السلام الاقتصادي ليس بديلا عن السلام السياسي المحامي راجح أبو عصب
السلام الاقتصادي ليس بديلا عن السلام السياسي
المحامي راجح أبو عصب
صحيفة المنتصف
في تقرير عن اللقاء الذي جرى بين الرئيس محمود عباس ووزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس في مدينة رام الله مساء يوم الاحد الماضي , قال موقع ” ذا تايمز أوف اسرائيل ” إن الرئيس عباس وغانتس ناقشا في أول محادثات رفيعة المستوى وجها لوجه منذ أكثر من عقد من الزمان , العلاقة الفلسطينيه الاسرائيليه من كل جوانبها . وقال حسين الشيخ , عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس الهيئة العامه للشؤون المدينه في تغريده له :” إن الرئيس عباس التقى مساء يوم الاحد الماضي مع بيني غانتس , حيث تم البحث في العلاقات الفلسطينيه الاسرائيليه من كل جوانبها ” .
وفي ذات السياق , قال بيان صادر عن مكتب غانتس : إن الرئيس عباس ناقشا القضايا المتعلقه بالأمن والدبلوماسيه والاقتصاد والشؤون المدنيه في محادثات واسعة النطاق ” وأضاف البيان :أن غانتس أبلغ الرئيس عباس أن اسرائيل مستعده لسلسلة من الاجراءات من شأنها تعزيز اقتصاد السلطة الفلسطينيه ”
وذكر موقع ” تايمز أوف اسرائيل : ان هذه المحادثات بين الرئيس محمود عباس وغانتس جاءت إثر عودة رئيس وزراء اسرائيل نفتالي بينت من واشنطن بعد اجتماعه في البيت الابيض مع الرئيس الأميركي جو بايدن , حيث أثار الرئيس بايدن في ذلك الاجتماع القضية الفلسطينيه مع بينت .
وأضاف الموقع الاسرائيلي يقول :” إن بينت تعهد بدعم حكومة واقتصاد السلطة الفلسطينيه , رغم أنه أي بينت استبعد العمل على إقامة دوله فلسطينيه مستقله . وفي هذا اشاره من بينت أنه يؤيد فكرة السلام الاقتصادي , أي العمل على تحسين الأوضاع الاقتصاديه للمواطنين في اراضي السلطة الفلسطينيه , ولكن في ذات الوقت يستبعد تماما فكرة السلام السياسي الذي يقوم على رؤية حل الدولتين : دوله فلسطينيه مستقله الى جانب دولة اسرائيل . وهو في هذا ينسجم مع موقف استاذه رئيس الوزراء السابق نتنياهو الذي يعارض بشده إقامة الدولة الفلسطينيه المستقله , ويسعى الى تكريس سياسة الاستيطان , ومصادرة مزيد من الأراضي الفلسطينيه , حيث انه سعى منذ أن ألف حكومته الأولى فس سنة 1996 , الى وأد عملية السلام التي مهد لها الرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء اسرائيل الاسبق اسحق رابين حيث عمل نتنياهو على إفراغ اتفاق اوسلو عام 1993 من كل بنوده , وتملل من الوفاء بكل ما التزمت به اسرائيل في ذلك الاتفاق . ويعتبر بينت من اشد مؤيدي سياسات الاستيطان التوسعية , وكان يطالب قبل توليه رئاسة الوزارة الاسرائيليه الحاليه , بضم منطقة “ج” التي تشمل نسبة 60% من أراضي الضفة الغربية الى اسرائيل وكانت صحيفة “هارتس” قد ذكرت إن بينت استبق زيارته لواشنطن ولقاءه الرئيس بايدن بالإعلان أن الادارة المدنية الاسرائيليه ستقر خطة تصادر بموجبها 68 دونما من الاراضي الفلسطينيه ذات الملكية الخاصه , من اجل توسيع قطع في طريق 55 من الضفة الغربيه , يربط بين كفار سابا والمستوطنات الاسرائيليه , وأنه في المستوطنات المجاوره للطريق تخطط حكومة بينت لبناء 5650 شقه استيطانيه خلال السنوات القليلة القادمة .
