“المسيحيون في العالم العربي”..بقلم د حنا عيسى
“المسيحيون في العالم العربي”… بقلم د حنا عيسى
صحيفة المنتصف
(أرسل البابا فرانسيس ، أثناء مرور طائرته فوق الأجواء الفلسطينية في طريقها إلى العراق ، تحياته القلبية الحارة للرئيس محمود عباس والشعب الفلسطيني ، متمنياً أن ينعم الله على الشعب الفلسطيني بالبركة والسلام والازدهار)
(دعا البابا فرنسيس ، بعد وصوله إلى العاصمة العراقية بغداد ، المجتمع الدولي لأداء دور حاسم في تعزيز السلام في العراق وكل الشرق الأوسط)
(تتضاءل أعداد المسيحيين في منطقتنا العربية تدريجيا ،تبعا لما عاشته المنطقة العربية من تراجع سياسي واجتماعي شامل وصعود التيارات المتطرفة ، وغيره من الظروف التي دفعتهم الى الهجرة اكثر من مرة ، وهو ما يشكل خسارة المنطقة فرادتها التي طالما تمتعت بها)
إن استمرار الصراع في منطقة الشرق الاوسط قد يؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين في هذا المنطقة وبالأخص استمرار احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية المحتلة في الرابع من حزيران سنة 1967 يدفع العديد من المسيحيين الفلسطينيين للهجرة وكذلك من يقرر البقاء في المنطقة فان الحياة تكون صعبة ويؤثر الصراع والاحتلال على ممارسة الشعائر الدينية. علماً بأنه في ظل وجود الاحتلال والذي يتحكم في كافة الامور فإنه يوجد صعوبات كبيرة حتى لممارسة الشعائر الدينية، وذلك لان اسرائيل هي التي تتحكم في المناطق التي توجد بها الاماكن المقدسة للمسيحيين وتتحكم في الوصول اليها، ولكل هذه الاسباب فإن العديد من المسيحيين يفضل الهجرة من المنطقة.
وفي الآونة الاخيرة تشكل الهجرة الواسعة للمسيحيين العرب ومسيحيي البلدان المشرقية احدى أهم المخاطر التي تواجهها المنطقة، وذلك بسبب الدور الثقافي الذي يلعبه هؤلاء المسيحيون حلقة وصل بين الحضارة العربية الاسلامية والحضارة الغربية واستيعابهم وتفهمهم لكلتا الثقافتين، وفتح امكانية الحوار بينهما. ولقد مارست الثقافة المسيحية المشرقية على مدى تاريخها تأثيراً متبادلا بين الثقافتين الاسلامية والمسيحية الغربية، ولعبت دوراً في عقلنة التطرف لدى الثقافتين وتفاعلهما مع بعضهما البعض رغم الظروف القاسية التي تعرضت لها بسبب هذا الدور، لكن ما يهمنا هو التركيز على هجرة المسيحيين العرب، حيث يتمركز الوجود المسيحي في الدول العربية في مصر، لبنان، سورية، العراق، جنوب السودان، الاردن وفلسطين،
أما بقية الدول العربية فان وجود المسيحيين فيها قد يكون محدوداً، بعضها جاء بقصد العمل، كما في دول الخليج والسعودية، والبعض الآخر من بقايا الاحتلال الفرنسي كما في دول المغرب العربي. أما دخول المسيحية لجنوب السودان فقد جاء عن طريق البعثات التبشيرية، ويتمركز عدد المسيحيين في الدول المجاورة كتركيا وايران حيث يوجد نحو ربع مليون منهم، وقد هاجر قسمهم الاعظم في السنوات الاخيرة الى مختلف دول العالم، حيث أن عدد المسيحيين الفلسطينيين في العام 1890 كانوا يشكلون 13% وفي العام 1917 – 9.6%, وفي العام 1931 تقلصت النسبة الى 8.8% وفي العام 1948 الى 8%، اما في الوقت الراهن فيبلغ عدد المسيحيين 35150 نسمة في الضفة الغربية، و3800 في القدس، و850 في قطاع غزة، ولا يتجاوز اجمالي هذا العدد ما نسبته 0،5%من مجموع الفلسطينيين المقيمين على أرض فلسطين المحتلة في سنة 1967، فيما كانت النسبة سنة 2000 م 1،6%.
بلغ عدد المسيحيين بحسب الإحصاء سنة 1922 في القدس 14700 مسيحي، والمسلمون 13400 وبلغوا في احصاء 1/4/1945 نحو 29350 نسمة، والمسلمون 30600 نسمة .أما عدد المسيحيين في القدس عام 1947 م كان 27 ألف نسمة بسبب الاوضاع الحربية التي نشأت في فلسطين عشية صدور قرار التقسيم في 29/11/1947. ثم صادرت اسرائيل 30% من الاراضي التي يمتلكها مسيحيون بعد الاحتلال عام 1967، وجميع هذه العوامل تضافرت لتجعل من المسيحيين مجتمعاً متناقصاً باستمرار.
