صحيفة المنتصف
قرأت تصريحات الرئيس الرزاز في الغارديانز، وفهمت منها أن الاردن الذي يطالب بدولة فلسطينية مستقلة وفق حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، يرد على قرار الضم الاسرائيلي بطرح التحدي على دولة الاحتلال التي تدعي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، بقبولها حل الدولة الواحدة شريطة ان تكون دولة ديمقراطية بالفعل ينال فيها الفلسطينيون حقوقا متساوية مع اليهود ..،
ولم أفهم من تصريحات الرزاز أن الاردن غيّر موقفه من حل الدولتين أو أنه أجرى بعض التعديلات عليه، فالموقف لا يزال صامداً على عكس الكثير من المواقف العربية، بل وحتى الفلسطينية، فكم من القياديين والمسؤولين الفلسطينيين طرحوا نفس التحدي وطالبوا اسرائيل بحل الدولة الواحدة شريطة أن تحترم حقوق الفلسطينيين الذين سيمثلون حوالي نصف سكان هذه الدولة بعد قيامها .
الاردن تحدث بلسان الملك أمام العالم وحذر اسرائيل من أن عليها أن تقبل بحل الدولتين والا فأن عليها أن تقبل بحل الدولة الواحدة وبرئيس وزراء اسمه (محمد) ،وهذا لم يكن يعني و لا يعني اليوم أن الاردن يقدم بديلاً عن حل الدولتين أو أن لديه خطة احتياط يلجأ اليها في حال فشل حل الدولتين بفعل تعنت اسرائيل ودعم الولايات المتحدة غير المحدود لها كدولة محتلة.
محمود عباس لم يرفض علناً حل الدولة الواحدة وقدم بعض العرب له ولمن سبقه الرئيس الراحل ياسر عرفات نصائح بالذهاب الى هذا الخيار وبنفس الشروط التي تضمن حقوقاً متساوية للسكان العرب في الدولة التي تسعى اسرائيل بكل ما يتوفر لها من دعم اميركي لتكون دولة يهودية نقية وتبحث عن طريقة تتخلص فيها من حوالي نصف مليون فلسطيني – اسرائيلي يقيمون في منطقة المثلث في اطار صفقة تبادل تضغط لتحقيقها مع الجانب الفلسطيني ولو بالقوة كي تسلم المنطقة الاكثر اكتظاظأ بالسكان العرب داخل الخط الاخضر مقابل استيلائها على منطقة الغور والتي لا يعيش فيها سوى عشرات آلاف الفلسطينيين ومن الممكن ترحيلهم بكل بساطة لتتسلم اسرائيل ارضاً بلا ناس.
وهنا يشار الى الخطأ التاريخي الذي ارتكبته السلطة الفلسطينية منذ العودة الى المناطق المحتلة بموجب اتفاق ( غزة – اريحا اولاً) وفيما بعد بموجب اتفاقيات (اوسلو )، فبينما كان على الفلسطنيين الانتشار في المناطق المصنفة على انها (مناطق ج) وتوزيع أكبر عدد من السكان فيها ومنها منطقة غور الاردن الزراعية وتمليكهم الاراضي الزراعية هناك، فان السلطة لم تنتبه الى هذه النقطة فتمركز العائدون في المدن ومارسوا التجارة والوظيفة المدنية والخدمة في الاجهزة الامنية وتركوا الارض الزراعية هدفاً سهلا ً لاسرائيل.
ولو حدث العكس وانتشر مئات آلاف الفلسطينيين في المنطقة الغورية التي تطمح اسرائيل بضمها لغايات امنية وزراعية وتملّك العائدون الاراضي هناك لزراعتها ،لكانت مهمة إسرائيل صعبة في تخليصها من سكانها ولما فتحت شهية حكومة المتطرفين على الضم.
الرزاز لم يخطيء ولم يتراجع عن تصريحاته وليس عليه ان يفعل ذلك ،ولو صدرت تصريحاته عن مسؤول فلسطيني لتعامل معها الاعلام على انها تكتيك مقبول ولما اخذت كل هذا الجدل، لكن الرزاز رجل اقتصاد وادارة ولذلك رأى المجادلون انه ليس من حقه ان يقدم افكاراً سياسية ولو في اطار مقابلة صحفية، وهذا غير صحيح فهو رئيس وزراء الاردن ومن واجبه أن يجيب عن أي سؤال يطرح عليه حتى لو تعلق بعلم الفضاء ما دام يخص الاردن .
كان القذافي قبل عشرات السنين قد طرح حل الدولة الواحدة واقترح اسماً للدولة العتيدة (اسراطين) وفي الاردن وفلسطين سياسيون واعلاميون هنا وهناك يرون أن حل الدولة الواحدة هو الحل الواقعي للقضية الفلسطينية بل يؤيدونه بقوة ولكنهم يلتزمون الصمت الا في الغرف المغلقة ،وحتى عندما يتجرأ أحد السياسيين في طرح هذا الحل الجدلي يواصلون التزام الصمت او انهم ينقلبون على قناعاتهم ،وكل حسب مرجعيته السياسية .
استغرب أن يقال إن الموقف الاردني تغير، وازداد غرابة ممن يروجون بتذمر لفكرة يريدونها ويرون فيها الحل.
أما أكثر ما يثير الدهشة أن نتجاهل الاصوات الفلسطينية داخل الخط الاخضر وفي مناطق السلطة والذين ينادون بدولة ديمقراطية واحدة للشعبين اليهودي والفلسطيني ، ولكن لسبب ما هؤلاء يتم التغاضي عن افكارهم والتي ترقى احياناً الى مستوى الطموحات ،لكنها مع ذلك طموحات لا تقبل اسرائيل بتحقيقها ،لانها دولة قامت على اساس عنصري وليس في نيتها أن تتنازل عن هذا المبدأ دون ان تجبر على ذلك،ولكن من يجبرها ما دامت الاراضي المحتلة تعيش حالة سلام مريب.
فلا أحد يقاوم الاحتلال ،ولا أحد يسعى لتحرير المحتل من الارض ،ولا احد يحتج في الميادين على قرارات الضم التي تصدرها دولة التطرف والارهاب تحت أعين المجتمع الدولي وسمع الفلسطينيين وبصرهم .
الاردن ثابت عند الموقف الذي يضمن حلاً عادلا للقضية الفلسطينية، ولكنه الحل الذي يضمن ايضاً مصالح الاردن السياسية والاقتصادية والامنية والاستراتيجية.
أما رئيس الوزراء الرزاز فتعرض لتنمر إعلامي ليس لانه هرّف فيما لا يعرف ،بل لانه افرج عن مبادرة تحد لاسرائيل من المهم على الفلسطينيين والعرب الا يتجاهلوها لانها تضع دولة الاحتلال في موقف سياسي لا يخلو من الحرج امام العالم .