فقه الصلاة… بقلم العلامة السيد محمد علي الحسيني
فقه الصلاة.. بقلمالعلامة السيد محمد علي الحسيني
صحيفة المنتصف
إن الصلاة هي صلة واتصال بالله (عز وجل) وعبادة خاصة له، لها أحكامها وشروطها في الفقه الإسلامي، ولا خلاف في وجوبها عند أتباع الشرائع اليهودية والمسيحية والمحمدية، فإن وجوب الصلاة فيه من ضروريات الدين ما لا يحتاج إلى استدلال أو نظر.إننا نعتقد أن الصلاة أول ما افترضه الله سبحانه على الناس، وأول ما يجب تعلمه من الفرائض، وأول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، وأول ما يحاسب عنه، إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها، فهي عمود الدين وقوامه ووجهه، وموضعها من الدين كموضع الرأس من الجسد ومثلها مثل عمود الخيمة.
إن الصلاة أفضل الأعمال وأحبها إلى الله سبحانه، وأفضل ما توسل به المتوسلون للتقرب إليه، والصلاة مفتاح كل خير، ينور بها الوجه والقلب، وتطمئن بها النفس، وتستنزل بها الرحمة، وتبدل بها السيئات بالحسنات، والصلاة تطرد الشيطان، وتمنع من الطغيان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي أولى وصايا الأنبياء وآخرها لا سيما خاتمهم (محمد صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار)، وكذلك آخر وصية لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)؛ حيث قال: «الله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم».
أدلة وجوب الصلاة
فرض الله (عز وجل) الصلاة على المسلمين في مكة قبل هجرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) إلى المدينة المنورة في السنة الثالثة من البعثة النبوية، وذلك بعيد الإسراء والمعراج، وأكد الإسلام على أن الصلاة من الأركان، ولها منزلة كبيرة، فهي أول ما أوجبه الله من العبادات، وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل.
نأتي إلى الأدلة الشرعية الصريحة من القرآن الكريم والسنة الشريفة التي تؤكد على وجوب إقامة الصلاة، ونستعرض بعضا منها:
– قال تعالى: {إن الصلوة كانت على المؤمنين كتـبا موقوتا}، ومعنى (موقوتا)، أي فرضا محددا بأوقات لا يجوز مجاوزتها.
– {وجعلنى مباركا أين ما كنت وأوصانى بالصلوة والزكوة ما دمت حيا}، ومعناها أن الله (عز وجل) أمر رسوله عيسى ابن مريم بالصلاة ما دام حيا في الدنيا.
– {وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين}، ومعناها أن الصلاة مطلوب إقامتها على نحو الأمر الواجب.
– {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلوة ولا تكونوا من المشركين}، ومفادها التأكيد طلب إقامة الصلاة وأن تكون خالصة لله.
هذا بالنسبة إلى آيات القرآن الكريم.
وأما الروايات التي يستدل منها على وجوب الصلاة فننقل لكم بعضا منها:
– عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) أنه قال: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة يحاسب بصلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر».
– وعنه (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «الصلاة من شرائع الدين، وفيها مرضاة الرب (عز وجل)، وهي منهاج الأنبياء».
– وعن نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار): «أنزل علي وعلى أمتي خمس صلوات لم تنزل على من قبلي».
الصلوات الواجبة وأوقاتها
إن الصلوات التي يجب على المسلم أداؤها، هي الصلوات اليومية الخمس وصلاة الآيات عند الخسوف أو الكسوف أو الزلزلة وصلاة العيدين بشروط، إضافة للصلاة على الميت كفاية.
كيفية الصلاة
إننا نتبع ونأخذ ديننا من صاحب الرسالة الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار)، فهو الأسوة والقدوة ومبين الأحكام، ومنها أحكام الصلاة، حيث طلب من الصحابة تعلمها عنه وأداءها كما أداها، فقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي». وننقل ما جاء في الروايات عن كيفية الصلاة بالإجمال: النية – تكبيرة الإحرام – القراءة من قيام – الركوع – السجود – التشهد – التسليم.
حكمة وفوائد الصلاة
إن الصلاة إقرار بالعبودية المطلقة لله تعالى الخالق العظيم الذي ليس كمثله شيء، ومعراج المؤمن، وقرة عين كل تقي، وهي طاعة للرحمن، وجنة من النيران، وفيها الأجر والثواب والرفعة والدرجات. فعلى المصلي أن يزداد في خشوعه وخضوعه أمام الله، ويطلب منه العفو والغفران من ذنوبه التي اقترفها في حياته.
قال تعالى: {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}، فالصلاة إذا وقعت صحيحة جامعة للشرائط، فإنها تقي الإنسان من المعاصي، وتزجره عن المنكر، وتوجهه نحو الخير، وإن تكرار الصلاة في كل يوم من حكمته تعالى ليكون الإنسان على صلة دائمة بخالقه ومدبر شؤونه.وبالإضافة لهذه الثمرات، فإن الصلاة أقوى الأسباب التي تمد المجتمع الإنساني بالقوى الروحية، فإذا لم تتصل روح الإنسان بخالقها ظهرت عليه الوحشة والاكتئاب، فالصلاة تتيح له الاتصال بالمبدأ الفياض، فتزيل عنه ما ألم به من الهلع والوحشة والاكتئاب، وتودع فيه قوة نفسية يستطيع بها أن يقف أمام الأحداث التي يمنى بها.
ونختم بالتأكيد على أن في الصلاة راحة جسدية ومعنوية في الدنيا والآخرة، وهذا ما أكده الحبيب المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) بالحديث الصحيح: «يا بلال! أقم الصلاة، أرحنا بها».