أخبار المنتصف
أخبار عاجلة
الأردنمقالات

الأمن الغذائي وإستراتيجية تحقيقه..بقلم الدكتور انور العجارمة

د.انور العجارمه -المنتصف
د.انور العجارمه -المنتصف

صحيفة المنتصف

الدكتور انور العجارمة
خبير اقتصادي ومقرر اللجنة الاقصادية الاسبق في مجلس النواب ورئيس مجلس ادارة الشركة العامة الأردنية للصوامع والتموين كتب مقالة بعنوان: الأمن الغذائي وإستراتيجية تحقيقه.
ان مايشهده العالم من تدهور ومعاناة أكثر من 950 مليون فرد من الجوع حول العالم فقد اخذ موضوع الأمن الغذائي عناية كثير من دول العالم والمنظمات الدولية ذات الشأن واعتباره بمثابة طريق تحقيق الأمن في العالم، ويُعرف الأمن الغذائي على انه توفير كل مايحتاجه أفراد المجتمع من منتجات غذائية ودوائية بنوعية تُمكّنهم من العيش بشكل صحي وآمن؛ كما أنه لايمكن لاي دولة بناء منظومة أمن غذائي مطلق ومستدام ضمن عالم متداخل المصالح ومعتمد على بعضه البعض ويسوده عدم اليقين في بروز التهديدات والتي تفوق في غالب الأحيان امكانيات تذليلها قدرة دولة بمفردها وقد يتطلب جهود ذات طابع دولي لمواجهتها والتخفيف من مسبباتها وهذا ما سيكون سبباً في عدم قدرة اي دولة التقيد بكافة حلقات الابعاد الرئيسية للأمن الغذائي الشامل والمستدام والمتمثلة بمدى امكانية توفير الغذاء دون انقطاع (Availability) بنوعية مناسبة صحياً (Food Safety) ودون قيود (Food Accessibility) وبسعر مستقر (Stability) واما حالة الاردن وموقفه من الأمن الغذائي والدوائي بالاضافة للأعلاف يعتبر ليس مطلقٌ ويعتمد بصفة نسبية على الواردات الى جانب الاعتماد على الذات وبالتالي يكون سبباً رئسياً في عدم تحقيق معايير الاستدامة بالابعاد الاربعة المتعارف عليها، الا ان الاردن وبتوجيهات ملكية مباشرة استطاع تعزيز قدرة المخزون الوطني ورفع كفاية المخزون الاستراتيجي لمستويات آمنة ليغطي المخزون من القمح مايكفي لاستهلاك السوق بنحو 18 شهر و 10 شهور لمخزون الاعلاف اضافة الى قدرة قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية والصناعات الغذائية على تلبية احتياجات السوق المحلية بأصناف مختلفة ونوعية راقية وبأسعار معقولة ودون انقطاع ومنها الخضار والفواكه بأنواعها، واللحوم والدواجن، وبيض المائدة، ومنتجات الألبان والبقوليات ومنتجات اللحوم المصنعة والزيوت النباتية ومنتجات المخابز بأشكالها وغيرها وبذلك يمكن اعتبار الحالة الاردنية فريدة بين دول العالم.
ان التقاط جلالة الملك لرسالة الأمن الغذائي وايلاء جل الاهتمام بسبل الشمول والاستدامة واعتباره جزء لايتجزئ من الأمن القومي وتوجيه الحكومة الى وضع الخطط الكفيلة بتوفير منظومة متكاملة لتحقيق تقدم نسبي نحو الأمن الغذائي المستدام وتعزيز للاعتماد على الذات تفادياً لاي تهديد او تأثير قاهر وضمان وصول الأغذية لمستهلكها بشكل مستمر وبأسعار وجوده مناسبه، لذلك اقتضت توجهات جلالة الملك العمل بمسارين الاول فوري وقصير المدى يعُنى بالاستمرار في توفير مخزون وطني استراتيجي من الحبوب والغذاء والأعلاف وتحت اشراف كامل من الحكومة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة وقد تكفلت الشركة العامة الاردنية للصوامع والتموين حفظ وإدارة المخزون كما وتكفلت مؤسستي الاستهلاكية المدنية والعسكرية كذراع توزيع ضماناً للمضاربات والاستغلال غير المسؤول لقوت المواطنين الرئيسي، اما المسار الثاني وهو الاهم نحو التنمية يتمثل بالمسار طويل الاجل والذي يتطلب من الحكومة اتخاذ جملة من الإصلاحات والسياسات والمشاريع لتعظيم المصادر الداخلية في تأمين الاحتياجات الغذائية والدوائية واعلاف الثروة الحيوانية وبالمستوى المطلوب كماً ونوعاً وتكلفة وزمن، وهنا اجد نفسي ملزماً بتقديم جملة من المقترحات لدعم الحكومة من تحقيق مسؤلياتهم تجاه تعزيز موقف الاردن في تحقيق الأمن الغذائي الشامل اخذين بعين الاعتبار أن أبعاد الأمن الغذائي مترابطة وغير منفصلة و تتأثر ببعضها البعض (أي بُعد يتأثر بالأبعاد الأخرى):
