أخبار المنتصف
أخبار عاجلة
مقالات

مُستَحَقَّات السلام..بقلم عصام زيتون

مقالة رأي

مُستَحَقَّات السلام… بقلم عصام زيتون

عصام زيتون -المنتصف
عصام زيتون -المنتصف

صحيفة المنتصف

رسالةٌ مفتوحة إلى شعب الإمارات الأصيل وإلى قيادته الحكيمة والشجاعة.
قبل أن تختاروا مكان سفارتكم في تلّ ابيب ارجو أن تقراوا هذا السطور.

القدس, قدس الأقداس, مدينة السلام, زهرةَ المدائن وعروس العرب والعروبة. إليها ترحل العيون كلّ يوم وفيها تلتقي الصلوات. كان دخولها -ومايزال- حلم كلِّ قائد سياسيّ أو عسكريّ عربي أومسلم منذ تفكيك الخلافة العثمانيّة في مطلع القرن العشرين. فكلّ من يرفع رايتها يحظى – وبدون أي جهود إضافيّة- على رضى الجماهير وتأييدهم ومباركتهم إلى درجة الخضوع..

لكنّ المُستَعرَب أنّ كلّ هذه الهالة من القدسيّة والرمزيّة والأهميّة الّتي يُسبِغُها عربُ القرن العشرين على مدينةَ القدس كانت غائبة عن ذهن كافّة القادة والدول والممالك والإمارات الإسلاميّة الّتي تعاقبت على السيطرة على المدينة عبر التاريخ, فلم يصدف أنّ أحداً منهم اتّخذها عاصمةً لدولته, أو مَقَرّاً لإقامته, ولا حاول اكتساب شرعيّةٍ ما, أو افضليّةٍ ما من خلالها.

تاريخيّأً لم يظهر الإسم العربيّ للمدينة (القدس) إلّا مع بداية العصر العبّاسي, وقد كان يُطلق عليها إسم إيليا كابتولينا, الإسم الّذي أعطاهُ الرومان للمدينة عام 70 ميلادي (بدلاً من إسمها العبري أورشالايم المذكور في الكتاب المقدّس) بعد أن دمّروها وطردوا اليهود منها عقاباً لهم على ثورتهم ضدّ فساد الرومان واستبدادهم.
لقد ورَدَ ذكر المدينة في التراث الإسلامي لأوّل مرّة بإسم إيلياء في أحدى الروايات الصحيحة للحديث النبويّ الشريف: لا تُشَدُّ الرِحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد, المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد إيلياء. وورد بعد ذلك أيضاً في نصِّ العُهدة العمريّة المُوَقَّعةِ من الخليفة عمر بن الخطّاب شخصيّاً وتمّ استخدام إسم إيلياء للمدينة, وعندما خطب في أهلها قال: يااهل إيلياء لكم مالنا وعليكم ماعلينا . وبقي هذا الإسم مُتَداوَلاً على النقود المصكوكةِ وفي الوثائق التاريخيّة وحتّى في التراث الأدبيّ دون تغيير خلال كامل الفترة الأمويّة.
الثابت أيضاً بأنّ إسم القدس لم يرد ذكره في القرآن الكريم ولا مرّةً واحدة. وبالتالي فإنّ إسم القدس لايمكن إلّا أن يكون مشتقّاً من, أو اختصاراً لمصطلح (بيت المقدّس) الّذي ورد في بعض الأحاديث النبويّة للدلالة على المسجد الأقصى وليس على مدينة القدس, وهو بالأصل ترجمةٌ للمصطلح العبراني (بيت هاميكداش) المتكرّر الذكر في التوراة والّذي يعني بالعربيّة: البيت المقدّس, وهو نفس المسمّى الّذي تطلقه التوراة على الهيكل المقدّس أو هيكل النبي سليمان الّذي صار إنكار وجوده يُعتَبرُ أحد أركان دين الإسلام القومي العربي المُستَحدَث منذ بداية القرن العشرين.
يستدلّ مسلمو مشيل عفلق وقوميّو المفتي أمين الحسيني على النبوءة القرآنيّة بحقّهم بالإستفراد في مدينة القدس العربيّة والمسجد الأقصى كأولى القِبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الأعظم, ويحاجّون الثقلين بافتتاحيّة سورة الإسراء:
بسم الله الرحمن الرحيم: سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لتُرِيَهُ من آياتنا إنّه هو السميع البصير. صدق الله العظيم

