أخبار المنتصف
أخبار عاجلة
مقالات

التعليم في عصر التكنولوجيا..بقلم  مصطفى دوحان

التعليم في عصر التكنولوجيا..بقلم  مصطفى دوحان

مصطفى دوحان -المنتصف
مصطفى دوحان -المنتصف

صحيفة المنتصف
التعليم كان ومازال من أهم الأشياء التي يحرص عليها الآباء والأمهات، لبناء جيل قادر على الإبداع والتفكير، ولتأهيل أبنائهم لدخول معترك الحياة في ظل التطور التكنولوجي المتنامي، فالتعليم يجعل كل إنسان يشعر بأنه يمتلك شيئاً يميزه عن غيره، وصولاً الى الثقافة المعرفية.
وقد وضعت منظمة اليونسكو التعليم ضمن الأهداف الأساسية للحصول على التنمية المستدامة ضمن خطة 2030 فكان يُعتبر هدفاً رابعاً يسعى لضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع وصولاً لتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع
حيث لابد من النظر إلى التعليم في ضوء الرؤية المتجددة للتنمية البشرية والاجتماعية المستدامة المنصفة والقابلة للاستمرار على حد سواء. ويجب إن تأخذ هذه الرؤية المستدامة في الاعتبار الابعاد الاجتماعية والبيئية والاقتصادية للتنمية البشرية والطرق المختلفة التي تتصل بها التربية: “التعليم التمكيني هو الذي يبني الموارد البشرية التي نحتاج إلى ان تكون منتجه ومواصلة التعلم، وحل المشاكل والإبداع والعيش معا ومع الطبيعة في سلام ووئام. وعندما تضمن الأمم ان يكون هذا التعليم متاحا للجميع طوال حياتهم(1)، فكما يُقال بإن الثورة الهادئة بدأت في الحركة: فالتعليم يصبح محركا للتنمية المستدامة ومفتاحا لعالم أفضل(2)
ولأن التعليم بات من أساسيات وركائز المجتمع، فلم يعد مقبولاً الاستمرار بأسلوب التلقين في المدارس أو ما يعرف بأسلوب “التعليم التلقيني” الذي لا زال طلبة قطاع غزة يتلقونه.
التعليم التلقيني قائم على مبدأ شرح الدروس وعرض المادة بشكل نظري، هو طريقة تسلطية في التعليم تجعل التلميذ يستجيب باكتساب عادة الصم (أي الدراسة بالاستظهار)، وما يدرسه الطفل بهذه الطريقة يحفظه كما هو، بمعنى أنه لا يتأثر بموضوع التعلم لأنه لا يهتم بفهمه وإدراكه بل باستنساخه وحفظه.
ولا يعتمد التعليم التلقيني على مبدأ التجارب والتطبيق العملي، وبالطبع لا تساعد هذه الطرق على اكتساب الطفل التفكير النقدي الجدلي.. إنه في أحسن الأحوال يحفظ العلم دون أن يستوعبه، او يحفظ الامتحان دون أن تعد شخصيته بشكل علمي، يكتفي المعلم بذكر البنود المهمة في الوحدة الدراسية، وتصبح المعرفة بهذه الطريقة بالضرورة معرفة مجردة مطلقة ليس لها سوى علاقة واهية بتجارب الحياة اليومية، ويبين للطالب النقاط المهمة التي يجب حفظها والتركيز عليها.
تدهور التعليم في قطاع غزة
إن تكرار الصراع وما يتبعه من أضرار تصيب المرافق التعليمية وتدميرها في قطاع غزة يتسبب في تعطيل الخدمات، وتؤثر على سلامة الأطفال والمعلمين النفسية، كما يتأثر النظام التعليمي في غزة سلبًا بالحصار المفروض عليها منذ 14 عاماً، وباستمرار الفشل في التوصل إلى مصالحة داخلية فلسطينية حقيقية، فالآثار النفسية التي خلّفتها الحروب المتتالية على القطاع والصراع الداخلي والخارجي أدت إلى تدهور التعليم وزيادة نسبة الأمية في قطاع غزة، وصولاً إلى صعوبات في القراءة والكتابة.
وتعاني المدارس في غزة من اكتظاظ شديد، حيث تعمل ما نسبته 70% من مدارس الأونروا، و63% من المدارس التي تديرها وزارة التربية والتعليم بنظام الفترتين. وهذا يقلص عدد ساعات التدريس المتاحة في المواضيع الأساسية والتعلم التأسيسي. (1)
كما يفرز هذا الوضع صعوبات يواجها الطلبة في التركيز على دروسهم وتزايد مستويات العنف في المدارس، وإضافة إلى الغرف الصفية المكتظة، فالوقت المتاح لتعزيز التعلم، ودعم الطلبة الذين يعانون من بطء في التعلم، وتنفيذ البرامج التعليمية العلاجية أو النشاطات اللامنهجية يكون محدوداً.
التسرب من المدرسة لأجل لقمة العيش
ظاهرة التسرب من المدارس موجودة في جميع البلدان، ولا يمكن أن يخلو واقع تربوي من هذه الظاهرة، إلا أنها تتفاوت في درجة حدتها وتفاقمها من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة دراسية إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى.
التسرب هو إهدار تربوي هائل وتأثيره سلبياً على جميع نواحي المجتمع وبنائه، فهو يزيد من حجم الأمية والبطالة ويضعف البنية الاقتصادية الإنتاجية للمجتمع والفرد، ويزيد من الاتكالية والاعتماد على الغير في توفير الاحتياجات.
ويزيد من حجم المشكلات الاجتماعية من انحراف الأحداث والجنوح كالسرقة والاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم مما يضعف خارطة المجتمع ويفسدها، والتسرب يؤدي إلى تحول اهتمام المجتمع من البناء والإعمار والتطور والازدهار إلى الاهتمام بمراكز الإصلاح والعلاج والإرشاد، والى زيادة عدد السجون والمستشفيات ونفقاتها ونفقات العناية الصحية العلاجية. (1)
كما يؤدي تفاقم التسرب إلى استمرار الجهل والتخلف وبالتالي سيطرة العادات والتقاليد البالية التي تحد وتعيق تطور المجتمع مثل: الزواج المبكر والسيطرة الأبوية المطلقة، وبالتالي حرمان المجتمع من ممارسة الديمقراطية وحرمان أفراده من حقوقهم ويتحول المجتمع إلى مجتمع مقهور ومسيطر عليه، لأنه لا يمكن أن يكون المجتمع سيداً وحراً، وفي نفس الوقت جاهلاً: مجتمع تسوده العنصرية والتحيز والانغلاق والتعصب.
الفرق بين التعليم في قطاع غزة والتعليم في مصر والأردن والسعودية والغرب
يعتبر التعليم أساس بناء شخصية الطفل وتكوينه العقلي والنفسي والاجتماعي، والتعليم في فلسطين بالتحديد يعتبر أحد أدوات النضال الوطني في مواجهة الاحتلال، والتعليم التلقيني يهدف لتدريب الطالب على الطاعة، وتدريبه على الترديد والحفظ بحيث لا يبقى مجالا للتساؤل أو البحث أو التجريب، كما هو الحال في الوطن العربي.
إن طرق التلقين والعقاب والتخويف في التربية والتعليم في الوطن العربي لا تتفق مع المبادئ الديمقراطية التي هي أبسط المثل الإنسانية في العالم. لأن هذه الطرائق تلغي النقاش والندية والمساواة والحرية وتعطل الحس النقدي في الطالب.
ففي مصر، أدخلت وزارة التربية والتعليم التابلت على المدارس الحكومية بديلاً للكتاب، فقط وزعت 750 ألف تابلت لطلاب الثانوية العامة، وفى تجربتها الأولي للتعليم الإلكتروني اجتاز الطلاب الامتحانات عبر التابلت بشكل إلكتروني.(2)
وفى الأردن، يحظى المعلم بمكانة اجتماعية واقتصادية رفيعة جعلته في مقدمة الركب الانساني في وطنه، وأطلقت وزارة التربية والتعليم التربية تطبيق للأجهزة الذكية خاصة بنظام التعليم الإلكتروني “Noorspace”، يمكن أولياء الأمور من التواصل مع المدرسة والاطلاع على نتائج أبنائهم في جميع الامتحانات بالإضافة الى العديد من الوظائف والخدمات الإلكترونية.
