صحيفة المنتصف
في تحقيق لصحيفة “فايننشال تايمز” أعده أندرو إنغلاند من لندن ومراسل الصحيفة ميهول سيرفاستافا من مدينة معان، جنوب الأردن، تحت عنوان “داخل أزمة العائلة المالكة: لماذا بحث الأمير عن دعم قادة العشائر؟”
جاء أن الأمير حمزة طرح قبل ثمانية أعوام فكرة على أخيه غير الشقيق الملك عبد الله الثاني حول المخابرات في البلاد. فقد ظلت أجهزة المخابرات والأمن في مواجهة مع بعضها البعض ودخلت معركة طويلة استمرت عقدا للسيطرة على المؤسسات القوية في المملكة. وسجن اثنان من مدراء المخابرات العامة بتهمة الفساد.
وقال دبلوماسي غربي “كانت فترة مظلمة” واتسمت بـ”الفساد المفتوح والمعارك للحصول على النفوذ بين الأجهزة وبيانات وأخرى مضادة بشكل أدى لتآكل فاعليتها”. ومن هنا طلب الملك عبد الله من أخيه الذي أعفاه من ولاية العهد عام 2004 طرح فكرة تجعله مفيدا للعائلة الهاشمية. وفي ذلك الوقت تقدم الأمير الصريح بمقترح جريء، وذلك حسب شخص مطلع عليه. فقد دعا لتوحيد كل أجهزة المخابرات العسكرية في جهاز واحد وتعيينه رئيسا له. ورفض الملك عبد الله الفكرة. وقال الشخص إن تعيين الأمير حمزة الذي تجاوزه وعين بدلا منه ابنه في ولاية العهد في مركز مؤثر كهذا “لا يمكن التفكير به”.
ومنذ رفض الفكرة بدأ الأمير البالغ من العمر 41 عاما مسارا مختلفا وتواصل مع القبائل البعيدة والساخطة والتي ساعدت قبل قرن على إنشاء المملكة الأردنية الهاشمية، وتشعر اليوم أنها أقلية يواجه أبناؤها الشباب البطالة. ووجدت في الأمير الشاب شخصا يصغي لها. ونقلت الصحيفة عن دحام مثقال الفواز، 38 عاما، زعيم من عشيرة السردية في شمال البلاد قريبا من الحدود السورية “كان يسألنا عن وضعنا” و”كان يستمع عندما أخبره عن الحزن في وجوه الناس والكآبة بسبب الصعوبات التي يواجهونها”.
وكان هذا الأسلوب سببا في مواجهة مفتوحة داخل العائلة الحاكمة وتم وضع الأمير الشاب تحت الإقامة الجبرية بعد تجريده من الاتصالات الإلكترونية وتم إجباره على توقيع تعهد بالولاء لأخيه البالغ من العمر 59 عاما.
وقالت الصحيفة إن الخلاف المفتوح كشف عن التوتر الذي يغلي تحت السطح منذ وقت طويل في داخل أكثر العائلات الملكية احتراما في العالم العربي.
فالنخبة الحاكمة المتعلمة في الغرب والمخابرات التي تحظى بالثقة جعلت من الأردن حليفا قويا للغرب وبخاصة الولايات المتحدة والتي كافأته بمليارات الدولارات من الدعم السنوي. وتم اعتقال 18 شخصا على الأقل ممن وصفتهم الحكومة بالمتآمرين والعصاة.
وتضيف الصحيفة أن مسؤولين أردنيين وصفوا لها محتويات رسائل واتساب وغير ذلك من الاتصالات التي تم التنصت عليها، وتكشف عن أشكال تبتعد عن عملية بناء قاعدة تنافس. وتقترح صورة عن التعاون بين باسم عوض الله وولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كما يقال لا يحب الملك عبد الله. وتحتوي الرسائل على أوقات معينة يمكن فيها للأمير دعوة أنصاره إلى الشوارع للاحتجاج. وقال المسؤولون إن الأمير حمزة طلب النصيحة من مجموعة التواصل بمن فيهم عوض الله إن كان عليه دعم سلسلة من التظاهرات التي خطط لها في 24 آذار/ مارس دعت إليها حركة شبابية نظمت تظاهرات على شاكلة الاحتجاجات في الربيع العربي التي طالبت بالإصلاح. وفي رسالة نصية سأل الأمير حمزة: هل الوقت مناسب و”لا أريد التحرك بسرعة” حسب وصف مسؤول أردني لما جاء في الرسالة.
وقال مسؤولان أردنيان إن تحرك الأمير حمزة للحصول على دعم العشائر الأردنية والحصول على دعمها الرسمي، ضرب قلب شرعية الملك عبد الله. ووصف قادة العشائر الذين تحدثت إليهم الصحيفة الملك عبد الله بالرجل البعيد وأحاط نفسه بحاشية من المستشارين في المدن ممن أصموا آذانهم عن معاناتهم.
وقالت الباحثة الأردنية بسمة مومني في جامعة واترلو في كندا “يتوقعون الكثير من الحكومة بناء على العقد الاجتماعي الذي منح لهم مع بداية الدولة”. و”مع مرور الوقت باتوا ناقدين لحقيقة فقدانهم السلطة، بسبب الديمغرافيا وبسبب المعاناة الاقتصادية في السنوات الأخيرة وفاقمها كوفيد”.
وفي أثناء عهد الملك حسين (توفي عن 64 عاما) استخدم الرعاية لإرضاء السكان من خلال الزيارات واللقاءات الجماعية التي استمرت لساعات واللمسات الشخصية منه. وبدلا من الاستجابة لمطالب الدولة الحديثة وزع القصر الوظائف، بخاصة في الجيش والتقاعد. وبحلول عام 1989 عندما لجأ الأردن إلى صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة إنقاذ كانت نسبة 90% من العمال في المناطق القبلية مثل الطفيلة والكرك ومعان يعملون في القطاع العام وذلك حسب تقدير طارق التل الأستاذ في الجامعة الأمريكية ببيروت.
وكان نظاما مكلفا وغير مستدام، ولأن الأردن لديه مصادر طبيعية قليلة، وهو بلد صغير واقع بين العراق وسوريا وإسرائيل والضفة الغربية والسعودية، فقد تأثرت تركيبته السكانية بالحروب في عدد من دول الجوار، بعد حربي 1948 و1967 وأكثر من 600.000 لاجئ سوري. وفي الوقت الذي اعتلى فيه الملك عبد الله العرش عام 1999 كان الاقتصاد في حالة تراجع وأصبحت فيه العشائر الأردنية أقلية وما نتج عن ذلك من تخلخل للعقد الاجتماعي. وأدت مطالب صندوق النقد الدولي من الأردن كي يخفض من نفقاته إلى تظاهرات في عام 1989 بمناطق العشائر وتبعتها تظاهرات عام 1996 وأخرى في 2011 وفي 2018.
وقال البرفسور التل إن “قاعدة النظام والعقد الاجتماعي الذي جعله مستمرا قد تآكلت منذ وقت ويواجه مشاكل خطيرة” وكان “الأمير حمزة يفحص المياه لعقد، ومضى في هذه العملية لكي يصبح الرجل الذي يحصل على دعم الناس”. وبعد عام من وباء كورونا الذي دمر قطاع السياحة المهم للوظائف والعملة الأجنبية، فإن نسبة 55% من شباب الأردن ما بين 15- 24 عاما بدون عمل، أي بزيادة نسبة 35%. ويواجه الأردن، الذي اعتمد في نجاته على الدعم الأمريكي والغرب والسخاء الخليجي، قيودا لتفعيل اقتصاده. وكان فشل الأردن في خلق صناعة حية واضحا من ندرة الأعمال المتوفرة للشباب الذين لا مهارات لديهم. وقال جيسون توفي، المحلل البارز في “كابيتال إيكونوميكس” للأسواق الصاعدة، إن أي “تعاف سيكون كفاحا في الأردن” و”لجأت الحكومة لخفض الدعم وخفض رواتب القطاع العام وقد نشاهد بسهولة حالة من عدم الاستقرار”.
وقضى حمزة وقتا طويلا في التقرب من القبائل حيث شارك في أفراحهم وأتراحهم وانضم إليهم في رحلات الصيد نهارا والنقاشات السياسية في الليل. وساعده شبهه بوالده ولغته الفصيحة للبس عباءة وريث الحسين بسهولة أكثر من أخيه الملك. والنسب مهم في الأردن. وعبر بعض قادة العشائر عن سخطهم لزواج الملك من فلسطينية وهي الملكة رانيا وكانوا يفضلون أردنية خالصة. وقال أحد القادة “الأمير حمزة كان واحدا منا وكان قريبا من قلوبنا” أما “الملك فهو بعيد وعليك المرور بالكثير من الأشخاص حتى تصل إليه ولا تعرف إن كان قد استمع إلى صوتك”.
ويقول المسؤولون الأردنيون إن الأمير حمزة استخدم شعبيته للبحث بهدوء عن حلفاء. وفي سلسلة من الرسائل النصية وواتساب وصفت للصحيفة، كان رجال يعملون لحمزة يتصلون مع قادة العشائر ويسألون عن إن كانوا مستعدين لتغيير ولائهم من الملك عبد الله، وفي حالة كان الجواب نعم يتبع ذلك لقاءات خاصة مع الأمير حمزة، وذلك حسب شخص مطلع على الرسائل.
ويقول أشخاص على علاقة مع الأمير إنه كان واعيا للمخاطر عند زيارته للمشايخ وحديثه عن الفساد والمحسوبية. وقال مقرب “صارت النكتة أنه سيرمى في السجن”، ولكنه أصر أن الأمير لم يكن لديه طموح لاغتصاب السلطة من أخيه، رغم المشاعر العدائية التي يكنها له. وأضاف نفس الشخص “شعر أنه يحمل أمانة إرث العائلة” و”كان تفكيره العام، لو كانت هناك انتفاضة شعبية في الأردن، لا قدر الله فلن ينجو أي واحد من أفراد العائلة. واللغة هي “هل سيفرقون بيني وبين أخي، وحتى من هم على هامش النظام سيصبحون غير مرغوب فيهم”.