والآية الكريمة في ظاهرها وبدون ربطها بالآيات الّتي تَلَتها تُنبئ بمعجزة الإسراء وبأنّ المساحة المحيطة بالمسجد الأقصى مُبارَكٌةٌ وبأنّ الله جلَّ وعلا قد أسرى برسولَه الكريم إلى المسجد الاقصى ليُرِيَهُ من آياته.
فليس في الآية ما يوحي ولو تلميحاً لأحقيّة المسلمين بالمسجد الأقصى. وأمّا إذا أردنا فهم الآية الكريمة في سياق ماتلاها مباشرةً من إخبارٍ عن قصّة بني إسرائيل ونهاية الزمان وفي السياق العامّ للسرد القرآني لقصص بني إسرائيل وأنبياءهم, فالمعنى مختلفٌ تماماً. وأمّا تفسير هذه الآيات بسلسلة من الأحاديث الّتي تتحدّث عن نهاية الزمان وقتال المسلمين لليهود وشجر الغرندق والأحاديث النبويّة في فضل القدس والمسجد الأقصى والّتي لم تظهر إلى التَداول إلّا في بداية القرن الثالث الهجري, فهذا فيه استخفاف بشريعة ربّ العالمين وآياته وتضليل للأجيال بنصوص تعارض المنهج القرآني العامّ سرداً ومضموناً في كلّ مايتعلّق بأهل الكتاب وبني إسرائيل والأرض المقدّسة وأخبار نهاية الزمان وعلامات الساعة, ناهيك عن أنّ واقعة الإسراء تمّت قبل أنّ يكون هناك في الأرض المقدّسة إسلامٌ ولا مسلمين ولا مساجد , بل لم يكن على المسلمين في وقتها صلاةً مفروضة أصلاً, فالمتعارَف عليه بأنّ الصلاة فُرِضت على النبيّ محمّدِ وعلى أمّتِهِ خلال رحلة المعراج الّتي تلت رحلة الإسراء مباشرةً. وإلّا مالّذي منع الخليفة عمر ابن الخطّاب -الأقرب زماناً ومكانةً للرسول الكريم من البخاري ومسلم- من الصلاة في المسجد الأقصى المزعوم يوم استلم مفاتيح مدينة القدس ودخلها سِلماً لأوّل مرّة عام 16 هجري!؟ فالثابت تاريخيّاً بأنّ الخليفة عمر بن الخطّاب, وبعد أن وقّع العهدة العمريّة في كنيسة القيامة ومع دخول وقت الصلاة رفض دعوات القائمين على الكنيسة بالصلاة فيها, فقد كان يخشى إن صلّى في الكنيسة أن يأتي يوم يُطالِب فيه المسلمون بالكنيسة بحجّة انّ خليفة رسول الله قد صلّى فيها. خرج الفاروق عمر من الكنيسة لمسافة 50 مترِ تقريباً لإلى أرضٍ خالية جنوب الكنيسة, وفرش عباءته وصلّى على الأرض. وقد تمّ بناء مسجد في نفس ذلك المكان وهو مازال قائماً إلى يومنا هذا واسمه مسجد عمر بن الخطّاب. لم يذهب أعدل من مشى على الأرض بعد أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام وأفقههم إلى مايُقالُ عنه اليوم المسجد الأقصى على بعد مئتي متر من مكان صلاته, والّذي كان يومها ركاماً كما تركه الرومان بعد تدمير الهيكل سنة 70 ميلادية ولم يكن هناك أثر لمسجد قبّة الصخرة ولا للمسجد القبلي (الأقصى). أمّا المبنى الحالي الّذي يعرفه الجميع على أنّه المسجد الاقصى المبارك فقد تمّ بناؤه في عهد الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان بين عاميّ 64 و73 للهجرة, في نفس الفترة الّتي ثار فيها عبد الله بن الزبير وتمرّد على الأمويّين بعد رفضه مبايعة يزيد بن معاوية بعد مقتل الحسين بن عليّ. أعلن الزبير نفسه خليفةً للمؤمنين وتحصّن في مكّة. خرجت مصر والعراق والجزيرة عن سلطة دمشق ولم يبق للأمويّين إلّا الشام. عجز الأمويّون في تلك الفترة عن تسيير قوافل الحجّاج وحمايتها من الشام إلى مكة بسبب سيطرة ابن الزبير على الطريق وعلى مكّة والمدينة. عرّض هذا الواقع هيبة الدولة الأمويّة للإهتزاز, وشرعيّتها للتشكيك, الأمر الّذي دفع الخليفة عبد الملك بن مروان إلى استصدار فتوى بجَوازِ حجِّ أهل الشام إلى القدس ومسجدها الأقصى كبديل عن مكّة ومسجدها الحرام. إستغلّ الأمويّون هجر اليهود لهيكلهم المدمّر منذ أكثر من خمسة قرون, وإيمانهم بأنّ الله يحرّم عليهم دخوله أو إعادة بناءه قبل استيفاء شروطٍ معيّنة كما تنصّ النبوءات التوراتيّة, فتمّ ردم المكان الّذي صارِ يُعرف لاحقاً بالحرَم الشريف وباحات المسجد الأقصى والّذي تبلغ مساحته الإجماليّة حوالي 150 ألف متر مربّع, ورصفه جزئيّاً بالحجارة الضخمة وأُقيمَ فوق جداره الجنوبيّ مبنى يعلو مستوى أرضيّته بأكثر من عشرين متراً عن مستوى الأرض عند حائط المبكى أو حائط البُراق خارج الجدار, وأمّا ماظهر واضحاً من بقايا الأبنية المدَمَّرة فقد أُقيمت عليها القباب في عدّة مواقع من الحرم الشريف, وأكبرها قبّة الصخرة الّتي بناها الايّوبيّون بعد تحرير القدس من الصليبيّن. نفس الصخرة الّتي تستمدّ قدسيّتها في التراث الإسلاميّ من أنّها الصخرة الّتي عرج منها نبيّ الإسلام إلى السماء في رحلة المعراج, وقد أُحيكت الكثير حولها من الأساطير. هي نفس الصخرة الّتي يعتقد اليهود بأنّ النبي إبراهيم همَّ بذبح ابنه قرباناً لله وامتثالاً لرؤياه في المنام. وهي نفس الصخرة الّتي يعتقد المسيحيّون بأنّ المسيح صعد منها إلى السماء, وعليها سيهبط عندما يعود في آخر الزمان.