اخر إحصائية تشير في نهاية سنة 2020 بان عدد المسيحيين في الصومال بضعة مئات ،في ليبيا نحو 37،900 ألف شخص، السودان نحو مليون و 910 ألف مسيحي ،اليمن بضعة الاف من المسيحيين ،سوريا 814 ألف مسيحي العراق 225 ألف مسيحي ،السعودية مليون و419 مسيحي مسيحي ، مصر أكثر من 10 مليون مسيحي في داخلها ، الجزائر نحو 125 ألف مسيحي ،الأردن 130ألف مسيحي ،لبنان مليون و868 الف مسيحي ، المغرب 31 ألف مسيحي ،تونس 23 ألف مسيحي ، قطر 220 ألف مسيحي ،الكويت 436 ألف مسيحي ،عمان 198 ألف مسيحي ، الامارات مليون و 226 ألف مسيحي ،الأراضي الفلسطينية المحتلة 40 ألف مسيحي.
وفي المحصلة لم يبقى من المسيحيين في العالم العربي إلا ما بين اثنا عشر مليون نسمة الى خمسة عشر مليون نسمة من أربعمائة وثلاثين مليون عربي تقريباً، وهؤلاء قد تنخفض أعدادهم كما تشير الدراسات الى نحو 6 ملايين سنة 2025
ومن أهم نتائج هجرة المسيحيين الواسعة من بلدان المشرق العربي تتمثل في افقاد المنطقة لجزء من طاقاتها وقدراتها البشرية والمادية، وهي طاقات تحتاج لها المنطقة في عملية التنمية وفي مسيرتها من اجل التقدم في جوانبها المختلفة، ونتيجة الهجرة تضعف قدرات المنطقة ودولها في مواجهة التحديات القائمة والمستقبلية بالإضافة الى ما تركته هذه الهجرة من تغييرات في البيئة الحضارية والثقافية للمنطقة، والتي كانت بالأساس منطقة تنوع ديني، يعيش فيه المسلمون والمسيحيون واليهود الى جانب ديانات آخري.
وحول الهجرة في فسطين، فإننا نرى بأنها تستمر بوتائر سريعة لأسباب متعددة أصلها: الاحتلال، عدم وجود استقرار، فقدان السلام، واختلال موازين العدالة.. مع العلم بأن الشعب الفلسطيني جزء اصيل من الشعب العربي الفلسطيني، حيث يبلغ عدد المسيحيين الفلسطينيين في اراضي ال 48 114500 نسمة و40000 نسمة في أراضي فلسطين المحتلة سنة 1967 بما فيها مدينة القدس المحتلة ، وعلى الرغم من محاولات اسرائيل منذ قيامها التركيز على تهجير المسيحيين وفصلهم عن المسلمين، بهدف تفريغ فلسطين من المسيحيين بزعم ان الصراع ديني، وهو بين المسلمين واليهود وليس كياناً حقوقياً يتعلق بشعب احتلت اراضيه (مسلمون ومسيحيون ودروز ومن كان فيها من اليهود) وبين مغتصب ومستعمر استيطاني اجلائي .إن محاولة اسرائيل تصوير الصراع باعتباره صراعاً دينياً وليس صراعاً حقوقياً ووطنياً وارضياً انما تستهدف عزل المسيحيين عن المسلمين وتقسيم الفلسطينيين انفسهم ليسهل استهدافهم جميعاً وهنا لابد من الاشارة الى أن المسيحي والمسلم والدرزي لا يختلفون مع بعضهم البعض في الدفاع عن الارض والحقوق والقيم الوطنية والانسانية.
إن اضطرار المسيحيين الفلسطينيين الى الهجرة من فلسطين هو أمر مفهوم بسبب السياسة العنصرية الاستعلائية الاجلائية للاحتلال الاسرائيلي فيما يتعلق بالبلدان العربية والمشرقية الاخرى هو رسالة سلبية الى العالم أجمع بأن مجتمعاتنا تضيق درعاً بالتنوع الديني والاختلاف الثقافي، لاسيما لغير المسلمين، ولعل ذلك سيدفع المسلمون ثمنه باهظاً قبل غيرهم، فهو خسارة لطاقات ولعادات سكان أصليين في بلداننا يشكلون جزءاً من حضارتنا وتاريخ مجتمعاتنا وشعوبنا، ولا يمكن تصور بلدان عربية ومشرقية دون وجود مسيحي مؤثر في المشهد العام.
***(أ.د. حنا عيسى / أمين عام الهيئة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات)
رام الله :5/3/2021 م .