خاتمة ليست سارة البتة.. بقلم شفيق الدويك
خاتمة ليست سارة البتة..بقلم شفيق الدويك
صحيفة المنتصف
قال: أعيش الآن في غرفة إنعاش بيضاء ضيقة لا جدران لها، و قد مُنعت زيارتي منذ أكثر من اسبوع، و أشعر بأنني قد دخلت عالم الذلّة، و مغموس في ماء سيق ضيق ما بين الموت و الحياة.
تلازمني ممرضة لها عمر أصغر حفيداتي، وأجهزة طبية تُبقي المـــــــــرء على قيد الحياة – أقصد تمكنه من أن يتنفس بعض الهواء الإصطناعي -، و مسلّط عليّ ضوء خافت بخيل ، ولا أملك الآن و أنا على السرير سوى روحي، و جلدٌ يغلّف هيكلي العظمي الهش، المتعب و المتكوّم، كالنــتــفة، عند جزء من مساحة حرم مريول صغير خفيف، و نفسي التي أحس أن لها أحشاء تتمزق لتعاقبني بلا رأفة أو رحمة، وتلومني على ما قد قدمت في حياتي الدنيا، التي أيقنت الآن أنها، قد خدعتني بدهاء مفرط ، تُلوّح بيدها في إشارة وداع أبدي منها إلي.
وجباتي، و ما قبل وبعد وجباتي، مقتصرة الآن على سائل الانبوب الذي ثُبّت على سقف راحتي . وأما اصابعي التي كانت بإشارة منها، وهي تحمل أفخر أنواع السيجار، و مسبحة ثمينة، وتقبض مئات الآلاف، تقيم دنيا المؤسسة و لا تقعدها، قد توقفت عن الحركة تماما، و كأنه العتاب و القطيعة الأبدية…
طبعا… لم أعد الآن قادرا على ترقية أو مكافأة أي موظف كنت قد ظلمته، و أو إيقاف قرار تجميده، و لم أعد قادرا على إجازة أي شيئ جميل أقابل به خالقي، أو الموافقة على أية معاملة أو صفقة نظيفة، أو رد الحقوق كل الحقوق لأصحابها. بعبارة أخرى طُويت صفحتي الموجودة في كتاب المسؤولين الذين كانوا كبارًا …
تكمن مأساتي يا بّنيتي في إنني، و رغم ذكائي الذي أوصلني الى ارفع المناصب و الرتب، لم أفكر في أن يتمكن أي شيئ، هو المرض الشديد الآن، من إختطافي فجأة و إيداعي عند هذه المحطة الاخيرة التي لا ترحم أحدا مثلي.
لي أمنية واحدة يا بُنيتي: أن أستطيع أن أسجد سجدة واحدة مثلكم لكن …طويلة، و أستغفر ربي ثم اقضي .
يا ليتني كنت المتسول الذي نهرته اكثر من مرة عند شباك سيارتي ، يا ليت …