اولاً: ايجاد وزارة مختصة بشؤون الأمن الغذائي والدوائي والمخزون الوطني الاستراتيجي بمفهومه الشامل لتُعنى بفرض سيطرة الحكومة على تكاملية سلسلة امداد الأمن الغذائي والدوائي بالاضافة لأعلاف الثروة الحيوانية والتحكم بالروابط الاقتصادية للقطاعات المختلفة من خلال دعم الشركة العامة الأردنية للصوامع والتموين للقيام بالغايات التي انشئت من اجلها كذراع لحفظ وإدارة المخزون من الحبوب والغذاء الاضافة للأعلاف (صوامع الحبوب، المطحنة، المستودعات الجافة والمبردة) وأستثمار فكرة جلالة الملك القاضية بالتخزين وفق مايعرف بالمستوعبات والتي عززت قدرة المخزون الوطني ورفع كفاية المخزون الاستراتيجي لمستويات آمنة، وعليه نرى وجوب تمّكين الشركة من الولاية على كافة مرافق المخزون الوطني في جميع انحاء المملكة اضافة لصوامع العقبة لأهميتها كمنفذ بحري دون اي ازدواجية مع اي جهة آخرى كما ويتطلب الامر اعادة النظر بذراعي توزيع المواد الغذائية ووسيلة موازنة الاسعار بالتوافق مع توجهات الحكومة للامن الغذائي من خلال هيكلة ودمج المؤسستين المدنية والعسكرية لضبط التكاليف التشغيلية والراسمالية وتوحيد المرجعية والمسؤوليات بالاضافة لضم المؤسسة العامة للغذاء والدواء تحت مظلة الوزارة وتوسعة نطاق عملها ليشمل مختبرات الغذاء والدواء والحبوب.
ثانياً: على الحكومة تقييم واقع الموارد المتاحة وتحليل السلوك الاستهلاكي الاردني من الغذاء بمختلف مكوناته واختزاله بمصفوفة ذات أبعاد وروابط مترابطة (نباتي وحيواني ومصنع) وتقدير الفجوة الغذائية والوقوف على المعوقات والتهديدات المحتملة وتأثيراتها لتحديد الافاق الاكثر تأثير واستجابة وتجذيرها بإستراتيجية أمن غذائي شامل (زراعة وتصنيع وتخزين وتوزيع) اساسها الاعتماد على الذات من الاحتياجات المختلفة (الانتاج الزراعي والحيواني، الصناعة الدوائية والغذائية)
ثالثاً: على الحكومة تشجيع شراكة القطاعين الخاص والعام بعيداً عن عقلية الجباية التي يتحكم بها القرار المالي والتي تتطلب توجيه الاستثمار الحكومي ليكون أكثر حضوراً في قطاعات تهيئة البيئة والبنية التحتية والتشريعية والتحفيزية وفق معادلة منصفة لتنمية الانتاج النباتي والحيواني والصناعات الدوائية والغذائية والتي تعود بالنفع على اطراف المعادلة (الخزينة والمستثمر والمواطن) وهذا يتطلب من الحكومة وضع ضوابط ومعايير متزنة لتعزيز تنافسية المنتج الاردني داخلياً وخارجياً وعلى رأس ذلك دعم الطاقة وتخفيض الضريبة العامة وضريبة المبيعات والرسوم بمعدل دورة اقتصادية قادمة (مدتها خمسة سنوات) بالاضافة لتخفيض الرسوم الجمركية لحاجة القطاع من المستوردات وتقسيطها لسنتين وهذا من شأنه توفير السيولة وزيادة القدرة الشرائية والإنفاق الاستهلاكي وتعزيز افضلية المنتج الاردني لحمايته من خطورة الإغراق في حين يولي القطاع الخاص اهتمامه لخلق الافكار واستثمار الفرص وتعظيم المنفعة لتحقيق قيمه مُضافة من شأنها توجيه هيكل الأمن الغذائي للاعتماد على الذات.
رابعاً: على الحكومة وفقاً للمصفوفة الغذائية والصناعات المرتبطة بهذا القطاع إزالة معوقات تحفيز مشاركة القطاع الخاص في إقامة مشاريع تعزز الجدوى والقدرة التنافسيه وبناء سياسات مرنة والعمل على إستصلاح وتوسعة رقعة الاراضي الزراعية وتزويد القطاع بالتقنيات الحديثة واقامة السدود والتجمعات المائية ودعم البحوث الزراعية لتزويد الاصول الجيدة والاسمدة والادوية المناسبة وتعزيز دور الارشاد الزراعي في العمل الميداني للاشراف على تنفيذ خطط الانتاج (كمي ونوعي ومواعيد القطاف) والتي تضمن تسويق مجدي بعيداً عن الاغراق اضافة لتحفيز العمل بالقطاع الزراعي والثروة الحيوانية وتعزيز مشاركة المرأة الريفية في عملية التنمية وتنويع مصادر الدخل.
خامساً: فتح اسواق جديدة للمنتجات الاردنية (الغذائية والدوائية) ذات الفرص التصديرية ووضع خطة حكومية وتوقيع بروتوكلات لدخول الأسواق الرائدة (اقليمية وعالمية) وهذا يتطلب من الحكومة تبني أنموذج تصديري مرتبط بإستراتيجية ضبط جودة المنتج وخفض التكاليف وإزالة معوقات تنافسية للمنتج الاردني وتشجيع الابتكار لمنتجات جديدة توائم متطلبات الاسواق الخارجية مثل صناعات المواد الغذائية (الحلال) تستهدف مستهلكي دول غربية وصناعات المنتجات الزراعية والحيوانية الخالية من الاسمدة والمعالجات الكيميائية وتبني قطاعات الأبتكار في البحوث الزراعية والدوائية وماينبثق عنها من حقوق ملكية وايجاد مصانع ومختبرات لأمصال الكائنات السامة وتصديرها لشركات الأدوية العالمية الى الصناعات الطبية (كمامات، معقمات، مطهرات، منظفات، المستلزمات والملابس الطبية…).
املين من كافة الاردنين واصحاب العقول الحكيمة المبادرة لطرح افكار بناءة تستحق تبنيها للمساهمة في بناء خارطة طريق للوصول الى إستراتيجية أمن غذائي ودوائي والتوجه بشكل ايجابي بعيداً عن الضبابية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى