“الرسالة على المنصة” بقلم بشرى عربيات
الرسالة على المنصة
بقلم المستشارة التربوية : بشرى سليمان عربيات
صحيفة المنتصف
نعلمُ جميعاً أن رسالة التعليم من أسمى الرسائل، وأن مهنة التعليم – لمن أراد- من أهمّ المهن، ذلك لأنها تَعنى بالإنسان، وهي رسالة جميع الأنبياء، لذلك علينا أن نقراَ هذه الرسالة بشكلٍ صحيح، وأن لا نجعلها تتصدرُ الرفوف.
ونعلمُ أيضاً أن من يختار مهنة التعليم، فإنه – على الأغلب – يؤمنً بأهمية هذه الرسالة العظيمة، ربما يكون البعض قد اختارته المهنة نتيجةً للمعدل التراكمي أو نتيجةً لظروف العمل،لكنه في نهاية المطاف معلماً،يحملُ أمانةَ المسؤولية تجاه الأجيال،هذه الأمانة تستوجبُ العمل بإخلاصٍ وإتقان لإيصال الرسالة، وتحقيق الأمل الذي يسعى إليه أبناؤنا الطلبة.
من المعلوم أيضاً أن رسالة التعليم لا تقتصر فقط على الشرح والتلقين،بل تتعدى ذلك لمستوى حضاري راقي، ألا وهو التربية بالقدوة، وذلك بأن يكون المعلمُ قدوةً للطلبة، إضافةً إلى مساهمته في غرس القيم والمبادئ التي تنهضُ بالجيل، وعمله على تقويم السلوك – في حال اقتضت الضرورة لذلك -، وهذا واجبٌ على كل من اختار أو اختارته مهنة التعليم ، ذلك لأن الطالب يقضي معظم وقته داخل المدرسة وغالباً ما يتأثرُ الطلبة بمعلميهم، وخصوصاً إذا كسب المعلمُ ثقتهم ومحبتهم، وذلك من خلال الفائدة التي يجني الطلبةُ ثمارَها عندما يكون المعلم مخلصاً في مهنته، ويعملُ على ترسيخ المفاهيم العلمية والإنسانية والقيمية بأسلوب جاذب، ويبتعدً عن العنف، ويتعاملُ مع الطلبة باحترام ومودة، ولا يضيع وقتهم بحكاياتٍ فارغة، بل يستغل كل دقيقة من الحصة الدراسية في توصيل المعلومة وتحقيق الصدق والأمانة في الوقت الخاص بالطلبة، لأن كل هذه الأمور الدقيقة تغرسُ في نفوس الطلبة الكثير، وتعملُ على بناء شخصيات واعدة تثقُ بنفسها، وتعملُ من أجل غيرها، هذا هو دورُ المعلمِ المأمول، وهذا هو الدور الذي كان يقوم به المعلمون لسنواتٍ طويلة، قبل أن يصبحَ البعضُ منهم تجاراً للعلم، وقبل أن تتغيرَ أهداف بعض العاملين في قطاع التربية والتعليم.
وتدورُ الأيام ليصبحَ التعليمُ عبر منصاتٍ إلكترونية، فأصبح حاملُ الرسالة التعليمية بعيداً عن طلبته، واقتصرَ دور المعلم على حشو واختزال المعلومات في وقتٍ قصيرٍ جداً – مقارنةً بالغرفة الصفية -، وصار الطالبُ متلقياً حائراً تائهاً، لا يعرف كيف يتواصل مع المعلم،ولا يقرأ المعلم تفاصيلَ وجوه طلبته – حتى لو كانت الكاميرات مفتوحة! ذلك لأن حامل الرسالة بعيد، والعملية هي تعليمٌ وتعلُّمٌ عن بعد، قاموا بوضع الرسالة على المنصة، وعندما تكون الرسالة على المنصة تتعرض للتلف أو للسقوط، أو للضياع.
نعم، حاملُ الرسالة بعيد، فكيف يمكنه إيصال الرسالة؟ أتراهُ يستخدمُ البريد؟ أم ينشرها عبر فضاءٍ مفتوح، وبذلك لن تصلَ الرسالة للجميع بكل تأكيد. إن بث الرسالة التعليمية عبر المنصات لا تحقق الآمال المرجوة، وتنعكس سلباً على نفسية الطلبة، لذلك نرى معظم الطلبة يعملون في المحلات التجارية، أو يقضون معظم الأوقات نائمين أو هائمين على وجوههم في الأزقةِ والشوارع والمولات. لذلك علينا أن نتنبه إلى الخطرِ الذي يحدِّقُ بهم وبالمجتمع كافة، لأن هذا النشئ هو جيل المستقبل، فكيف يمكنه التقاط الرسالة من المنصات؟
هذه رسالتي لكل تربوي، ولكل مسؤولٍ عن هذا الجيل، لأن خطر الشوارع لا ينفعُ معه حجرٌ ولا لقاح، ولأننا نحملُ أمانةَ المسؤولية، أقول، أرجوكم لا تطيلوا مكوثَ رسالة التعليم على المنصة.