أخبار المنتصف
أخبار عاجلة
غزةمجتمع المنتصف

سميرة .. بائعة الخبز الفلسطينية”تقرير”

سميرة .. بائعة الخبز الفلسطينية

سميرة بائعة الخبز - المنتصف
سميرة بائعة الخبز – المنتصف

صحيفة المنتصف
غزة- تقرير من اعداد الزملاء 

مصطفى دوحان

عبد الرحمن ابو عزوم

بيتٌ من البيوت القديمة يأوي تلك المرأة وأطفالها الثلاثة صورتهم تعطيك وصفاً ممزوجاً بالأمل والألم، تتوسطه الأم اليافعة سميرة مشمرة عن يديها الممتلئة بالدقيق الأبيض يختلط بنعومتها الرقيقة لتشكل بإبداعها خبزاً يشتهيه كل من يشم رائحته، فقد صُنع بإتقان وبنفسِ زكية وبجهدٍ يعلم تماماً قيمة الكفاح في هذه الحياة المليئة بالصعوبات.
بائعة الخبز الفلسطينية “سميرة عبد العال ” 35 عاماً من رفح، وجدت نفسها في هذا العمر مطلقة وأمٌ لثلاثة أطفال، وان كانت تشبه الى حد ما قصتها الرواية الشهيرة للكاتب كزافييه دو مونتبان “بائعة الخبز، الا ان معاناة والآم الفلسطينيات اكثر جرحاً مما نسجته الرواية..
ابتسامتها تزيل رمادية الواقع
ما أن تتعمق في تفاصيل حياتها اليومية حتى تدرك سريعا كواليس حياة هذه المرأة، ورغم الفقر وصعوبة الحياة فهي متعففة مكافحة، امرأة يسمونها في المجتمع «الخبازة» أي بائعة الخبز.
خلال عملها الدؤوب في صنع الخبز ترسم على ملامحها ابتسامةً تضيء عتمة الألم المنسكب على تفاصيل حياتها حتى يذوب مثلما يذوب الدقيق في الماء الدافئ لينسج عجيناً يشتهيه الكثير من الجيران المحيطين بها، فرغم عدم وجود معيل يحمل عن كاهلها المسؤولية الأبوية تجاه أبناءها ليكونوا قادرين على العيش بظروف تسمح لهم بالحلم والحياة، إلا أنها ترفض مطلقاً فكرة الاستسلام لهذا الواقع والاتكاء على حبلِ متقطع من الأمل لا يكاد يظهر، فلا يكفيهم راتب الشؤون الاجتماعية التي يزورهم خجلاً كل ثلاثة أو أربعة شهور.
لا تكتفي الظروف بمواجهة سميرة في الوقوف أمام دورها في الرعاية الأبوية لأطفالها والحصول على عمل يرأب صدع عدم وجود زوج يشاركها التربية واعالة البيت، بل وتساهم بشكل كبير في اعالة بيت أبيها العجوز وزوجة أبيها المقعدة وتحاول جاهدةً في توفير مستلزمات الحياة لهم دون الحاجة لأحدٍ لتطلب منه مساعدة، فهي ترى نفسها قادرة على تجاوز هذه العقبات بكل ما فيها من جهدٍ وحياة.
لقمة العيش تحتاج للعمل الدؤوب
ترى سميرة أن بيع الخبز مصدر عيشها وبدونه ليس الا الضياع والتشرد.. تسطع الشمس عليها فتمدها بالقوة والصبر لتبدأ الرحلة المتعبة في طهي الخبز وبيعه وايصاله للبيوت، اضناها المسير وأتعبها البحث العسير لكنها الحياة التي لم تجد غيرها فوافقت على قبولها متحديةً العادات والتقاليد وايماناً منها بالدور الإنتاجي الذي تجده أمراً يجب على المجتمع تقبله، فالعمل بجدٍ يغلق الأبواب أمام طلب المعونات من الاخرين وتذليل النفس للحصول على لقمة العيش.