وفى السعودية، استخدموا نظام “السيمانور التعليمي” وهو أول متصفح يعمل من خلال الانترنت يحتوي على جميع الكتب الدراسية والتي تشكل أكثر من 350 كتابا مدرسيا أي ما مجموعة 35الف صفحة تم إدخالها إلكترونيا بإشراف وتنسيق مع وزارة التربية والتعليم وجميع تلك الصفحات ومحتوياتها قابلة للبحث والتحليل والإثراء من خلال محركات وأدوات يستطيع المعلم إنشاء دروسه الإلكترونية بها، كما يوجد أكثر من خمسين شخصية كرتونية تحت تحكم المعلم، كما أضيفت أدوات الخرائط الذهنية كوسيلة تقنية وتعليمية.(3)
ففي المدارس الحديثة في الغرب تواكب باستمرار التحولات الجذرية التي تعرفها المعرفة العلمية والإنسانية بحيث توفر للتلميذ أو الطالب كل شروط الاستقلال والتحرر، محاور التعليم تشمل المعرفة والشخصية والخُلق في خضم التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع، والتعليم يتم ربطه بمشاريع التنمية الوطنية، والتخصصات خيار للطالب حسب القدرة والرغبة وسوق العمل.
إن التعليم التلقيني له تأثير كبير على الطالب والمجتمع، وهنا نضع علامات الاستفهام حول عدة أسئلة، أي مجتمع نريد ؟، وأي مستقبل ؟، وهل نريد مجتمع مزدهر متقدم يخلو من العنف؟، لو ركزنا على مفهوم التلقين فإننا سنرى وكأننا نعد أجيال بقوالب متشابهة من خلال تهميش دور الطلاب، وجعله كآلة تردد وتعيد ما تم حفظه، وبنهاية العام تصبح هذه الآلة شبه معطلة عن الإنتاج، لأن ما تم تلقينه تم استخدامه ووضعه جانبا دون أن يترك أثر في القيم، والتوجهات والمعارف لدى الطلاب، وبالتالي يصبح الإنتاج المعرفي ضعيف، والابتكارات غير موجودة، لأن المجتمع تحكمه عقول تقليدية غير مبدعة مجترة للمعرفة.
التعليم الإلكتروني بديل جيد للتعليم التقليدي
لقد وصلنا لحد الاكتفاء من التعليم الأكاديمي التقليدي والتلقين المباشر للطالب، فالتطور والأنترنت أصبح متاحاً وأسرع لأخذ أي معلومة، لذلك نحن بحاجة لتكثيف الجهود والحصول على التعليم المهني بنسبة أكبر وأخذ كل المهارات التي نحتاجها بتخصص ما من خلاله فهو الذي سوف يؤهلنا لدخول سوق العمل والتمكن منه.
يحتاج مجتمعنا الى تطبيق مبدأ التعليم الإلكتروني الذي يعتمد على التكنولوجيا في توصيل المعلومة بين المتعلم والمعلم لما له من أهمية كبيرة في حل مشكلة الانفجار المعرفي، والإقبال المتزايد على التعليم باستخدام أشكال التكنولوجيا المختلفة من (نصوص مكتوبة أو منطوقة، مؤثرات صوتية، رسومات، صور ثابتة أو متحركة، لقطات فيديو)، بحيث تتكامل هذه الوسائط مع بعضها البعض لتحقيق أهداف تعليمية محددة.
ويمتاز التعليم الالكتروني بقلة التكلفة مقارنة مع التعليم التقليدي كما يساعد المتعلم على اكتساب معارفه بنفسه فيحقق بذلك التفاعلية في عملية التعليم (تفاعل المتعلم مع المعلم، مع المحتوى، مع الزملاء، مع المؤسسة التعليمية، مع البرامج والتطبيقات) كونه يوفر إمكانية الوصول إليه في أي وقت ومن أي مكان.

المراجع:

Power، C (2015). The Power of Education: Education for All, Development, Globalization and UNESCO. London, Springer.
Rethinking Education: Towards a global common good? (PDF). UNESCO. 2015. صفحات 31–32. ISBN 978-92-3-100088-1. مؤرشف من الأصل (PDF) في 13 نوفمبر 2018.
الأمم المتحدة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، مايو/ ايار، 2018.
وزارة التربية والتعليم العالي، مجلة المسيرة التعليمية، العدد (50)، أيلول/ سبتمبر، 2005.
الأهرام، معلومات مهمة عن التابلت المدرسي لطلاب الثانوية العامة، شباط/ فبراير، 2019.
BLOGGER- 29 – ابريل – 2009.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى