أخبار المنتصف
أخبار عاجلة
مقالات

فلسفة السماحة ومفهوم التسامح  ” السيد محمد علي الحسيني”

فلسفة السماحة ومفهوم التسامح

 السيد محمد علي الحسيني

العلامة الحسيني - المنتصف
العلامة الحسيني – المنتصف

صحيفة المنتصف 

ظُلِمَ الإسلام من بعض أبنائه ومن أعدائه، فالبعض من أبنائه بسلوكياتهم الفردية غير المسؤولة والتي لا تمثل الإسلام جعلوا منه دين التطرف والكراهية، وأما أعداؤه فاتهموه بالإرهاب والعنف ظلما وبهتانا، وغفل كلاهما أن هذا الدين قبل أربعة عشر قرنا جاء في ظروف عاشت فيه القبائل العربية مشاحنات وحروبا دامية استمرت لعقود، فجاء الإسلام بفيض نوره ليدخل الديار والقلوب والعقول ويسكن الأرواح بمبادئه التي تدعو إلى التسامح وقيمه السمحة لتضع حدا لذلك الواقع المظلم، وبين السماحة والتسامح مفاهيم متقاطعة وكلها تدور في فلك واحد.

يتقاطع مفهوما السماحة والتسامح باعتبارهما من قيم الإسلام وأخلاقه، وإن كانا متجانسين شكلا متقاربان في المضمون إلا أننا سنغوص في مفهوم كل واحد منهما، وقد بعث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) بهذه القيم عندما قال: «بعثت إليكم بالحنيفية السمحة» وهنا نتأمل في هذه الصفة التي ربط بها هذا الدين الحنيف، وبالنظر إلى معناها فهي صفة من طرف واحد يبذل فيها الشخص ما لا يجب تكرما وتفضلا، وهنا يحضرنا كلام لرسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) عندما قال: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»، فالسماحة هي سلوك حضاري راق متجذر في نفس الإنسان يرسخ مفاهيم الإحسان واللين والرحمة والعفو، فكان لزاما على المسلم أن يكون رحيما سمحا مصداقا لقول الله تعالى في محكم تنزيله:» فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وتساعدنا هذه القيمة الأخلاقية على الشعور بالسلام الداخلي.

ولا شك أن الرسل والأنبياء قد اتصفوا بهذه الصفة المباركة وقد كانوا قناديل تضيء للخلائق دربهم، وإن في قصصهم لآية، ومن هذه القصص ما روي عن روح الله وكلمته عندما أراد القوم رجم امرأة ارتكبت الفاحشة فقال لهم المسيح عليه السلام: «فلينظر من منكم بلا خطيئة فليرجمها»، وهو موقف يعكس أعلى درجات السماحة التي تجلت في خلق وسلوك سيدنا المسيح عليه السلام، فمفهوم السماحة هنا يبدو جليا في ذلك السلوك الذي يتسامى في لحظة كان الجميع يريد أن يعاقب المرأة، لكن مقدار العفو وروح السماحة الذي كان يحمله سيدنا المسيح أكبر بكثير من شعور الآخرين الذين كانوا يريدون معاقبة المرأة والانتقام منها وفقط.

إن التسامح لا يختلف في المضمون كثيرا عن السماحة لكنه لا ينحصر في قيمة أخلاقية ينفرد بها الشخص وإنما تتعداه لتكون بين طرفين وتقتضي المشاركة، وتتعلق بالعلاقة التي تربط بين الأشخاص الذين يتعرضون إلى امتحانات أثناء تعاملهم مع بعضهم البعض في مختلف المجالات سواء الاجتماعية أو التجارية أو الأسرية أو المهنية وغيرها ما تجعل هذه العلاقات على المحك إذا لم يتم اختيار الأسلوب الأمثل لتجاوز هذه التحديات التي تعرض العلاقات إلى مشاحنات قد تصل إلى القطيعة بل إلى الاقتتال والصراعات التي لا نهاية لها، فالتسامح وحده هو الخلق الذي يجمع الناس على المحبة بعيدا عن مظاهر الكراهية والضغينة، بل ويجعلهم يشعرون بالاستقرار، كما يساهم في توثيق الروابط الاجتماعية وتمتينها،»ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» ولا شك أن في ذلك رضا المولى عزوجل وهو القائل: «وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم»، ولاشك أن رسول الله في كل حياته كان سمحا ومتسامحا، وما أروع قصته مع جاره اليهودي التي عكست هذه القيم في أعظم تجلياتها، فكان كلما ألقى اليهودي الأوساخ على رسول الله، كان (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) بسماحته يتجاوز عنه وعندما مرض جاره اليهودي عاده رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) في صورة رسخت خلق التسامح والعفو لدى نبي الرحمة.

ونختم بالقول إن فضيلة السماحة والتسامح كما قال معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى هما من قيم الإسلام العليا تحمل في طياتها معاني رفيعة لخير الإنسانية في سلامها ووئامها وتحالفها، وتلك الفضيلة تمثل الخيار الحكيم لعقلاء العالم.

*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

المصدر :جريدة الرياض+ مكتب العلامة الحسيني بيروت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى