فلسطين واكرانيا: بين نظرية الاعتماد على الذات والعبر المستخلصة بقلم الدكتور أمجد شهاب
فلسطين واكرانيا: بين نظرية الاعتماد على الذات والعبر المستخلصة..بقلم الدكتور أمجد شهاب
صحيفة المنتصف
الاعتماد على الاخرين تجسيد لمفهوم التبعية باتفاق مشترك وللأسف أن عادة الاتكال على الاخرين مغروسة بعمق لدى بعض المسؤولين لدينا لدرجة انهم يتنازلون عن كل حق من اجل إرضاء الاخرين او فلسفة أخرى ويعتقدون انهم سيشعرون بالأمان والسعادة والرفاهية، وفي حال حدوث إشكالية أو فشل فأنهم سيلقون اللوم على الطرف الاخر. والدولة المتكلة والمعتمدة على غيرها تضع نفسها تحت رحمة من حولها اعتقادا منها انهم أكثر براعة وذكاء منها.
تعتبر التجربة الفلسطينية في الاعتماد على الاخرين الأصعب من ناحية النتائج والعبر فاعتقد قادتها بالبداية الاعتماد على العالم العربي هو السبيل الأفضل لتحرير فلسطين.
ومع احتلال العصابات الصهيونية ل78 بالمئة من مساحة فلسطين الانتدابية عام 1948 والبقية عام 1967 تحولت قيادة منظمة التحرير للاعتماد على المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفياتي ومع سقوط الأخيرة اعتقدت قيادة المنظمة ان الاعتماد على الولايات المتحدة وأوروبا هو الحل الأمثل مع تقديم تنازلات أليمة أدت الى حالة الضياع التي تعيشها القضية الفلسطينية اليوم.
ويبدو جليا للجميع ان الحرب التي تدار في أوكرانيا هي بين روسيا الاتحادية من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى وتدور المواجهة على الأراضي الأوروبية مع غياب دور حقيقي للدول الأوروبية التي كان من المفترض من خلال اتحادها الاقتصادي ان تبرز كقوة سياسية وعسكرية موحدة امام الولايات المتحدة وروسيا التي ناتجها المحلي الإجمالي أقل من دولة اسبانيا ودول أوروبية كثيرة تنتمي لحلف الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لأنها تفتقر لجيش قوي مثل روسيا التي تمتلك جيش حديث ومدرب وقوي ويمتلك أسلحة حديثة.
واستغنت أوكرانيا عن ترسانتها النووية عام 1991 تحت اشراف الولايات المتحدة مقابل استقلالها عن الاتحاد السوفياتي والعبرة هنا عدم التخلي عن ورقة مهمة وقوة ردع تساهم في حماية الوطن كما فعل الفلسطينيون بالتخلي عن الكفاح المسلح مقابل اتفاق مبادئ ” اوسلوا” الهزيل تحت رعاية الولايات المتحدة أيضا ووعود ببناء دولة فلسطينية على حدود الأراضي التي احتلتها اليهود عام 1967.
النفاق وبيع الأوهام للشعب تحت ذريعة احترام القانون الدولي والمطالبة بتطبيقه وهو شعار رفعته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية منذ الانحدار بمشروع التسوية مع الاحتلال من أجل تصديق كذبة قيام الدولة الفلسطينية العتيدة برعاية المجتمع الدولي بانتظار حلم الدولة المجهض تدفع فلسطين وأهلها الثمن الباهض يوميا. فأوروبا تعاني اليوم من أزمة أخلاقية ستنقلب عليها التي لا يمكن ان تعارض حجج الرئيس بوتين لأنه يطبق النظرية السياسية الأوروبية فكيف ستدافع عن نفسها وهي التي هاجمت دولة العراق منتهكة أبسط قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة تحت حجة كذبة أسلحة الدمار الشامل؟ بالنهاية الذي يدفع الثمن هو أوكرانيا وشعبها.
من الصعب ان يتحدث الغرب عن القانون الدولي وهو الذي قصف ليبيا منتهكا بذلك قرارات الامم المتحدة وتدمير دولة شرعية والاطاحة برئيسها “القذافي “وقتله. فكيف يمكن رفض استقلال إقليم دونباس بعد اعتراف بالرئيس بوتين باستقلال منطقتي دونيستك ولوغانسك عن أوكرانيا والدول الاوربية نفسها تنادي منذ أكثر من قرن” بحق الشعوب بتقرير المصير” لم يستطع الاتحاد الروسي عمل ما عمله الأوروبيين بعدة دول تحت ذريعة حقوق الانسان وباسم الديمقراطية.
كيف يمكن للولايات المتحدة الامريكية التي وعدت عام 1991 بعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو ورفضت وجود صواريخ سوفياتية على الأراضي الكوبية ان تتراجع عن مواقفها وتقبل بضم أوكرانيا للحلف الأطلسي وهي نفسها التي كذبت أيضا بموضوع العراق عام 2003 وليبيا عام 2011 ؟
دفع الفلسطينيون وما زالوا يدفعون ثمنا باهظا لسياسة الاتكال على الاخرين أخر نتائجها ربط المساعدات المالية ” المال السياسي” للاتحاد الأوروبي بتغير المناهج الدراسية للطلبة في المدارس وفتح القنصلية الامريكية في القدس مقابل قطع مخصصات الاسرى والشهداء وأيضا الشعب الاوكراني دفع وسيدفع ثمنا باهظا اختياره قيادة منحازة وتعتمد على الولايات المتحدة الامريكية ووعودها وأوروبا التي تتكل على الحماية العسكرية لها من روسيا الاتحادية من قبل الولايات المتحدة الامريكية ستدفع ثمنا باهضا وخاصة في المجال الاقتصادي الذي سيعاني من العقوبات التي فرضها الغرب بقيادة أمريكا على روسيا.