الفنان إبراهيم حجازي “رؤية فنية فريدة في السرد التشكيلي” بقلم عمري حسنين
بقلم الاعلامي عمري حسنين
الرؤية الفنية الفريدة في السرد التشكيلي للفنان “إبراهيم حجازي”
صحيفة المنتصف
تتراقص الألوان على سطوح لوحاته حاملة معاني تتوارى خلفها ألف قصة ورواية، في كل خط هناك مضمون وبين كل زاوية ولون تكتمل التفاصيل لتروي لنا حكايات وأحداث أثارت احساسه فوثقها بريشته.
فنان متكامل يرسم بمعايير خاصة، تمكن من تكوين هويته الفنية من خلال الدمج بين فنون العمارة والفن التشكيلي، اتسمت لوحاته بالشفافية وعدد كبير منها كان يحمل طابع التجريد الهندسي، تأثر بالمدرسة الانطباعية وظهر جليا اهتمامه بالألوان ومهارته في تصوير المكان وابراز التفاصيل وتجسيد الواقع بطريقة عبقرية تحمل كما هائلا من التغذية البصرية.
ولد الفنان إبراهيم حجازي بين ربوع مدينة طمرة وتلقى تعليمه فيها، كان طالبا موهوبا يرى فيه أساتذته ذاك الفنان المبدع، نمت موهبته بالدعم والتشجيع من عائلته ومعلميه حتى أصبحت أنظاره تتجه نحو الفنانين العالميين، وأخذ يطور وينمي موهبته من خلال التحاقه بدورات تدريبية في مجال الفن حيث تمكن من إقامة أول معرض له عندما كان في الصف الثاني عشر، ولترتكز موهبته على أسس علمية ويوسع لها آفاق الابداع التحق بأكاديمية بتصلئيل القدس للفنون والتصميم وتخرج منها عام 1977، بعدها تم تعيينه كمصمم في مشروع ترميم كنيسة القيامة من قبل بطريركية الروم الأرثوذكس، ثم عُين مديراً لمركز “بيلي” للفنون الجميلة في القدس عام 1981، الى أن التحق بكلية الهندسه المعمارية وتصميم المدن بمعهد الهندسة التطبيقية “التخنيون” حيفا وتخرج منها عام 1987، ونال عضوية نقابة الفنانين في الداخل الفلسطيني في الفترة مابين 1982 – 1990، كما عمل مدرساً وموجهاً للتربية الفنية في المدارس العربية من قبل وزارة المعارف في الفترة مابين عام 1985 وحتى عام 1997، وفي الوقت ذاته وتحديدا عام 1994 عمل محاضراً ومركز لقسم الفنون في “المعهد العربي” سخنين، ثم عٌين عضو لجنة تحكيم وتقييم الأعمال الفنية في قسم التصميم وتخطيط المباني في وزارة المعارف في الفترة مابين 1995 – 1999، كما عمل موجها في مشروع تحسين ملامح المدرسة العربية من قبل وزارة العلوم والفنون 1996 – 1997، ثم محاضراً في كلية مار الياس ـ ﺇعبلين قسم الهندسة المعمارية في الفترة مابين 1997 – 2007، وعضو فعال في رابطة الفنانين العرب “إبداع” حتى يومنا هذا.
خاض الفنان إبراهيم حجازي غمار الفن التشكيلي بخبرة فنية وهندسية متينة، وخرج لنا بلوحات وأعمال فنية تناثر فيها إحساسه بشكل واضح، تناولت أعماله المكان والأرض والإنسان والبيت العربي القديم والطبيعة الريفية والحضرية وكل مايحمل في تفاصيله تعبيرات بصرية وحسِية، رسم بريشته قرى فلسطين وبلداتها واستهدف الطبيعة الريفية لبعض القرى، وبشكل خاص تعددت لوحاته التي وثقت جوانب جمالية مختلفة من مدينة القدس والمسجد الأقصى وطبريا وبحيراتها، كما كانت له مشاركات فاعلة في إنجاز بعض الاعمال البيئية والنُصب التذكارية منها نحت بارز 2م* 5م في مدرسة الطور – القدس تحت اشراف بلدية القدس وذلك عام 1984، كما شيد نصب تذكاري لضحايا ” مجزرة كفر قاسم” في قرية كفر قاسم عام 2006، وتمثال بيئي على شكل ” جرّة ” في مدرسة البيادر في قرية شعب، ونصب تذكاري للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش شعب تم تنفيذه عام 2013 عند مدخل قرية شعب.
في كل لوحة من لوحاته الفنية التي تستحضر عبق الماضي وتسرد تفاصيل التراث الفلسطيني العريق تجد معالم إلهامه، وتستدل على الجزء الذي أجج مشاعره ليتناول هذا الجزء من بين الكثير من الأجزاء مثل لوحة “تلة الصيحات” .. وشجرة التين.. ولوحة الشباك.. وشفافيات.. وغراب البين.. ولوحة الباب، كما للفنان إبراهيم حجازي إسهامات كثيرة في تسليط الضوء على قضايا اللاجئين ورفع الوعي بالقضية الفلسطينية في المحافل الدولية من خلال المعارض التي شارك بها في عدد من الدول منها معرض الفنانين الفلسطينيين في لندن عام 1984، ومعرض “جراند باليه” صالون دي بوزار باريس فرنسا عام 1985، ومعرض الفن السنوي في دبي عام 2003 وعام 2005.
كما شارك في عدد كبير من المعارض المحلية منها معرض الفن التشكيلي للفنانين العرب الذي أقيم في المركز الثقافي في الناصرة عام 1978، ومعرض “وهنالك فن آخر” الذي أقيم في عكا عام 1984، ومعرض “حوار الصمت” جمعية ابداع في مجدل شمس – الجولان عام 1999، ومعرض “لقاء الربيع” – جاليري يغئال الون – كيبوتس جينوسار عام 2004، معرض فردي بعنوان ” قديم وجديد ” في إبداع كفرياسيف ومركز العلوم والفنون “اشكول بايس” طمره عام 2018، ومعرض “ألم وأمل” لفناني إبداع في صالة العرض إبداع كفرياسيف 2020، وغيرها الكثير من المعارض التي تنوعت أهدافها ومضامينها وعناوينها من شمال الى جنوب البلاد.
للفنان إبراهيم حجازي رسالة فنية واضحة تهدف الى تعزيز وابراز أهمية المكان الذي نعيش فيه وأهمية تفاصيله وحاول من خلال لوحاته تذويت أهمية المكان في أعماق المشاهد للوحاته، تلك اللوحات التي تحاكي ذاكرة المكان وماتسرده عن ماضي عريق وحاضر ينادي ذلك الماضي الذي لن يعود، ومسيرة المواطن الفلسطيني وانتماءه لوطنه، لوحات هي بالمختصر جسر ممتد بين الماضي والحاضر، هي دليل لكل من يطرق باب التاريخ الفلسطيني، ومدرسة لكل من يسعى الى التميز والإنفراد بالإبداع في الفن التشكيلي.