سميرة بائعة الخبز - المنتصف
سميرة بائعة الخبز – المنتصف

تحلم سميرة بأن ينشئ اطفالها في جوِ أمن خالي من الحرمان والضياع والتشرد، فتحاول جاهدة تلبية رغبات أبنائها من لباس وتعليم ورفاهية وتغرس في أفكارهم الحياة بنظرتها المليئة بالأمل، وتحلم بأن يكونوا مستقبلاً قادرين على الوصول للنجاح يرسمون لهم حياةً دون معاناة.
خلال عملها في صنع الخبز تروي لنا سميرة بأنفاسها المتقطعة فكرة البداية والتي بدأت بشغل يدوي بيتي، مضيفة ” بدأت أتعاقد مع الموظفات والمدرسات ووجدت اقبالاً على الخبز البلدي، ومع مرور الوقت وجدت اقبالاً مستمراً من سكان المنطقة التي أقطن فيها نظراً لجودة الخبز ورغبة الناس بالخبز البلدي أكثر من المخبز المنسوج من المخابر الألية”
لقد أصبح الناس يطلبوا بشكلٍ يومي خبزاً من صنع سميرة حتى اتسعت رقعة الأمل ليتخطى حدود المنطقة وينتشر في عدة مناطق في محافظة رفح، ليهديها القدر فرصة الحصول على دعم معنوي وفرصة ريادية لتطوير هذا العمل ليتسنى لها المضي فيه دون عوائق.
عوائق محتمة تواجه الحلم بالوصول للنجاح
وتواصل سميرة بالحديث قائلة “في البداية تلقيت الدعم من الجيران والأقراب لتطوير هذا المشروع ولكن واجهتني عدت صعوبات في تطويره لأن الآلات غير متوفرة ونادرة وسعرها مرتفع غير أن الوضع الاقتصادي للبلد صعب جداً في هذه الفترة حتى الموظف، عندما كان يتعامل معي الموظف او الموظفة أفتح لهم دفتر لدين لأتقاضى أجرتي على الراتب، لكن رغم التعب الا انه سعادة وشعور لا يوصف لما تلاقي ناس بتحب المنتج.”
لم يكن بالبداية أمرها مقبولاً في مجتمعنا!
يقول أبو أحمد ذو الأربعين عاماً، لم أكن متقبلاً لفكرة أن إمرأة تصنع الخبز للناس مقابل اجرة، وهذه الرأي تجده عند كثيراً من الناس حيث الثقافة التي يسودها المجتمع المتمثل بالعادات والتقاليد والبيئة التي نعيش فيها تقيد عمل المرأة ويقتصر على الانشغال باعمال البيت وتربية الأطفال.
لكن هذا الأمر لا يحدها من مواصلة هذا العمل لكسب رزقها فلا يوجد لها معيل وإلا فمصيرها الركض من جمعية خيرية لاخرى لتستطيع النجاة في ضل هذه الظروف الصعبة.
طعمه مُختلف!
تتحدث أمل عن الخبز الذي تصنعه سميرة وتقول ” لقد ساعدتني سميرة كثيراً في سد حاجتنا للخبز فأنا موظفة وزوجي كذلك، ولا نتقبل غالباً الخبز الألي، ووجدنا بأن الخبز الذي تصنعه سميرة يمتلك جودة عالية وطعمه مختلف المذاق عن الصنع الذي نشتريه من المخبز الالي”
حلمٌ يأبى التوقف
تسعى سميرة ان تستمر في تطوير مخبزها وتحلم بتسميته باسم ” الجدعة” لأنه فعلا يليق بسيدة متلي، أيضاً لأعطي اعتزاز لكل امرأة ظروفها صعبة انها تتحدي الصعوبات وتقف علي رجليها وتقول فعلا انا قدرت احقق جزء من هدفي حتى لو ما نجحت سوف أكرر محاولتي لأكون امرأة ناجحة وأيضاً قدرت اني أعيل أسرتي وأبي.
حكاية طويلة تحمل بداخلها صورا وعبرا تسطرها سميرة بتفاني دون أن تلاحظ في تفاصيل عينيها المليئة بالأمل شيئاً يدل على الإحباط، رغم كل الصعوبات التي تواجهها، فهناك خفايا واسرار بين السطر والسطر، دمعة تبحث عمن يمسحها وجرح يبحث عمن يلملمه وخاطر مكسور يبحث عن يد تجبره وتعيد له الامل.. هذا ما تجده في بداية الأمر، لكن الناظر متفحصاً في تفاصيل الحياة التي تعيشها سميرة هو كفاحٌ يقضي على المعاناة، وصراعٌ منسوج بالأمل يقضي على الألم، وعزيمةٌ جادة تنزع من أشواك المأساة ورداً وحياة مكللة بالجهد والعمل الدؤوب لتكمل مسيرتها المليئة بالكفاح لأجلها ولأجل أبنائها وصولاً لبيئة أمنة محفوفة بحنان الأم ودفئ الخبز المصنوع من يديها الرقيقة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى