زيارة بومبيو لمستوطنة ” بساغوت ” لن تشرع الإستيطان…بقلم المحامي راجح أبو عصب
زيارة بومبيو لمستوطنة ” بساغوت ” لن تشرع الإستيطان
المحامي راجح أبو عصب
صحيفة المنتصف
حتى في أيامها الأخيرة من حكم الولايات المتحده , ما زالت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مصّرة
على مواصلة عدائها للشعب الفلسطيني والتنكر لحقوقه المشروعه , وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقله القابلة للحياة , المتواصلة جغرافيا في الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس الشرقية وذلك ضمن حدود الرابع من حزيران من عام 1967 .
لم يعرف التاريخ الأميركي رئيسا معاديا للشعب الفلسطيني بقدر هذا العداء الذي يحمله الرئيس ترامب , فمنذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض , في عشرين كانون الثاني من عام 2017 أعلن رفضه لرؤية الدولتين : دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل , علما أن هذه الرؤية , وبإجماع شبه عالمي أنها السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ,ولتحقيق سلام عادل وشامل في هذه المنطقة , هذا الصراع الذي يعد أطول صراع في العصر الحديث , حيث أنه استمر منذ أكثر من قرن من الزمان , ولأن الشعب الفلسطيني رفض صفقة ترامب ,التي دعاها صفقة القرن , فقد عاقب الشعب الفلسطيني أشد العقاب حيث
أوقف عنه المساعدات المالية , ودعم مشاريع البنية التحتية في الضفة الغربية , وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينيه في واشنطن وسعى جاداً لوقف أعمال وكالة الغوث الدولية ” أونروا ” .
وكيف لا يرفض الشعب الفلسطيني صفقة القرن , التي جاءت لتصفية قضيته , وشطب حقوقه المشروعة
وتشريع الاستيطان ,الذي رفضته قرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة , باعتباره غير شرعي ومناقضا لشرعة حقوق الإنسان .
وإذا كان المثل العربي العامي يقول ” يا رايح كثر ملايح ” إلا ان الرئيس ترامب يعمل بعكس هذا المثل حيث يعمل وفق القول ” يا رايح كثر قبايح ” !! وآخر هذه ” القبايح ” والتي أثارت غضب فلسطينيا واسعا , وتنديدا دوليا , ورفضا أوروبيا , زيارة وزير خارجية الرئيس ترامب بومبيو , الاسبوع الماضي
مستوطنة ” بساغوت ” في الضفة الغربية , إلى الشمال من مدينة القدس على تل طويل مجاور تماما لمدينتي رام الله والبيرة , والتي أنشأت في عام 1981 والتي أوقفت توسع مدينة البيرة من الجهة الشرقية .
وزيارة بومبيو لمستوطنة ” بساغوت ” هي أول زيارة يقوم بها مسؤول أميركي لمستوطنة في الضفة الغربية , وهذه الزيارة تعد بمثابة تكريس للإعتراف الأميركي ” بشرعية المستوطنات . علما أن الإدارات الأميركية السابقه لم تعترف بشرعية الاستيطان , بل كانت تعتبره عقبة في طريق السلام . وحتى أن إدارة
الرئيس السابق باراك اوباما لم تستخدم حق النقض ” الفيتو ” في مجلس الأمن ضد القرار رقم 2334 الذي صدر في 23 كانون الاول من عام 2016 , والذي أكد عدم شرعية إنشاء اسرائيل مستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية باعتبار أن الاستيطان انتهاك صارخ للقانون الدولي , وعقبة كبرى امام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل .
وقد طالب القرار 2334 اسرائيل بالوقف الفوري لكافة الأنشطة الاستيطانيه , وأكد أن أيه تغييرات على حدود العام 1967 لن يعترف بها , إلا بموافقة الجانبين : الفلسطيني والاسرائيلي . وقد صدر القرار بأغلبية 14 صوتا من أصل 15 صوتا هم مجموع أعضاء مجلس الأمن الدولي , حيث امتنعت إدارة الرئيس أوباما عن تصويت , كما أصرت على عدم استخدام حق النقض ” الفيتو ” لإفشال مشروع القرار رغم ضغوط الرئيس المنتخب آنذاك دونالد ترامب .
