر الذي يسبب فوضى في زيادة عدد الطلبة في المدارس الحكومية، والتي تشكو منذ سنوات من اكتظاظ الصفوف. إن عملية انتقال الطلبة من المدارس الخاصة للحكومية تعود لعدة أسباب، ولعلَّ من أهمها تراجع التعليم بشكل ملحوظ في القطاعين العام والخاص، ودليل ذلك نتائج الثانوية العامة الغير منطقية في العامين الأخيرين، لذلك يتساءل أولياء الأمور عن جدوى تسجيل أبناءهم في المدارس الخاصة طالما أنه لا فرق في التحصيل النهائي لامتحان الثانوية العامة.
قد يبرر البعض أن جائحة كورونا سبباً رئيسياً لهذه الهجرة، ولكنا كتربويين متابعين للمشهد التعليمي، نقرأ ما بين السطور، فمن يسجّل أبناءه في مدرسة خاصة متميزة في أدائها وعطائها، لن يفكر بنقلهم إلى مدرسة حكومية صفوفها مكتظة، الأمر الذي يؤدي إلى اختزال فرصة التعلُّم لديهم، ودليل ذلك عزوف بعض الأهالي عن مجرد التفكير في نقل أبنائهم. إذاً خلاصة الموضوع ثقة بالأداء ليس أكثر.
وكي لا نكون مجحفين بحق عدداً من المدارس الحكومية، فإن هناك مجموعةً من المدارس الحكومية التي تميزت بعطاءها وأداءها عبر سنوات طويلة، وربما تكون هذه الفئة أفضل بكثير من بعض المدارس الخاصة، وخصوصاً المدارس الخاصة التي انتشرت على الساحة مؤخراً بشروط متواضعة كي تحصل على ترخيص من وزارة التربية والتعليم، لذلك يجب أن تعيد وزارة التربية والتعليم النظر في تجديد ترخيص هذه المدارس الخاصة التي اتخذت من التعليم تجارة .
النتيجة المؤكدة هي هجرة الطلبة من التعليم، وليس إلى التعليم، لأن من يسعى لتعليمٍ أفضل يبحثُ عن المكان الأفضل وعن البيئة التعليمية المناسبة، ولا يبحث عن كمالياتٍ فقط، بل يجب أن يكون الهدف الوحيد هو تأمين تعليم أفضل لأبنائهم
من هنا أرى أن المشكلة لا تكمن فقط في فكرة التعليم عن بعد، والذي أظهرَ فشلاً ذريعاً في كثير من المدارس، لقد أراد أولياء الأمور توصيل فكرة للمسؤولين عن أن إنفاقهم على التعليم هدراً للمال، ولذلك قاموا بنقل أبنائهم طالما أن النتيجة واحدة -لا علم ولا تعليم – ، بل هي عملية تلقين تُختتم بامتحان هزيل نتائجه ألوف من الطلبة الحاصلين على معدلات مرتفعة! ولن أقول أنهم متفوقين، لأنه لو تقدم لهذه الإمتحان طالب في الصف السابع، سوف يحصل على معدل مرتفع باستخدام نظرية الإحتمالات.
نعم، إنها هجرةٌ من التعليم نحو مصيرٍ مجهول يزيد من عدد حملة الشهادات، لكنه في ذات الوقت يرفع مستوى الأميَّة الفكرية التي تظهر آثارها في المجتمع بصورة واضحة، وفي جميع الأماكن وعلى جميع المستويات. وإذا أردنا النهوض بالمجتمع فعلينا البدء بتصحيح مسار التعليم في القطاعين الحكومي والخاص، والعمل على غرس قيمة الهجرة إلى التعليم.