وبحسب أشخاص على معرفة بالتحقيقات فقد كانت المخابرات الأردنية تراقب عوض الله، الذي يعود في أصوله للقدس الشرقية وترقى في السلك الدبلوماسي ليصبح مديرا للديوان الملكي عام 2015، وأشرف بداية القرن على إصلاح الاقتصاد وخصخصة أرصدة الدولة التي شابها الفساد وأدت لغضب العشائر التي فقد أبناؤها وظائفهم. وأصبح مستشارا لولي العهد السعودي عام 2018. وبحسب المسؤولين الأردنيين التقى حمزة بعوض الله ست مرات هذا العام.
وقال أحدهم “كان يدرب الأمير حمزة ويشجعه ويساعده ويشكل لغته”. ولا يمكن التأكد من التنصت كما لم تؤد التحقيقات الأردنية إلى نتائج أخرى تثبت عملية عصيان. كما يقول مسؤولان أردنيان إن الأمير حمزة كان على اتصال مع عوض الله في نفس الليلة التي زاره فيها قائد الجيش الجنرال يوسف الحويطي الذي طلب منه أن يتوقف عن الاتصال مع نقاد البلد، وسجل الأمير حمزة ما دار من نقاش قبل أن يطلب منه مغادرة منزله. وبحسب شخص مطلع على التحقيق، فبعد دقائق أرسل الأمير حمزة التسجيل إلى عوض الله برسالة مشفرة “يجب على الناس معرفة أن هذا حدث”.
وأدى بث الأمير التسجيل عبر محاميه إلى حالة اضطراب داخل القصر استمرت 48 ساعة. وبعد ساعات اعتقل عوض الله. وأعلنت الحكومة السعودية المنزعجة من التطور عن دعمها للملك وأرسلت أربع طائرات محملة بالمسؤولين وطالبت بالإفراج عن عوض الله وهو ما لم تستجب له عمان، حيث لا يزال معتقلا. وقال الشخص القريب من الأمير حمزة إنه لا يعتقد بوجود علاقة قوية مع عوض الله “لست مطلعا على كل حواراته مع باسم ولكن شعوري أن الأمير حمزة لم يكن يثق بباسم”.
لكن رواية الحكومة عن انقلاب تم التعامل معها بشك داخل وخارج البلد. ورفض الأمير حمزة في شريط فيديو الاتهامات وأكد أنه ليس جزءا من أي مؤامرة وكذا السعودية التي نفت أن لها علاقة بمؤامرة انقلابية. وقال دبلوماسي غربي مقيم في عمان “لم نصدق هذا” و”من السهل عمل هذه الاتهامات عن التدخل الأجنبي والتخويف وحرف النظر عن الموضوع الرئيسي وهو نظام لا يستجيب للنقد المشروع”.
وتقول الصحيفة إن محاولة الأمير حمزة التقرب من العشائر ونقده للحكومة قوضا عملية موازية للترويج لولي العهد الأمير حسين، 26 عاما، فهو مثل والده وعمه الأمير حمزة متعلم في الغرب ولديه 2.7 مليون معجب على حسابه في إنستغرام ولديه سجل عسكري ويمثل البلد في المؤتمرات الدولية. وقال المعلق داوود كتاب إن “الملك والملكة يحاولان تحضيره ولكنه لم يحصل على شعبية بين الأردنيين كمرشح جاد” و”منافسه الأكبر هو الأمير حمزة”. ووصف دبلوماسيون غربيون مصدرا آخر من التوتر، فبعد رفض الملك لمحاولة حمزة غير الناجحة ليتولى مسؤولية الأجهزة الأمنية قوت الملكة رانيا من سيطرتها على أهم المؤسسات الأمنية في البلد.
وكان تعيين أحمد حسني في عام 2019 مديرا للمخابرات وغيره من المسؤولين الأمنيين بسبب دفع الملكة، حسب مسؤولي أمن غربيين وعسكريين إسرائيليين. وقال طارق التل “المخابرات هي أداة للهيمنة الهاشمية”. و”إذا كانت قيادة المخابرات والجيش تحت سيطرة القصر فهذا يعني أن الملكة قوية أكثر”. ويقول دبلوماسي غربي إن تقرب الأمير حمزة للعشائر وتبنيه مواقف الأردنيين العاديين يعتبر تحديا لصعود الأمير حسين إلى العرش. و”هناك حبل قوي بين الملكة والأجهزة الأمنية وبالتأكيد فتركيزها هو تأمين خلافة ولي العهد وهو أمر معروف”.
ورغم المصالحة العائلية إلا أن الأمير حمزة يظل رمزا قويا ويرفض السكان رواية القصر عن مؤامرة خارجية وينتقدون الملك علانية بسبب عدم قدرة الحكومة على حل مشاكل البلاد الاقتصادية. وقال ناشط من معان “هذه فرصة للنظام كي يعيد النظر بالوضع الخطير ويبحث عن طريق للإصلاح”.