وفي ذات الإطار , فإنه في العام 1979 تبنى مجلس الامن الدولي القرار رقم 446 الذي اعتبر بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينيه غير مشروع وعقبة في طريق السلام , وقد امتنعت الولايات المتحده وقتذاك عن التصويت , وكان ذلك في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر .
وقد أثارت زيارة بومبيو لمستوطنة ” بساغوت ” موجة من الغضب والتنديد من الجانب الفلسطيني فقد شجب رئيس الوزراء د. محمد اشتيه هذه الزيارة , باعتبارها سابقة خطيرة تخرق القانون الدولي والقرارات الدوليه وباعتبارها تشرع الاستيطان وتضرب الشرعية الدوليه , ودعا دول العالم لإدانة هذه الزيارة . وفي ذات السياق , وصف المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينيه , نبيل أبو ردينه الزيارة بأنها خطوة استفزازية للشعب الفلسطيني وقيادته , وأكد أن لا يمكن لهذه الزيارة أو أي دعم أميركي آخر لاسرائيل أن يعطي شرعيه للإستيطان , أو يغير من حقيقة أن هذا الاستيطان إلى زوال .
كما أن الأمم المتحده , شددت يوم الجمعه قبل الماضية , على عدم مشروعية الاستيطان في الأراضي الفلسطينيه , وأكدت أن موقفها من الاستيطان لم يتغير , وقد جاء ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده استيفان دوجاريك , المتحدث بإسم الأمين العام للأمم المتحدة في مقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك .
وتأتي زيارة بومبيو لمستوطنة ” بساغوت ” وفق مراقبين ,تأكيداً على دعم إدارة ترامب لاسرائيل ولثقافة الاستيطان , كما أنها تهدف إلى التشديد على التغييرات التي أدخلها ترامب تجاه اسرائيل . وكان بومبيو ألغى في أواخر العام الماضي , الرأي القانوني لوزارة الخارجية الأميركيه لعام 1978 الذي اعتبر المستوطنات الاسرائيليه في الضفه الغربية لا تتوافق والقانون الدولي .
وتخشى الأوساط السياسيه الفلسطينيه أن تطلق زيارة بومبيو لمستوطنة ” بساغوت ” إشارة انطلاق خطة ضم 30% من أراضي الضفة الغربية , إضافه إلى غور الأردن وشمال البحر الميت . كما يرى مراقبون أن الرئيس ترامب قد يقدم خلال المدة المتبقيه له في الرئاسة الأميركيه إلى إعطاء نتنياهو الضوء الأخضر لتنفيذ خطة الضم , وهذا ما جعل حكومة نتنياهو تسارع الى المصادقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانيه في القدس الشرقية قبل تنصيب جو بايدن رئيس للولايات المتحده , الذي تتخوف من أن يسعى لوقفها فور دخوله البيت الأبيض .
وكانت اسرائيل أوقفت في عام 2010 مخطط 1257 وحدة سكنيه في مستوطنة ” جفعات همتوس ” التي ستحيط ببلدة بيت صفافا , وتمنع التواصل بين القدس الشرقيه ومدينة بيت لحم بسبب رفض جو بايدن الذي كان نائبا للرئيس باراك أوباما لهذا المخطط , ولكنها عادت خلال الأسبوع الماضي للمصادقة على هذا المخطط , وذلك استباقا لتولي جو بايدن الرئاسه الأميركية .
وكان الرئيس المنتخب جو بايدن ونائبته كمالا هاريس , قد قالا خلال حملتهما الانتخابيه الأخيرة انهما يتمسكان بحل الدولتين , وسيعارضان الضم والاستيطان .
ورغم سياسة الاستيطان هذه غير الشرعيه , فإن القيادة الفلسطينيه ما زالت تصر على أنها لن توقع أي اتفاق سلام لا يوقف الاستيطان ولا يتبنى حل الدولتين . ولكنها ماضية في اعتبار السلام خيارا
استراتيجيا . والله الموفق