خلاصة القول أنّ الرواية العربيّة الحديثة في مايخصّ مكانة مدينة القدس في الإسلام وارتباط المسجد الأقصى بالمسلمين, هي رواية سياسيّة مُبتَدَعةٌ لاتمتّ للشرع الإسلامي بصلة, إن هيَ إلّا أسماءٌ سمّيناها نحن وآباؤنا ما أنزل الله بها من سلطان, إن نتَّبعَ إلّا الظنَّ وما تهوى الأنفس, ولقد جاءَنا من ربّنا الهدى.
يقول تعالى : بسم الله الرّحمن الرحيم
ولكلِّ وِجهةٌ هو مُولّيها, فاستبقوا الخيرات. صدق الله العظيم
والمُرادُ هنا بالوِجهَةِ هو القِبلة, أي لكلّ أمّةٍ قبلتها, وقِبلَة اليهود هي بيت المقدس في القدس بنصّ القرآن, وقبلة المسلمين هي الكعبة في مكّة المكرّمة.
ويقول أيضاً : ولئن أتيت الّذين أُتوا الكِتابَ بكلِّ آيةِ ما تَبِعوا قِبلَتَك, وما أنت بتابعٍ قِبلَتَهم, وما بعضكم بتابعِ قِبلَة بعض. صدق الله العظيم
وهذا إقرارٌ قرآنيّ واضحٌ جليٌَ لايحتمل التأويل بأحقيّة كلِّ أمّة بقبلتها وسيادتها على مقدّساتها وودوب الإحترام المتبادل بين الأديان السماويّة, وبالتالي تحريم تعدّي أيّ امّة على قبلة امّة اخرى أو على مقدّساتها مهما بَدَتْ الأسباب السياسيّة والمُوجبَات التاريخيّة مشروعةً ومُحِقَة.

سبحانك لاعِلم لنا إلّا ما علّمتَنا, إنّك أنت العليم الحكيم.

المقالة تعبر عن رأي شخصي للكاتب وليس لتوجهات او رأي الصحيفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى