القبة الحديدية وصواريخ غزة ” نجاح ام فشل”…بقلم الخبير العسكري مشهور المومني

القبة الحديدية وصواريخ غزة ” نجاح ام فشل”…بقلم الخبير العسكري مشهور المومني

صحيفة المنتصف

مقدمة
1. اثار العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة الكثير من الجدل حول كفاءة وفعالية نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي القبة الحديدية، فإعلام جيش الاحتلال روج لنجاح باهر لنتائج تصدي هذا النظام لصواريخ المقاومة الفلسطينية التي كانت تنطلق من غزة باتجاه المدن واهداف دولة الاحتلال المختلفة، وذهبت بالمبالغة لتعطي هذا النظام نسب نجاح وصلت الى 90 % وادعت ان نظام القبة الحديدية استطاع اسقاط اكثر من 1800 صاروخ من أصل (4070) صاروخ اطلقتها المقاومة.

2. بينما رأى مراقبين ومحليين عسكرين أن فصائل المقاومة الفلسطينية عرفت مميزات هذه المنظومة، وحللت نقاط قوتها ونقاط ضعفها، واستطاعت إيجاد تكتيكات مكنتها من التغلب على نقاط القوة وبنفس الوقت استغلت نقاط الضعف، وتمكنت من افشال المنظومة وجعلتها عاجزة عن التصدي لصواريخ المقاومة، وبذلك حكموا على أداء القبة الحديدية بالفشل الذريع واعطيت نسبة نجاح منخفضة جدا لا تتعدى (5 الى 10).

3. للحكم على أداء نظام القبة الحديدية في معركة الدفاع الجوي خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة لابد من التعرف على الية عمل هذا النظام والتعرف على قدراته ومن ثم تحليل المعركة التي خاضها ومقارنة القدرات بالتحديات التي واجهها، في النهاية اصدار الحكم بالنجاح او الفشل.
نظام القبة الحديدية

4. القبة الحديدية هو نظام دفاع جوي متحرك تم صناعته من قبل شركة رفائيل الإسرائيلية لأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، يهدف للتصدي للصواريخ غير الموجهة وقذائف المدفعية من عيار 155 ملم قصيرة المدى والتي تطير ضمن مدى من 4 – 70 كم.
5. تعتبر القبة الحديدية جزء من نظام الدفاع الجوي الشامل متعدد الطبقات، فقد خصص هذا النظام ليغطي الطبقة قصيرة المدى وذات الارتفاعات المنخفضة، بينما تستخدم قوات الاحتلال الإسرائيلي نظام مقلاع داوود ليغطي المديات والارتفاعات المتوسطة، ونظام دفاع جوي السهم للتصدي للصواريخ بعيدة المدى وذات الارتفاعات العالية وكلها أنظمة صناعة محلية.

مكونات النظام

6. تتكون بطارية القبة الحديدية من ثلاث عناصر رئيسية هي:
أ. الرادار. يكشف الأهداف الجوية ذات المقطع الراداري الصغير بحجم قذيفة عيار155 ملم واعلى لمدى 70 كم.
ب. وحدة السيطرة والتحكم بالنيران. استقبال المعلومات عن الهدف من الرادار وتحليلها لمعرفة من اين انطلق والى اين سيطير (المسار) وأين سيسقط.
جـ. القاذف . تحتوي البطارية على ثلاث قواذف في كل منها 20 صاروخ من طراز تامير( Tamir ) يبلغ طول الصاروخ 3متر ويحتوي على مستشعرات كهروبصرية ورأس راداري.

مميزات النظام

7. تمتاز القبة الحديدية بالعديد من المميزات أهمها :
أ. قابلية الحركة .
ب. إمكانية العمل في كافة الظروف.
جـ. المدى من 4 كم الى 70 كم.
د. مشاغلة الأهداف على ارتفاع يصل ل 10كم .
هـ. قدرات عالية للرادار لتحديد موقع الاطلاق والمسار ومكان السقوط للصاروخ .
و. تأمين حماية لمدينة صغيرة بمساحة 150كم2 .
ز. قدرة البطارية الواحدة على مشاغلة من 6 الى 7 اهداف بنفس الوقت.
ح. تستخدم صاروخ من نوع تامير يحتوي مفجر لاسلكي عن بعد.
ط. تكلفة البطارية الواحدة 50 مليون دولار امريكي وتكلفة الصاروخ الواحد من 50 الى 60 الف دولار امريكي.

طريقة عمل القبة الحديدية

8. تعمل منظومة القبة الحديدية بتكامل مكوناتها الثلاث الرادار ووحدة السيطرة والتحكم بالنيران والقاذف معا وكما يلي :
أ. يقوم الرادار باكتشاف الهدف (الصاروخ) حال انطلاقه وارسال المعلومات الى وحدة السيطرة والتحكم بالنيران والتي تحتوي على جهاز حاسوب يقوم بتحليل الهدف واستخراج المعلومات عنه مثل مكان انطلاقه المسار الذي يسلكه، مكان سقوطه، وتقييم خطورته).
ب. تتم عملية تقييم خطورة الأهداف اليا بواسطة الحاسوب ويعطى الهدف التي ستسقط في مناطق مبنية او اهداف عسكرية مهمة حيث يتم ادخال هذه المواقع سلفا وحسب مواصفات معينه.
جـ. بعد تقييم الخطورة تتم مشاغلة الأهداف الأكثر خطورة باطلاق صاروخين على كل هدف (صاروخ) ويقوم جهاز الحاسوب باختيار اعلى نقطة في مسار الهدف يمكن مشاغلته فيها وذلك لتجنب سقوط شظايا الصواريخ فوق القطاعات العسكرية والمناطق المأهولة.

القبة الحديدية في معركة غزة

9. عرفت فصائل المقاومة الفلسطينية مميزات القبة الحديدية وتعرفت على نقاط قوتها وتجنبتها ونقاط ضعفها ووهنها واستغلتها وتعاملت معها كما يلي:
أ. اقصى قدرة للقبة الحديدية للاشتباك مع 6 الى سبعة اهداف في آن واحد قامت الفصائل برماية اعداد كبيرة من الصواريخ بشكل متزامن مما أدى الى اشباع القبة الحديدية بعدد يفوق قدرتها على المشاغلة فمن الملاحظ أن قوات الاحتلال قد نشرت بطاريتين من القبة الحديدية حول غزة قدرتهما معا مشاغلة 14 كحد اقصى لذلك كنا نشاهد أن الرشقات الصاروخية كانت باعداد كبيرة جدا فرغم نجاح القبة الحديدية للتصدي لبعض هذه الصواريخ بحد اقصى 14 صاروخ بفرض نسبة إصابة 100% فإن باقي صواريخ الرشقة كانت تستطيع ان تكمل طريقها الى أهدافها دون مشاغلة في مرحلة الاطلاق فوق غزة ولكن بعضها كان يتعرض للاشتباك مرة أخرى فوق الهدف، وبسبب اتساع دائرة الاستهداف اضطرت قوات الاحتلال لنشر بطاريات القبة الحديدية حول مدنها مما افقدها مبدأ الحشد فلم يشاهد الا بطارية واحدة تدافع عن مدينة تل ابيب وبذلك ستتمكن هذه البطارية من الاشتباك مع 7 اهداف كحد اقصى ومرة أخرى التفوق العددي لصواريخ المقاومة مكن عدد كبير منه يصل الى أهدافه دون أي اعتراض.
ب. رادار القبة الحديدية من نوع المصفوفة الطورية (PHASE ARRY ) ويغطي قاطع في احسن احواله يغطي 180 درجة ولا يغطي 360 درجة ، استطاعت فصائل المقاومة استغلال هذه الخاصية فكانت تطلق الصواريخ على عدة اهداف من اتجاهات مختلفة مما مكن الكثير منها الخروج بسرعة من نطاق عمل الرادار وبدون ان تتعرض للمشاغلة.
جـ. إمكانية القبة الحديدية مشاغلة أهداف ضمن مدى من 4 كم الى 70كم استغلت المقاومة وجود 4 كم لاتستطيع القبة مشاغلتها فأطلقت الصواريخ على اهداف قريبة جدا في غلاف غزة فكان الهدف يصل الى هدفه قبل ان تتمكن القبة الحديدية كشفه والاشتباك معه.
د. يستطيع جهاز الحاسوب في وحدة التحكم والسيطرة على النيران تقييم خطورة الأهداف وترتيبها حسب خطورتها لمشاغلة الأكثر خطورة استطاعت فصائل المقاومة خداع جهاز الحاسوب وارباك عملية التقييم وذلك بإطلاق الصواريخ بزوايا ارتفاع مختلفة من منخفضه جدا الى مرتفعة جدا سبب ارباك للحاسوب وإعطاء تقييمات خاطئة لخطورة الأهداف.
هـ. تقدر تكلفة صاروخ القبة الحديدية من نوع تامير من 50 الى 60 ألف دولار بينما صواريخ المقاومة تقدر تكلفتها بين 300 الى 1000 دولار ويحتاج كل صاروخ من المقاومة لاطلاق صاروخين من القبة الحديدية مما يعني أن تكلفة مشاغلة صاروخ واحد من صواريخ المقاومة يكلف قوات الاحتلال من 100-120 ألف دولار مما شكل عبئ اقتصادي كبير على قوات الاحتلال.
نقاط ضعف لم تستغل بالشكل الصحيح من قبل فصائل المقاومة
10. هناك بعض التكتيكات التي كان بإمكان فصائل المقاومة العمل بها تحد من فعالية القبة الحديدة مثل:
أ. اخماد الدفاعات. وذلك بتوجيه بعض الصواريخ الى مواقع انتشار بطاريات القبة الحديدية وبأعداد أكثر من 7 صواريخ في حال وصول صاروخ واحد واصابة الرادار او وحدة السيطرة والتحكم بالنيران سيؤدي لتحييد البطارية او تدميرها فتضمن بذلك وصول باقي الصواريخ الى أهدافها دون مشاغلة بالإضافة للأثر النفسي لدولة الاحتلال عندما تفقد قدرتها للتصدي.
ب. خداع أجهزة الحاسوب.في كل أنظمة الدفاع الجوي يعتبر هدف الدفاع عن النفس (الهدف الذي يهاجم بطارية الصواريخ)هو الهدف الأخطر ويعطى أولوية مشاغلة على باقي الأهداف ،كان بإمكان المقاومة توجيه 7 صواريخ باتجاه بطاريات القبة الحديدية وبشكل متزامن مع اطلاق الصواريخ باتجاه أهدافها ، سيقوم جهاز الحاسوب بإعطاء أولوية المشاغلة للصواريخ المتجهه نحو البطارية باعتبارها اكثر خطورة وترك باقي الصواريخ لتكمل مسارها الى أهدافها بدون مشاغلة.
جـ. استخدام الطائرات المسيرة المسلحة. أظهرت فصائل المقاومة الفلسطينية قدرتها على استخدام الطائرات المسيرة بكفاءة لمهاجمة بعض الأهداف ومنها منصات انتاج الغاز قبالة شواطئ غزة وعلى مدى يتعدى 100 كم ولكن كان بإمكانها استخدام هذه الطائرات ذات المقطع الراداري الصغير (صعوبة كشفها من قبل الرادار) وبشكل متزامن مع الرشقات الصاروخية لمهاجمة وتدمير الرادار في بطارية القبة الحديدية وبالتالي تحييدها .

الحكم على نجاح القبة الحديدية

11. للحكم على أداء القبة الحديدية في معركة سيف القدس لابد من مراجعة نتائج أدائها في المعركة ومقارنته في الأهداف التي وجدت القبة الحديدية من اجلها :
أ. الهدف على المستوى التكتيكي . تدمير الأهداف الجوية المعادية والتي تطير على ارتفاعات منخفضة ومديات قصيرة من 4 كم الى 70 كم.
ب. الهدف على المستوى الاستراتيجي. تأمين الحماية للمدن والمنشأت من تأثير الهجمات الصاروخية وقذائف المدفعية المعادية.

12. بمراجعة الأهداف ومقارنتها بنتائج الأداء نستنتج أن القبة الحديدية قد نجحت على المستوى التكتيكي وفشلت على المستوى الاستراتيجي.

العقيد الركن دفاع جوي متقاعد
مشهــور فلاح العلي المـومني