ومع أن الرئيس بايدن , كما ذكر موقع “ذا تايمز أوف اسرائيل” شدد خلال لقائه مع بينت على أهمية امتناع قيام دولة اسرائيل عن الاجراءات التي من شأنها أن تؤدي الى تفاقم التوترات , وأن تقوض جهود بناء الثقه كما ذكر البيان الذي أصدره البيت الابيض عقب الاجتماع بين بايدن وبينت , إلا أن بينت وحكومته يصران على الاستمرار في إتخاذ الإجراءات التي تقوض الثقة بين الجانبين : الفلسطيني والاسرائيلي من ذلك الاستمرار في سياسة الاستيطان , ورفض فكرة حل الدولتين , ورفض الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينيه .
إذن رفض بينت توصيات الرئيس بايدن السياسية ولكنه أخذ بتوصيات بايدن الخاصه بالشق الاقتصادي حيث شدد بايدن بحسب بيان البيت الابيض على أهمية اتخاذ خطوات لتحسين حياة الفلسطينيين , ودعم فرص اقتصاديه لهم . وهذا الفصل بين السياسه والاقتصاد من جانب بينت إنما يأتي من رفضه الشديد لمبدأ قيام دوله فلسطينيه مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة على حدود العام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية , وهذا الفصل بين السياسة والاقتصاد يجعل من مسالة انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي أمراً بعيد المنال حتى الآن . مع أن الاقتصاد والسياسه مرتبطان ارتباطا وثيقا , ومعلوم أن السياسه تسبق الاقتصاد , وأن الاقتصاد تابع للسياسه , فالدول التي توجد بينها صراعات ونزاعات , تبدأ بالحلول السياسية , من خلال المفاوضات والاتصالات الدبلوماسيه , ومن ثم تأتي مرحلة التطبيع , التي تعني الانفتاح بين تلك الدول المتصارعة والمتنازعه , حيث تاتي بعد إحلال السلام وإعلان انتهاء الصراعات والنزاعات مسالة التعاون في كافة المجالات , وفي مقدمتها المجال الاقتصادي , وهذا ما حدث في اتفاقات السلام بين اسرائيل من ناحيه وكل من مصر والاردن من ناحية أخرى .
ولا شك أن السلطه الفلسطينيه تعاني من أزمه اقتصاديه خانقه , وذلك جراء تراجع المنح والمساعدات المالية الخارجية , خاصه خلال رئاسة الرئيس الأميركي السابق ترامب , الذي قطع المساعدات الأميركيه للسلطة الفلسطينيه , وكذلك نتيجة حظر اسرائيل بعض أموال المقاصه التي تحولها الى السلطة الفلسطينيه من أموال الضرائب التي تجبيها من البضائع المستوردة من قبل التجار الفلسطينيين . كما أن جائحة كورونا ألحق أضرارا شديده بالاقتصاد الفلسطيني إضافه الى تراجع الإيرادات زالزيادة الملموسة في الانفاق العام على احتياجات المواطنين الفلسطينيين : الطبيه والاجتماعية والاقتصادية .
وأن كانت اسرائيل قررت بعد لقاء الرئيس عباس وغانتس ستصادق على تسهيلات جديده للسلطة الفلسطينيه, كما قال موقع “واينت” الاسرائيلي , من بينها إقراض السلطة نصف مليار شيكل وإعادة اموال المقاصه المحتجزه , فإن هذه الخطوات أن كانت ستدعم الاقتصاد الفلسطيني المتعثر , فإنها بدون الحل السياسي , وبدون تطبيق حل الدولتين , فإن السلام العادل لن يرى النور على الأقل في وقت قريب . والله الموفق