الأزمة الروسية الأوكرانية.. تعرية الأنظمة السياسية الإفريقية أمام شعوبها… بقلم رحاب السيد
الأزمة الروسية الأوكرانية.. تعرية الأنظمة السياسية الإفريقية أمام شعوبها
صحيفة المنتصف
الخرطوم بقلم رحاب فضل السيد
أشياء كثيرة كانت مخفيّة عن الرأي العام والمواطنين كشفتها الأزمة الروسية الأوكرانية وهي عجز القارة الإفريقية عن تحقيق الأمن الغذائي لسكانها، ليس ذلك فحسب بل ربما تتسرّب الأزمة داخل حصون الحكام الأفارقة لتهوي بها نحو السقوط المدوّي لعدد من الأنظمة السياسية بالقارة، توسعت دائرة التأثيرات السياسية والاقتصادية والأمنية للغزو الروسي لأوكرانيا وتجاوزت الحدود الجغرافية للدولتين لتلامس القارة الإفريقية خاصة تلك الدول ذات الاقتصادات النامية، في ظل تقارير حذّرت من حالة طوارئ اقتصادية ستتشكّل بالمنطقة، باعتبار أن بعض البلدان الإفريقية تستورد ما يصل إلى 80 بالمائة من القمح من روسيا وأوكرانيا حسبما أعلنت ذلك مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة أهونا إيزياكونوا، الأمر الذي يُهدّد استقرار تلك الحكومات عقب موجات احتجاجات وأعمال عنف محتمل اندلاعها بعدد من الدول الإفريقية.
(الفاو) تُحذِّر
في تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة قالت المنظمة إن ما يقرب من نصف دول إفريقية البالغ عددها 54 دولة تعتمد على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح.. وتمثل روسيا وأوكرانيا أكثر من 40 في المائة من واردات إفريقيا من القمح، ويرتفع الرقم في بلدان مثل رواندا وتنزانيا والسنغال إلى أكثر من 60 في المائة.. فيما حذّر مسؤولان في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن إفريقيا تواجه أزمة “غير مسبوقة” بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الوقود.. وقال كبير الاقتصاديين في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في إفريقيا، ريموند غيلبين، خلال مؤتمر صحافي في جنيف بسويسرا: “نرى احتمال نشوب توترات في بؤر ساخنة مثل الساحل وأجزاء من وسط إفريقيا والقرن الإفريقي”.. وأردف المسؤول الأممي: “التوترات خصوصاً في المناطق الحضرية والمجتمعات ذات الدخل المنخفض، يمكن أن تتفاقم وتؤدي إلى احتجاجات وأعمال شغب عنيفة”.
بدائل عديمة الجدوى
الحرب الروسية الأوكرانية تداعياتها كارثية على إفريقيا باعتبار أن معظم الدول الإفريقية تعتمد على القمح والحبوب من روسيا وأوكرانيا باعتبارها الأقل سعراً والأقرب مسافة من أمريكا وكندا ودول شرق آسيا، هكذا ينظر الباحث في الشؤون الإفريقية دكتور حامد تورشين لتلك الأزمة التي تُهدّد القارة السمراء، ويقول تورشين في حديث لـ( افريكان مترس) إن التحدي يكمُن في بحث القيادة السياسية لمقاربة ووضع مخرج للأزمة مثل حث روسيا على السماح بمرور شحنات الحبوب الغذائية لإفريقيا سواء كان عن طريق ميناء أوديسا أو غيرها من الموانئ الروسية المطلة على البحر الأسود فضلاً عن ذلك محاولتها إيجاد منافذ أخرى سواء كان عن طريق بولندا أو ليتوانيا، التأثير في تقديري لن يستمر حتى تكون هنالك انتخابات لكل البلدان الإفريقية في غضون الثلاثة أشهر المقبلة إذا لم تستطِع حل هذه المشكلات بشكل جذري ستكون آثارها ملموسة وواضحة وسنشهد احتجاجات نسبة لأن بعض الدول الإفريقية مثل الكاميرون حاولت اتحادات المخابز إيجاد بدائل لكن في تقديري أن هذه البدائل ستكون مكلفة وذات جودة أقل، خاصة أن اعتماد المواطنين الأفارقة تحديداً على القمح يجعل تغيير النمط الغذائي لتلك الشعوب صعباً جداً.
موجة تغييرات سياسية
وعلى خلفية ذلك يرى الدكتور حامد تورشين أن التداعيات السياسية ستبرز في شكل احتجاجات تطالب بإسقاط الأنظمة الشمولية والديمقراطية لأنه عندما يصل الأمر إلى معاش الناس فلا ريب أن يطالب الناس بإسقاط الحكومة، فأي انفلات أمني يسمح بشكل مباشر؛ لأن تكون الدولة حاضنة للجريمة المنظمة مثل الاتجار بالبشر والفساد والاعتداء على المال العام الأمر الذي يفتح الباب أمام الجماعات الإرهابية لتجد موطئ قدم لها لأن السلطة ستكون في حالة استنفار والاستنفار يحتاج إلى موارد مالية، والأخطر من ذلك أن دول القرن الإفريقي أصلاً مرشحة لأن تكون “بؤر أو مناطق للمجاعات” نتيجة شح الإنتاج الزراعي لقلة هطول الأمطار، فإذا لم تكن خلال الثلاثة أشهر القادمة تفاهمات سياسية تسمح بتدفق الحبوب الغذائية للبلدان الإفريقية فنحن أمام موجة من التغيير السياسي العنيف بالإضافة إلى ذلك في يكمُن الحل الجذري لهذه المشكلة في ضرورة توجه البلدان الإفريقية لإنشاء صوامع ومستودعات إستراتيجية تخزّن هذه السلع لفترات طويلة، فضلاً عن ذلك هنالك حل إستراتيجي يكمُن في أن الأفارقة وعبر منظومات الاتحاد الإفريقي أو الإيقادي أو دول غرب إفريقيا كل هذه المنظومات يجب أن تتعاون مع بعضها البعض من أجل الاستفادة من القدرات الزراعية لإفريقيا مثل السودان ومصر وإفريقيا وتشاد والنيجر وغيرها بها قدرات زراعية مهولة جداً ينبغي أن يتم توظيفها لإنتاج المحاصيل حتى يتحقق الأمن الغذائي الإفريقي، وإذا لم يفكر القادة الأفارقة بهذه العقلية ستستمر هذه الإشكالية فالأزمة الروسية الأوكرانية كشفت الكثير من الأشياء كانت مخفية عن الرأي العام وعن المواطنين وهي عدم قدرة البلدان الإفريقية على تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين دون الاعتماد على الخارج.
المصدر : African Matters + المنتصف